ظروف عمل صعبة... أطفال إدلب في مواجهة تردي الأوضاع

دفعت الأوضاع المعيشية القاسية أطفال إدلب في الشمال السوري للعمل في المشاتل التي لا تخلو من الصعوبات.

هديل العمر

إدلب ـ تشكل المشاتل المنتشرة في إدلب فرصة عمل للكثير من الأطفال المعيلين لأسرهم في ظل ما يعانونه من فقر ونزوح وقلة مصادر الدخل، غير أنهم لم يسلموا في تلك الأعمال من الآثار الصحية والنفسية.

دفعت الظروف المادية الصعبة بالطفل مهاب اليونس البالغ من العمر أحد عشر عاماً لترك المدرسة والتوجه للعمل في إحدى المشاتل القريبة من مكان إقامته في مخيمات البردقلي شمال إدلب، ولأنه تأقلم مع ظروف العمل وطبيعته استمر فيه رغم الأجر الزهيد الذي يحصل عليه.

وبينما يتفقد غراسه الصغيرة التي زرعها بيده ويقلب التربة حولها ويغمرها بالماء، ويقوم بتعشيبها وتسميدها قال "كان الجوع يفتك بمعدتي حين انطلقت للبحث عما يمكن أن يسد الرمق، وحين رأيت المشتل رحت أبحث في أرضه عن أي شيء يؤكل من خبيزة وبقلة وغيرها وحين رآني صاحب المشتل تعاطف معي وسمح لي بالعمل معه مقابل وجبة طعام يومية وأجر أسبوعي زهيد".

عمل مهاب اليونس في المشتل يبدأ مع بداية موسم تقليم الأشجار حين يعمد صاحب المشتل لجلب البراعم من أجل زراعتها، وهنا يقوم هذا الطفل مع مجموعة من الأطفال الآخرين بتعبئة التراب في أكياس سوداء اللون مخصصة للزراعة بعد خلط التراب مع السماد الطبيعي.

وأضاف أنهم يضعون البرعم بشتى أنواعه داخل تلك الأكياس بعد مدة من نقعها في المياه، وتبدأ مرحلة العناية بها حتى تظهر براعم جديدة وتكبر وتصبح جاهزة للبيع ويعرضونها على قارعة الطرق ليراها المارة.

تبدو المهمة سهلة إلّا أن مهاب اليونس أكد على ضرورة توفر الخبرة اللازمة لزراعة الشتلات، بحسب مقاس الشتلات ونوعها وموسم زراعتها، ومن تلك الشتلات غراس التين والزيتون وشتى أنواع الأشجار المثمرة.

أما الطفل براء محيميد البالغ من العمر عشر سنوات فيقول إن عمله في المشاتل لا يحقق له دخلاً جيداً، أنه لا يكفي لدفع ثمن الخبز لأهله القابعين في مخيمات النزوح على أطراف مدينة إدلب، ومع ذلك فهو لا ينوي التخلي عن العمل لكونه لا يجد بديلاً.

ومع أن الطفل براء محيميد يعاني طول ساعات العمل والجهد الكبير في العمل تحت أشعة الشمس، بين تعبئة التراب في الأكياس وتنظيف الغراس من الأعشاب الضارة وسقيها بشكل دوري، كما أنه تعرض مرتين للدغة العقارب ما كاد أن يودي بحياته لولا إسعافه المباشر والتدخل الطبي السريع إلا أنه ثمة وجه آخر يرى فيه الكثير من المتعة وهي تواجده بين تلك المناظر الخلابة، وقال "زهور الياسمين والقرنفل والورد الجوري والحبق وإكليل الجبل وأشجار الزينة تدعو إلى السعادة وراحة النفس وتنسني كل ما أمر به من مآسي في المخيمات المنسية".

من جانبها قالت المرشدة النفسية والاجتماعية صفاء المنديل أن الكثير من الأسر في إدلب خاصة النازحة منها وجدت نفسها مضطرة للاعتماد على عمل أطفالها بسبب الفقر المدقع جراء خسارة وظائفها وأعمالها وأرزاقها.

وأشارت إلى المخاطر الجسدية والنفسية المتعددة التي يتعرض لها الأطفال العاملون، إذ أن العمل يهدد حقهم في التعليم، ويقيد حقوقهم ويسرق طفولتهم منهم عدا عما يواجهه الأطفال من مصاعب ومخاطر يمكن أن تهدد صحتهم وحياتهم لاسيما في مجال القطاع الزراعي حيث المبيدات الكيمائية والحشرات والزواحف القاتلة.

ودعت لوضع برامج توعية وحماية اجتماعية من شأنها أن تساعد الأسر اقتصادياً ما يؤدي إلى تجنب خيارات الاعتماد على عمل الأطفال وإبقائهم في المدارس وإنقاذهم من الانخراط في غياهب العمل.

وبعد ثلاثة عشر عاماً على اندلاع الحرب السورية، بلغ عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة في سوريا حوالي 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، من أصل 5.5 مليون طفل، وفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في آذار/مارس الماضي 2024.

وقالت المديرة الإقليمية لليونيسيف أديل خضر "لقد دفع جيل من الأطفال في سوريا بالفعل ثمناً لا يطاق لهذا النزاع"، مشيرةً إلى أن "اليونيسيف" تحتاج في عام 2024 إلى 401.7 مليون دولار أميركي لتوفير شريان حياة أساسي لـ8.5 مليون شخص، بما في ذلك 5.4 مليون طفل، وتتمثل أكبر متطلبات التمويل في مجالات المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم.