استهتار حكومي بظاهرة حرق المخلفات الزراعية بكرماشان

تتزايد ظاهرة إحراق المخلفات الزراعية في محافظة كرماشان كل عام، ولكن المؤسسات المعنية لا تبدي أي إرادة للسيطرة على هذه الظاهرة وإيقافها.

هيلين أميني

كرماشان ـ في السنوات الأخيرة أصبحت ظاهرة (حرق المخلفات الزراعية) في محافظة كرماشان بشرق كردستان، مشكلة خطيرة، ومع الزيادة الكبيرة في مقاطع الفيديو والتقارير العامة في هذا المجال، تزايدت المخاوف بشأن الآثار البيئية والاجتماعية لهذا الإجراء بشكل أكبر.

فيديوهات إحراق المخلفات الزراعية في مناطق كرماشان الزراعية، والمسجلة ليلاً ونهاراً، تظهر بوضوح حجم النيران الهائلة والدخان الكثيف لهذه الظاهرة، ولا تشكل هذه الأحداث تهديداً مباشراً للبيئة فحسب، بل هي أيضاً تحذير للأجيال القادمة.

 

الإضرار بالبيئة

يؤدي إحراق المخلفات الزراعية إلى تدمير البيئة على نطاق واسع، فقد تعرضت التربة، التي تعتبر المصدر الرئيسي لتغذية النباتات وأساس الزراعة، لأضرار جسيمة، لإن النيران تتسبب بتدمير المواد العضوية في التربة، واستعادتها تحتاج لعملية تستغرق عقوداً من الزمن.

وبدون هذه المواد العضوية، تفقد التربة قوتها اللازمة لإنتاج محاصيل مستدامة وتزيد الحاجة إلى استخدام الأسمدة الكيماوية، وهو ما له في حد ذاته عواقب جديدة على البيئة.

ويتلوث الهواء في المنطقة بشكل كبير بسبب الدخان الكثيف الناتج عن احتراق المخلفات الزراعية، ولا يشكل تلوث الهواء هذا خطراً على صحة البشر والحيوانات في المنطقة فحسب، بل يساهم أيضاً في تغير المناخ العالمي، وفي الأيام الحارة من العام، تسبب هذه الأبخرة ضباباً كيميائياً ضوئياً، مما يجعل التنفس صعباً جداً على سكان المنطقة، وهذا الصيف، كان الهواء في مدينة كرماشان مليئاً بالدخان وغير صحي لعدة أيام بسبب الزيادة الحادة في هذه الحرائق.

 

تهديد للموارد المائية

كما أن لحرق الحقول آثاراً مدمرة على الموارد المائية في المنطقة. تتآكل التربة الخالية من النباتات بشكل أسرع وتدخل الرواسب الناتجة إلى الأنهار وموارد المياه في المنطقة، ويؤدي ذلك إلى انخفاض جودة المياه وانسداد الأنهار وانخفاض تدفقها الطبيعي، مما يؤدي إلى نقص المياه اللازمة لري الحقول وكذلك للاستهلاك العام.

 

آثاره على التربة والزراعة

وتقع الزراعة، وهي المصدر الرئيسي للدخل وفرص العمل للعديد من سكان محافظة كرماشان، تحت التأثير المباشر لحرق المخلفات الزراعية، فبها يتم تدمير بنية التربة وتنخفض إنتاجية الحقول في الفترات اللاحقة، ونتيجة لذلك، يضطر المزارعون إلى استخدام كميات زائدة من الأسمدة الكيماوية، مما قد يؤدي إلى انخفاض جودة المنتجات وزيادة الاعتماد على الصناعات الكيماوية الكبيرة، وهذا الاعتماد له تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي ويزيد من الصراعات الاجتماعية والاقتصادية.

 

تزايد حرائق زاغروس

ويعد تزايد الحرائق في غابات ومراعي زاغروس أحد النتائج الخطيرة لحرائق الغابات في محافظة كرماشان وغيرها من المناطق، وفي كثير من الأحيان، تخرج هذه الحرائق عن سيطرة المزارعين وتنتشر بسرعة إلى المراعي والغابات القريبة، وواجهت زاغروس، التي تعد أحد النظم البيئية الغنية والفريدة من نوعها في الشرق الأوسط، زيادة في الحرائق التي لا يمكن السيطرة عليها في السنوات الأخيرة، وأدت هذه المشكلة إلى فقدان أجزاء كبيرة من غابات البلوط والتنوع البيولوجي في المنطقة، ويشكل انتشار هذه الحرائق، بالإضافة إلى تدمير الموائل، تهديداً خطيراً لها يتم أخذ الحياة البرية والنظم البيئية الحساسة في زاغروس بعين الاعتبار، مما يشكل ضغطاً إضافياً على الموارد الطبيعية والبيئة في المنطقة.

 

الاقتصاد النيوليبرالي

تعد ممارسة حرق المخلفات الزراعية رمزاً للاقتصاد النيوليبرالي والسياسات الحكومية التي بدلاً من الاهتمام بمصالح الناس والبيئة، تسعى فقط إلى تحقيق الربح الفوري والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وبينما تتم عملية زراعة النباتات في الأصيص بحجة تقليل تكاليف الحصاد، فإن التكاليف طويلة المدى التي يتحملها المجتمع والبيئة باهظة للغاية، هذه السياسات الاقتصادية تجعل شعوب المنطقة مستهلكين.

وبينما تتزايد ظاهرة إحراق المخلفات الزراعية في محافظة كرماشان كل عام وتؤدي إلى تدمير الموارد الطبيعية وبيئة هذه المنطقة، لم تظهر المؤسسات المعنية إرادة جدية للسيطرة على هذه الظاهرة ووقفها. إن هذا الإهمال للإدارة السليمة والتدابير الوقائية لا يؤدي إلى تفاقم المخاطر البيئية فحسب، بل يؤثر سلباً أيضاً على حياة المجتمعات المحلية ويتسبب في تدمير مواردها الطبيعية وأراضيها الزراعية.

 

مظهر من مظاهر الحداثة الرأسمالية

يعد إحراق المخلفات الزراعية عرضاً واضحاً جداً لتأثير الحداثة الرأسمالية على الثقافة الزراعية. يتمتع الشرق الأوسط بشكل عام وزاغروس بشكل خاص بثقافة بيئية منذ آلاف السنين مع ثقافة تعتمد على الزراعة وارتباط وثيق بالطبيعة، ولم يعتبر رجل الشرق الأوسط نفسه متفوقاً وحاكماً للطبيعة، بل جزء منها. لكن في الحداثة الرأسمالية، يرى الإنسان نفسه على أنه مركز الكون ويحاول باستمرار السيطرة على الطبيعة واستغلالها لتحقيق المزيد من الربح. ورغم أن هذه النظرة العالمية وهذه الفلسفة موجودة في الشرق الأوسط منذ ما يقرب من قرنين من الزمان وحاولت الهيمنة على هذه المجتمعات من خلال الخطابات القومية القائمة على الدولة القومية والصناعية والاشتراكية الحقيقية، إلا أن الأزمات المتتالية في الشرق الأوسط تظهر فشل هذه الرؤية.

 

البديل... العودة إلى البيئة الحيوية

ولذلك فإن العودة إلى البيئة البيولوجية القائمة على الزراعة، والتي لها ارتباط عميق بتاريخ وثقافة ولاوعي ونفسية هذه المجتمعات، هي البديل الأخطر للحداثة الرأسمالية وأزماتها، بيئة حيوية لا يطالب فيها المزارع بربح فوري ومزيد من أرضه، بل بالحياة. إن أسلوب الحياة القائم على التنظيم الذاتي للمجتمعات المحلية كجزء من الطبيعة وليس ضدها، يمكن أن يكون حلاً لمثل هذه الأزمات التي تولد من الحداثة الرأسمالية.