البيئة أبرز الضحايا المهمشة للنزاعات والصراعات
لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار دون الحفاظ على البيئة ومواردها المتنوعة، لذلك يجب العمل على وضع حد للانتهاكات التي طالت البيئة والمناخ وإيلاء الأهمية للعمل المتعلق بالبيئة واعتباره جزء من استراتيجيات منع نشوب النزاعات وحفظ السلام.
مركز الأخبار ـ خلال العقود الستة الماضية باتت الصراعات مرتبطة باستغلال البيئة وفرص تأججها تتضاعف عندما يتعلق الأمر بالموارد الطبيعية، ومع ذلك تعد البيئة ضحية غير معلن عنها في كثير من الأحيان من بين ضحايا الحروب.
أعلنت الجمعية العامة منذ 22 عاماً أن السادس من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام هو اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، مؤكدة أن البيئة السليمة لها أهمية كبيرة في تحقيق السلام والحد من مخاطر النزاعات المسلحة.
وفي تقارير كثيرة له وجد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن ما لا يقل عن 40% من الصراعات والحروب في العالم وتأججها خلال العقود القليلة الماضية سببها استغلال البيئة والموارد الطبيعية التي تدعم سبل العيش والنظم الإيكولوجية، حيث أن القذائف والمواد المتفجرة والمعادن الثقيلة التي تفوق درجة حرارتها 2000 تسبب تبخر المواد العضوية في التربة وتحللها وبالتالي فقدانها لخصوبتها كما تنهي التنوع الحيوي بسبب موت البكتيريا النافعة التي تساعد على تكوين التربة ونمو النباتات.
وفي كثير من الأحيان تكون البيئة ضحية من بين ضحايا الحرب سواءً بسبب أعمال التدمير العمد أو لأضرار تبعية أو بسبب عجز الحكومات عن مراقبة المواد الطبيعية خلال الحروب وهو الأمر الذي يؤدي لاستخدامها بشكل غير صحيح وعشوائي.
ومن المعروف أن كثرة الحروب والنزاعات يترافق معه زيادة في عدد المنشآت العسكرية التي وصلت مساحتها بين 1 إلى 6% من اليابسة والبحار في كل العالم، هذه المنشآت تستخدم مصادر طاقة ومعادن ومياه بكميات كبيرة وتسبب ضوضاء وتلوث فهي تنتج كميات هائلة من المخلفات الكيميائية وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون تفوق إجمالي الكميات التي تنبعث من الدول بأكملها، كما أن أي هجوم على هذه المنشآت سيتسبب بكوارث طبيعية مهولة.
وعلى سبيل المثال حرب الفيتنام التي دامت قرابة عشر سنوات، والتي استخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية 20 مليون غالون من المبيدات الكيميائية لتجفيف النباتات والأشجار بهدف منع اختباء جنود الفيتكونغ فيها كون بلادهم تمتاز بغطاء نباتي كثيف يساعدهم على الاختباء، وبالتالي تسبب استخدام هذه المواد ظهور حشائش غير مرغوب بها كما أن الغطاء النباتي تضرر بشكل كبير ولم يعد إلى حالته الطبيعية على الرغم من مرور وقت لا بأس به منذ اندلاع الحرب، كما تسبب بإحداث من 10 إلى 15 مليون فوهة بركانية وفتحات في سطح الأرض بالإضافة إلى تشوهات جينية لـ 170 نوع من الطيور و55 أنواع من الثدييات.
كما قامت تركيا بخفض معدل منسوب مياه نهر الفرات في انتهاك صارخ للاتفاقية الموقعة مع سوريا والتي التزمت فيها الأولى بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل، الأمر الذي تسبب بكارثة إنسانية هددت حياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص وخرجت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الخدمة، كما قطعت أكثر من 4 آلاف شجرة زيتون وحرق أكثر من 12 ألف أخرى وأصناف أخرى من الأشجار في منطقة عفرين المحتلة، كما قامت بقطع مياه نهر الفرات عن المناطق التي احتلتها، مما تسبب بكارثة إنسانية وبيئية ومناخية.
بالإضافة للتلوث الضوضائي والبيئي تسببت الحروب بنزوح البشر وإقامتهم في مخيمات اللجوء التي أكدت مفوضية صندوق الامم المتحدة للبيئة أن عدد الأشجار المقطوعة داخل مخيمات اللاجئين وفي محيطها يتراوح ما بين 20 و25 مليون شجرة كل عام مما يتسبب بتدهور بيئي واجتماعي واسع النطاق.
أما الحرب الروسية الأوكرانية فقد تسببت بأضرار واسعة في الغابات والأنظمة البيئة البرية والبحرية مما أدى لتلوث الهواء والماء والتربة في أوكرانيا بالمواد السامة هذا التلوث تسبب بأضرار جسيمة على الإنتاج الغذائي، كما أن نحو 1.4 مليون شخص في البلاد لم يعد بإمكانهم الحصول على مياه صالحة للشرب وأن 30% من أراضيها تأثرت من الحرائق الناجمة عن القصف، كما أن البيئة في روسيا لم تسلم فقد سمح القانون في البلاد بمد خطوط الأنابيب والطرق السريعة في المحميات الطبيعية دون مراجعة بيئية، كما بات بمقدور مصنعي السيارات إنتاج آليات بغض النظر عن المعايير البيئية الأوروبية عفى الشركات من إجراء تقييم الأثر البيئي لاستثمارها.
وعند التحدث عن تأثير الحروب على البيئة تخطر في الأذهان البيئة في العراق التي شهدت تلوثاً معقداً في التربة والهواء والماء تسبب بأمراض سرطانية وتشوهات خلقية وعقم للإنسان، ففي حرب الشمال خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي اقتلعت فيها الأشجار وجرفت الأراضي ودمرت آبار المياه والمنشآت الزراعية وتم تعرية التربة، وفي الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في الثمانينات تم تجفيف الأهوار وتجريف الملايين من أشجار النخيل، أما في حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات قامت القوات العراقية بسكب ما بين 4 ـ 8 ملايين برميل نفط في مياه الخليج وأحرقت 732 بئراً للنفط قبل انسحابها من الكويت وهذه النيران والأدخنة والتلوث أنتجت مواد كيميائية ساعدت على سقوط أمطار حمضية أثرت على التربة والحيوان.
وفي اليمن تنذر الحرب فيها، بفقدان التنوع البيولوجي في البلاد بسبب التضخم والعواقب الاقتصادية، فقد ارتفعت معدلات الاحتطاب الجائر حيث قُطعت أكثر من ستة ملايين شجرة منذ بداية الحرب بسبب ارتفاع سعر مادة الغاز المنزلي أو فقدانه، مما يؤثر على المياه الجوفية والأنظمة الزراعية والتنوع البيولوجي ويساهم في تآكل التربة كما ستجبر الحيوانات والطيور على مغادرة المكان، وستنخفض كمية المياه التي تغذي الأحواض المائية وينابيع المياه وزيادة خطر حدوث الفيضانات والسيول الجارفة التي تعمل على إزالة الغطاء النباتي وجرف التربة، وفقدان التنوع البيولوجي سيسبب اختفاء النباتات الطبية.
وعند الحديث عن الثروات الباطنية واستغلالها في الحروب والنزاعات يخطر في الأذهان الثروات الهامة لأفغانستان التي هي محط أطماع للقوى العظمى خاصة بعد سيطرة طالبان على الحكم، ورغم غنى البلاد بالثروات إلا أن 90% من الشعب الأفغاني يعيشون تحت خط الفقر بسبب سنوات الحروب الطويلة وعدم الاستقرار الأمر الذي عرقل عملية الاستخراج الفعال والمكثف للثروات وكذلك الخلافات حول التصرف بها، كما أن الصراعات التي عاشتها البلاد حول إدارة الموارد الطبيعية أجج من حدة الاقتتال وخلف انقسامات عرقية وسياسية، وزادت سيطرة طالبان على زمام الحكم أطماع الدول العظمى في ثروات البلاد منها الصين، باكستان وروسيا التي كانت على اتصال بطالبان حتى قبل تسلم الحكم بهدف الوصول لمناجم النحاس والسيطرة على مناطق غير مكتشفة يكثر فيها عنصر الليثيوم ومواد نادرة أخرى.
ونظراً للارتباط بين البيئة وانعدام الأمن بات من الضروري دمج مبادرات التعاون البيئي لحل النزاعات وعدم الاستقرار والأمن، الأمر الذي سيساعد على خلق حوار بين الأطراف المتنازعة يعزز بناء سلام واستقرار أكثر استدامة بين الشعوب، وذلك من خلال النهي عن تدمير المحاصيل الزراعية والاستغلال العشوائي والمفرط للمواد الطبيعية والتشجيع على الاهتمام بالزراعة المستدامة للأرض وحسن معاملة الحيوانات والحفاظ على الموارد الطبيعية، يمكن تحقيق ذلك من إنشاء مناطق لا يمسح بانتهاك أو الاعتداء على الموارد مثل الآبار ومصادر المياه وحتى الغابات.