عدم توافق الليبرالية والبيئة... الفردية والاستهلاكية

إن عدم توافق مبادئ الليبرالية، كالفردية والاستهلاكية، مع حماية البيئة يؤكد ضرورة إعادة النظر في هذه القيم للتعامل مع الأزمات البيئية.

شلير حسين بناهي

أورمية ـ الليبرالية باعتبارها واحدة من أبرز المدارس الفكرية والسياسية في العالم الحديث، تقدس مبادئ مثل الحرية الفردية والسوق الحرة ومع ذلك، فإن هذه المبادئ، التي تشكلت في البداية بهدف تحسين الحياة الفردية وتعزيز الرفاهية العامة، أصبحت الآن تحديات كبيرة لبقاء البيئة.

يبحث هذا التقرير في "عدم توافق الليبرالية والبيئة" ويبين كيف أن النزعة الفردية والاستهلاكية، وهي الركائز الأساسية لليبرالية، تغذي تدمير النظام البيئي العالمي.

 

"الفردية" التمركز حول الذات على حساب تدمير البيئة

إن الفردية، التي هي في قلب الليبرالية، تقدر الاستقلال الفردي والحرية لكن هذا التركيز على الاستقلالية يؤدي إلى تجاهل المسؤوليات الجماعية في كثير من الحالات. في المجتمع الفردي، يميل الناس بشكل متزايد إلى التفكير في مصالحهم الخاصة فقط ويتجاهلون عواقب أفعالهم على الآخرين والبيئة. يمكن أن يؤدي هذا الموقف إلى سلوكيات غير مستقرة ومضرة بالبيئة.

على سبيل المثال، قد تؤدي النزعة الفردية إلى خيارات استهلاكية تؤدي إلى تدمير الموارد الطبيعية. إن الشخص الذي يسعى فقط إلى الراحة والرفاهية الشخصية قد يولي اهتماماً أقل للتأثيرات البيئية لخياراته، مثل الاستهلاك المفرط للطاقة، استخدام المركبات الخاصة بدلاً من وسائل النقل العامة، وشراء المنتجات عالية الاستهلاك والملوثة. مثل هذه السلوكيات، عندما تتكرر على نطاق واسع، تؤدي إلى تدمير شديد للبيئة.

 

"النزعة الاستهلاكية" تدمير النظام البيئي باسم التقدم

الليبرالية، من خلال التركيز على السوق الحرة والنزعة الاستهلاكية، تشجع الناس على شراء واستهلاك المزيد من السلع والخدمات، وهذه الأيديولوجية الموجهة نحو الاستهلاك، والتي تضرب بجذورها في التربح الاقتصادي، لا تستنزف الموارد الطبيعية بسرعة فحسب، بل إنها تغذي أيضاً التلوث وتغير المناخ على نطاق واسع.

الإعلانات التي لا نهاية لها وثقافة الموضة تشجع الناس على شراء منتجات جديدة ومحدثة، حتى لو كانت هذه المنتجات بها تغييرات طفيفة ولا داعي لها، ويؤدي هذا السلوك الاستهلاكي المفرط إلى إنتاج نفايات ضخمة واستهلاك مفرط للموارد الطبيعية. على سبيل المثال، تصدر صناعة التكنولوجيا منتجات جديدة كل عام، في حين يتم إصدار العديد من هذه المنتجات مع تغييرات صغيرة وغير ضرورية وهذا النهج الاستهلاكي، من خلال تشجيع التخلص من المنتجات القديمة واستبدالها بمنتجات جديدة، يؤدي إلى زيادة النفايات الإلكترونية والتلوث البيئي.

 

عدم التوافق الأساسي لليبرالية مع حماية البيئة

إحدى الانتقادات الخطيرة لليبرالية هي أن مبادئ الحرية الفردية والسوق الحرة تتعارض بطبيعتها مع حماية البيئة، وتؤمن الليبرالية بأن الناس يجب أن يكونوا أحراراً في اتخاذ القرارات ويجب ألا يتدخل الهيكل السياسي في سلوكهم لكن هذا النهج غير فعال إلى حد كبير في مواجهة الأزمات البيئية. إن الأزمات مثل تغير المناخ، والتلوث واسع النطاق، وفقدان التنوع البيولوجي، تتطلب عملاً جماعياً وأنظمة حكومية صارمة تتناقض مع مبادئ الليبرالية.

في الأنظمة الليبرالية، غالباً ما يتم تجاهل الأنظمة البيئية أو التقليل منها بسبب آثارها السلبية على النمو الاقتصادي والحرية الفردية وفي الوقت نفسه، تتطلب حماية البيئة قيوداً وقوانين صارمة قد تحد من الحريات الاقتصادية والفردية. على سبيل المثال، فرض قيود صارمة على انبعاث الغازات الدفيئة واستخدام الموارد الطبيعية يتعارض مع مبادئ السوق الحرة وعدم التدخل فيها.

 

فشل السوق الحرة في عكس التكاليف البيئية

إن السوق الحرة، التي تعتبرها الليبرالية أفضل وسيلة لتخصيص الموارد، غالباً ما تتجاهل التكاليف البيئية وفي هذا النظام، نادراً ما تعكس أسعار السلع والخدمات الآثار البيئية السلبية التي يجلبها إنتاجها واستهلاكها، وتؤدي هذه المشكلة إلى المزيد من تدمير البيئة، لأن المنتجين والمستهلكين ليس لديهم أي حوافز للحد من تأثيرهم البيئي.

على سبيل المثال، تستخدم العديد من الصناعات أساليب رخيصة ولكنها ضارة بالبيئة بسبب عدم وجود لوائح صارمة أو مراقبة كافية وقد تنتج هذه الصناعات منتجات رخيصة الثمن، ولكن التكاليف الحقيقية لهذه المنتجات، والتي تشمل تلوث الهواء والماء، وتدمير الغابات، وفقدان الموائل الطبيعية، يتحملها المجتمع والبيئة هنا، السوق الحرة لا تحل المشكلة فحسب، بل تغذيها أيضاً.

 

المراجعة النهائية والحلول

إن عدم التوافق العميق بين الليبرالية وحماية البيئة يظهر بوضوح أن مبادئ هذه المدرسة تحتاج إلى مراجعة جادة. إن التركيز المستمر على النزعة الفردية والاستهلاكية، في الوضع الذي تكون فيه الأزمات البيئية بحاجة ماسة إلى إجراءات عاجلة ومنسقة على المستوى العالمي، سيؤدي إلى كوارث بيئية.

وللحد من هذه التناقضات، يتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك نحو قبول وتنفيذ السياسات التي تعطي الأولوية لحماية البيئة ويشمل ذلك تشجيع الاستهلاك المسؤول، وفرض الضرائب البيئية، وتعزيز القوانين واللوائح البيئية. فقط من خلال خلق التوازن بين الحريات الفردية والمسؤوليات الجماعية يمكننا أن نأمل في الحفاظ على البيئة وخلق مستقبل مستدام.

إن الليبرالية كمدرسة فكرية وسياسية، في كثير من الحالات، مثل حقوق الإنسان في أجزاء مختلفة من العالم وخاصة في البلدان الأقل نمواً، وكذلك في تعزيز القيم الإنسانية على المستوى العالمي، كان أداؤها ضعيفاً ولم تقدم أي شيء أي أفكار تحررية، لكن في مجال البيئة فإن الوضع أكثر خطورة بكثير. إن الليبرالية، بتركيزها على النزعة الفردية والاستهلاكية، لا تتعارض بشكل خطير مع حماية البيئة فحسب، بل تُعرف أيضاً باسم الجاني الرئيسي لتدمير النظام البيئي العالمي.

ومن خلال الترويج لأيديولوجية السوق الحرة والسماح للحكومات والشركات الرأسمالية باستغلال البلدان المتخلفة، غذت هذه المدرسة التدمير الواسع النطاق للموارد الطبيعية وتفاقم الأزمات البيئية. ويتعين على المجتمع الدولي أن يتقبل الحقيقة المريرة المتمثلة في أن الليبرالية لا توفر حلاً للأزمات البيئية فحسب، بل إنها تعمل أيضاً كمركز للأزمة والسبب الرئيسي لهذه التحديات وبدون تغييرات جوهرية في القيم والسياسات، ستظل الليبرالية تشكل تهديداً خطيراً لبقاء البيئة واستدامتها، وفي نهاية المطاف، لبقاء البشرية.