تونسيات يوفرنَّ قوتهنَّ من بيع الملابس المستعملة ويثبتن ذواتهنَّ

تتسع تجارة الملابس المستعملة في تونس للجميع، للنساء كما الرجال، فهي تجارة ضعيفي الحال، وكل باحث عن لباس بخس الثمن لضعف الحيلة وقصر اليد كما يقول المواطن التونسي، كانت هذه التجارة حكراً على الرجال لكن في السنوات الأخيرة أصبح ربع تجارها من النساء المكافحات في وجه الفقر والخصاصة والحرمان

تونس -
تكافح 20 ألف امرأة تونسية من خلال تجارة الملابس المستعملة أو "الفريب" كما يُطلق عليها في تونس، والتي باتت وجهة قرابة 90 بالمائة من التونسيين، برغم المشاكل التي لم تجد الأطراف المتدخلة في هذا القطاع حلولاً لها، لاسيما وأنّه قطاع مهمّش لم يتم تعديل القانون الذي ينظمه منذ سنوات. 
تقول (ش، ع) وهي أربعينية وتاجرة ملابس مستعملة، أنّها اكتسبت المهنة من والدها، وهي عاشقة لها برغم كل المشاكل التي تتعرض لها يومياً في السوق حين تأخذ حيّزاً صغيراً من الرصيف لتفرش بضاعتها، ومن بينها التعرض لافتكاك بضاعتها من قبل عناصر الشرطة البلدية التي تظل تلاحق الجميع محاربة لما تعتبره انتصاباً فوضوياً. 
وتضيف أنها لم تختر تلك المهنة التي تعتبرها صعبة ورجالية لكن القدر هو من وضعها أمامها لتصبح مورد رزقها الوحيد.
وتتابع "نحن نساء نعيش ونتعايش مع عقليات ذكورية وكم هو صعب مثل هذا التعامل مع عقلية ترى في وقوف امرأة بجانب "بالة الفريب" منافاة مع العادات البالية، لكننا وبإرادتنا نجحنا بكسر هذا الحاجز وصرنا من بين عشرات التجار في هذا السوق، نحن نساء اليوم والغد يحقّ لنا التضحية حتى نضمن حياة كريمة لأبنائنا وأسرنا وأنفسنا".
أما (ألفة، ص) وهي شابة ثلاثينية وخريجة كلية تجارة بتونس، فتعمل في إحدى المحلات التي تبيع الملابس المستعملة تقول "تسمعين في هذا السوق قصصاً نسائية غريبة، وستتعجبين من معاناة المرأة التي تعمل في هذا المجال المغيّب عن كل وسائلنا الإعلامية، مجال ينظر إليه المسؤول باحتقار، وينظر المجتمع إلى النساء اللواتي يعملن به نظرة دونية، أنا خريجة جامعية لم أجد عملاً فاضطررت للبحث عن عمل ووجدته بين أرصفة هذا السوق، أبيع الملابس المستعملة ولا عار في ذلك، النقص  بنظري أن أمد يدي يومياً وأنتظر نقوداً من أحد المارين".  
وأضافت "قطاع الملابس المستعملة يشكو كساداً بسبب انهيار القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة التي طالما كانت الزبون الأول لهذه الأسواق، وهو ما ألحق بنا خسائر مالية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك على حالنا كتاجرات". 
ودعت إلى تنظيم الإطار التشريعي والمؤسساتي للقطاع الموجود منذ الخمسينات في البلاد، خاصة أنّ القانون النافذ حالياً والذي نُقح بمقتضى مرسوم عام 2005 يمنع تجار الجملة من التجارة بين مختلف الولايات، وغالباً ما يتم إيقاف تجار الملابس المستعملة وحجز بضائعهم إذا ثبت اقتناؤها من ولاية أخرى. 
وأوضحت أنّ الولاة هم من يمنحون رخص التوزيع التي لا تعطى لأصحاب المهنة وخاصة النساء بل تباع لغير مستحقيها، "تُمنح الرخص لمدّة 6 أشهر فقط، وهناك من يحصل عليها في الشهر الثالث مما يحدّ من فرص نشاطنا كنساء".  
أما (رانية، ه) فتقول "إن بيع الملابس المستعملة وسيلة للكسب والعيش اقتحمتها المرأة نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها تونس خاصة في الأرياف مما اضطرها للهجرة إلى المدن لتأمين حياتها وحياة من تعيلهم، علماً أننا كنساء نواجه في أثناء ممارستنا لها تحديات كبيرة في مجتمع ذكوري غالباً ما يستخدم العنف والاعتداء اللفظي والمادي، ولا يقبل مزاحمة النساء".
واستطردت "نتشدّق بحقوق المرأة في تونس وبأننا الأفضل ونتغاضى ونتناسى ما تعيشه المرأة سواء تلك التي تبيع الملابس المستعملة، أو عاملات المنازل والعاملات في المجال الزراعي اللائي يتعرضنَّ للتهميش وتطحنهنَّ آلة الاستغلال، كما أننا نتعرض لكل أشكال التهكم والتهجّم أحياناً من الزبائن الذين يستغربون الغلاء الذي أصبحت عليه الأسعار، ويصبون غضبهم علينا، ويتناسى الجميع أننا مجرد تجار صغار بينما هناك مافيا استيراد هذه الملابس هي التي تتحكم بالسوق".
ودعت رانية السلطات إلى تخصيص أماكن للنساء حتى يعملنَّ في ظروف أفضل لتفادي كل أشكال التمييز والإقصاء، "لم أخجل يوماً كتونسية من كوني تاجرة على رصيف سوق منسية، تاجرة بزيّ رجالي وروح نسوية، تاجرة بشجاعة امرأة منسية ومجرّد رقم في أعداد سكان الدولة، لا يهمني غير أنني أعمل وأثبت نفسي وأتصدى من موقعي لعقلية ترى في المرأة ربّة بيت، لا تهمني سوى صورتي أمام نفسي وفي عيني".
بدورها تؤكد (فوزي، ة) وهي خمسينية يلقبونها بـ "الشيخة" أن المرأة العاملة في مجال بيع الملابس المستعملة تعاني أوضاعا كارثية تتراوح بين الضياع والتهميش؛ بسبب جشع رجال الأعمال، مشيرةً إلى أن المرأة العاملة في هذا المجال بحاجة للدعم حتى تضمن حياة كريمة ومستقلة.