الغطاء الحراجي بخطر... يتم تخريب جبال شرق كردستان بشكل ممنهج
في هذه الأيام في كل مكان من شرق كردستان، يمكنك أن ترى أن الغطاء الحراجي للجبال قد تم تدميره وحرث أراضيه، ولا ترغب السلطات في إيران بمنع مثل هذه الممارسات، بل يتم ذلك التخريب بشكل ممنهج ومدروس.
جوان كرمي
جوانرود ـ للزراعة تاريخ طويل مثل حياة الإنسان، بحيث أن تطور البشر كنوع بيولوجي لم يكن ممكناً بدون الزراعة، وهذا أمر مقبول إلى حد أن الحفريات الأثرية للعثور على الحضارات القديمة ترتبط بشكل رئيسي باكتشاف الأدوات الزراعية.
الحضارات الإنسانية الأولى تشكلت في محيط الأنهار وفي السهول التي تمت الزراعة فيها، مثل ضفاف نهر النيل وبلاد الرافدين وغيرها، إلا أن الزراعة اليوم شيء آخر والهدف منها الربح فمع تطور التكنولوجيا في المشهد الزراعي، أصبح لدى الإنسان القدرة على إنتاج أكثر مما يحتاجه، مما يكون سيفاً ذو حدين فهو مشكلة وأيضاً يعطي إمكانية للنمو والرقي الروحي والثقافي للإنسان.
المسألة تتعقد عندما يتم استخدام هذه الإمكانية والتكنولوجيا لتحقيق مكاسب شخصية في المجتمع الرأسمالي، وهنا لم يعد الإنسان يزرع بهدف إشباع الحاجات والجوع، بل أصبح في منافسة لا هوادة فيها مع أفراد المجتمع لكسب المزيد من الربح، وفي هذه المنافسة يستخدم الإنسان كل الإمكانيات لكسب المزيد من الربح بغض النظر عن عواقبها.
وبالإضافة إلى تدمير نوعية التربة والأراضي بسبب الاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية في الأراضي الزراعية بهدف إنتاج المزيد، يمكنك أن ترى هذه الأيام أن الغطاء الحراجي للجبال في كردستان قد تم تدميره وحرث أراضيه.
يصف الفيلسوف وعالم الاجتماع أدورنو مشهداً مثيراً للاهتمام في أحد أجزاء كتاب "أخلاق صغير" حيث يصور مناظر طبيعية جميلة ذات طبيعة نقية في أمريكا، والتي يقطعها طريق وعر إلى نصفين، فأدورنو يتخيل ذلك المشهد كلوحة فنية فريدة ممزقة إلى نصفين، لقد مزّق الطريق المشهد الطبيعي إلى نصفين، وهذا هو وصفه لنسبة العقلانية التكنولوجية والرأسمالية إلى الطبيعة، وهي العقلانية السائدة هنا أيضاً بدرجات متفاوتة.
تحول الرأسمالية كل العلاقات الإنسانية إلى علاقات سلعية وتختزلها، ومن وجهة نظر منطق الرأسمالية الأبوية، فكما يستخدم الرجل المرأة ويستهلكها كسلعة، فإن العلاقة بين الرجل والطبيعة تتضمن عملية مماثلة، وعلى ذلك يفقد الإنسان ارتباطه الروحي بالطبيعة.
هناك الكثير من الأشخاص الذين تعمدوا إشعال الحرائق في جبال شرق كردستان من أجل تدمير نباتاتها وغاباتها وتحويل أراضيها إلى أراضي زراعية، لقد عانت بيئة شرق كردستان من أضرار لا يمكن إصلاحها خلال العقدين الماضيين، فالإنفاق المفرط والسياسات غير المناسبة في السيطرة على موارد المياه، والحرائق العرضية، والتشييد الضخم للقصور والمنازل في حضن الطبيعة، والسياج غير القانوني والمزارع الواسعة ذات الغطاء الحرجي، جعلت من شرق كردستان هدفاً لهجماتهم، كما قامت حركات شعبية ضد هذا الوضع بشكل عفوي أو منظم، وجمعيات بيئية ومنظمات غير حكومية، واحتفالات مثل زاغروسان وغيرها، ولكن بحسب تلك الرواية الشهيرة فإن أي حركة بيئية في غياب نفي وانتقاد الرأسمالية هي مجرد بستنة، والحقيقة هي أنه لا يمكنك محاولة حماية البيئة دون القفز إلى أسلوب الحياة والتفكير والسياسة الذي يدمرها.
السلطات الإيرانية لا تريد منع مثل هذه الأحداث فحسب، بل بشكل عام كانت السبب والمساعد لها، والحقيقة هي أن السلطات لم يكن لديها سياسات بيئية مناسبة، وإذا عُدنا للإحصائيات، نرى أنه خلال العقود الثلاثة الماضية، زاد عدد الآبار العميقة وشبه العميقة في البلاد بإذن رسمي بنحو 500 مرة، وهذا وحده يوضح مدى سوء النهج الذي تتبعه السلطات تجاه البيئة.
وينطبق الشيء نفسه على الجبال والاستيلاء على الأراضي في شرق كردستان، حيث يتم الاستيلاء على الأراضي من قبل أشخاص مرتبطين بالسلطة، وفي الواقع، فإن ما يسمى بمنظمة الموارد الطبيعية التابعة للنظام هي واحدة من الهيئات الحكومية الأكثر فساداً وعدم كفاءة في إيران.
عرّف عالم الاجتماع نوربرت إلياس الحضارة الإنسانية في علاقتها بالمرأة والعلاقة التي تقيمها مع الطبيعة؛ وبما يحدث في إيران وشرق كردستان وتعريفه لا يتطابق مع ما يحدث في مجتمعاتنا على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية المجتمع المتحضر والحكومة.