إلى أين تتجه بيئة إقليم كردستان؟ ـ 2ـ
تعبّر النساء في إقليم كردستان عن قلقهن العميق إزاء التدهور البيئي المتسارع، مؤكدات أن البيئة وحياة الإنسان تواجهان خطراً مباشراً، فعمليات قطع الأشجار والنباتات سياسة ممنهجة تدفع المجتمع نحو الانهيار البيئي والصحي، فيما تغض السلطات الطرف عن هذه الكارثة.

هيلين أحمد
السليمانية ـ إلى جانب التأثيرات السلبية لتغير المناخ على البيئة والصحة في العالم، فقد ظهرت في إقليم كردستان أيضاً مؤشرات واضحة للجفاف، وانخفضت نسبة المياه بشكل ملحوظ، ورغم هذه التأثيرات، فإن التدمير البيئي في الإقليم يتم بفعل عوامل داخلية وخارجية، حيث أدى تراجع المساحات الخضراء إلى تحول المدن نحو الجفاف وشبه التصحر.
على حدود إقليم كردستان، تسبب قطع الأشجار من قبل الاحتلال التركي في تغيير ديموغرافية الغابات، كما أن عمليات القطع داخل الإقليم بهدف خدمة النظام الرأسمالي أدت إلى تدمير الجبال وتسويتها، ومن المتوقع أن تتفاقم هذه التأثيرات في السنوات القادمة، مما ينذر بتدمير شامل للبيئة في المنطقة، ويهدد بانقطاع النفس في إقليم كردستان، وخاصة في المدن.
"قطع الأشجار وتشويه المدن إبادة بيئية ممنهجة"
قالت نرمين محمد، وهي موظفة في مكتب محافظ السليمانية، إن قطع الأشجار وبناء الطوابق العليا تحت مسمى التطوير والتشجير يشكل تهديداً خطيراً للبيئة والديموغرافيا، مؤكدةً أن تدخل الإنسان في الطبيعة يُعد من أخطر أشكال الإبادة البيئية، حيث يؤدي إلى تدمير النظام البيئي تدريجياً، ويُحدث خللاً في التوازن الطبيعي، ويغير التركيبة السكانية للمنطقة.
وأوضحت أن إزالة الأشجار والغابات لا يؤثر فقط على الهواء النقي الذي تحتاجه المدن، بل يهدد أيضاً حياة الحيوانات والطيور التي تفقد مواطنها الطبيعية، فعندما تُقطع الأشجار، تُفقد الطيور أعشاشها، وتُجبر الحيوانات على مغادرة بيئتها الأصلية، مما يدفعها إلى دخول المدن ويعرضها للخطر.
كما أشارت إلى أن بناء الطوابق العليا يشوه المشهد الحضري ويمنع دخول ضوء الشمس إلى المنازل، مما يؤثر على جودة الحياة، ورغم هذه التأثيرات السلبية، لا توجد ضوابط حقيقية تحد من التوسع العمراني غير المدروس، الذي يخدم مصالح النظام الرأسمالي ويملأ جيوب المتنفذين.
وختمت بدعوة الجهات المعنية إلى تحمل مسؤوليتها في حماية بيئة إقليم كردستان، مؤكدةً أن الأرض والحيوانات والبشر جميعهم يستحقون بيئة صحية وآمنة، وأن على المواطنين الدفاع عن حقهم في العيش في بيئة نظيفة ومتوازنة.
"السلطة تخلق أزمة بيئية وتفتح الباب أمام التدخلات الخارجية"
بدورها أوضحت كوجر محمد رشيد، وهي أستاذة جامعية، أن الحديث عن البيئة في إقليم كردستان لا يمنح شعوراً بالثقة تجاه نظافتها أو ضمان صحة جيدة للمواطنين، فالمشكلات البيئية المصطنعة التي خلقتها السلطة لا توفر أي طمأنينة صحية وإن هذه الأزمات ناتجة عن سياسات متعمدة تهدف إلى تدمير البيئة، مثل حرمان المواطنين من مصادر الطاقة، مما يدفعهم إلى قطع الأشجار، وبالتالي الإضرار بالبيئة.
وأضافت أن السلطة تفتح المجال أمام الدول المحتلة لقطع الأشجار في المناطق الحدودية للإقليم لأغراض تجارية، مما يؤدي إلى تغيير ديموغرافية تلك المناطق، مشيرةً إلى أن حكومة إقليم كردستان تتحمل المسؤولية الأساسية في تدمير البيئة، إذ لا تضع أي قيود على تدخل الدول المجاورة، ولا تمنع قطع الأشجار داخل الإقليم لتحقيق مكاسب رأسمالية.
كما أكدت أن غياب الوعي بمخاطر تدهور البيئة وتأثيراتها على الصحة العامة هو أحد أسباب صمت المواطنين تجاه هذا الواقع البيئي المتدهور، موضحةً أن انعدام النظافة والفراغ البيئي بات واضحاً في المدن والأسواق وأماكن التنزه.
وشددت على ضرورة تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين للحفاظ على نظافة الإقليم، داعيةً الجهات المعنية إلى التعاون والتنسيق لحماية البيئة، لا إلى تسهيل الأمور للدول المحتلة والرأسماليين المحليين الذين يسعون لتدميرها، مطالبةً بفرض ضرائب على كل من يتسبب في تلويث المدن، واستخدام هذه الأموال لتحسين البيئة وربط المواطنين بها من جديد.
"المصانع والنفايات تهدد صحة الإنسان وتفاقم الأزمة البيئية"
كما أعربت الطالبة الجامعية ليا وصفي، عن قلقها العميق إزاء الوضع البيئي في إقليم كردستان، مؤكدةً أن بناء بيئة نظيفة وصحية لا يزال بعيد المنال، وأنه لم تُتخذ بعد خطوات فعالة لمعالجة المشكلات البيئية المتفاقمة.
وقالت إن الإقليم يشهد تدهوراً مستمراً في بيئته، حيث لا يبدي المواطنون اهتماماً كافياً بحماية الأرض والطبيعة، ففي الأسواق، تُلاحظ كميات كبيرة من النفايات، ورغم وجود حاويات مخصصة، إلا أن الكثيرين يرمون القمامة على الأرض، كما يُقطع المزيد من الأشجار، ما يزيد من تفاقم الأزمة البيئية.
وأضافت أن إنشاء المصانع بالقرب من المدن يُعد كارثة بيئية وإنسانية، إذ تختلط الغازات المنبعثة بالهواء، مما يهدد صحة الإنسان بشكل مباشر، مشيرةً إلى أن هذا التلوث المتراكم يشكل خطراً حقيقياً على صحة المواطنين، ويستدعي تحركاً عاجلاً.
وشددت على ضرورة التصدي لهذه التحديات من خلال الجهات المعنية، والعمل على حماية الحقوق البيئية، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على البيئة، داعيةً إلى اتخاذ إجراءات صارمة، لا مجرد تسهيلات للرأسماليين والدول المتدخلة، من أجل وقف تدمير الطبيعة، وفرض ضرائب على الجهات المسببة للتلوث، واستخدام العائدات لتحسين البيئة وربط المواطنين بها من جديد.
"مشاريع التشجير غطاء لتدمير ممنهج للبيئة"
من جانبها، أشارت الناشطة البيئية هونيا حمه أمين، إلى أن بيئة إقليم كردستان تتعرض لتشويه ممنهج من قبل الجهات السلطوية، مؤكدةً أن التدهور البيئي في الإقليم ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات امتدت لسنوات بسبب عوامل طبيعية مثل قلة الأمطار، إلى جانب تدخلات بشرية خطيرة.
ونوهت إلى أن الاستخدام المفرط للبلاستيك، وإنشاء المصانع، ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة البيئية، رغم أن العالم بأسره يعاني من تأثيرات بيئية طبيعية، إلا أن سلطات الإقليم تواصل تنفيذ مشاريع تحت مسمى "تشجير المدن"، بينما تسمح في الوقت ذاته للدول المجاورة بالتدخل وارتكاب انتهاكات بيئية.
وأوضحت أن قطع الأشجار في المناطق الحدودية ونقلها إلى دول أخرى لأغراض تجارية، أو لبناء مشاريع عقارية تخدم النظام الرأسمالي، أدى إلى تدمير التربة وتدهور صحة المواطنين، كما أن هذه السياسات لا تراعي التوازن البيئي، بل تكرّس الإبادة البيئية بشكل ممنهج.
واختتمت هونيا حمه أمين حديثها بدعوة الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها في حماية البيئة، ووقف التسهيلات المقدمة للدول المتدخلة والمستثمرين، والعمل على وضع سياسات بيئية صارمة تضمن سلامة الأرض وصحة الإنسان، وتعيد الاعتبار للطبيعة في إقليم كردستان.