تحدينَّ الظروف الاقتصادية وأطلقنَّ مشاريعهنَّ الخاصة
تحدينَّ الظروف الاقتصادية المنهارة بأفكار وروح معطاءة، لم يأبهنَّ بل حاولنَّ وأبدعنَّ وقدمنَّ لأسرهنَّ لقمة عيش مغموسة بكرامة جهدهنَّ
أماني المانع
دمشق ـ .
راضية كبيسي من مدينة دير الزور تسكن حالياً في ريف دمشق، وصلت في دراسة الأدب الفرنسي للسنة الرابعة، وحالت بعض الظروف بينها وبين التخرج، لكنها لم تتوقف عن ولعها بهذه اللغة وقامت بتدريسها.
اشتركت بالعديد من الدورات والورشات التي تساعد المتدربين على تعلم مهارات جديدة تساهم في إيجاد فرص عمل لهم مثل (ToT، الكهرباء المنزلية، ورشة الإتجار بالأشخاص، ورشة رصد وتقييم المشاريع).
كما تطوعت في الجمعيات الخيرية بدير الزور كجمعية البر الخيرية، وجمعية النهضة حيث ساهمت فيها بتدريب مادة الكهرباء، ورعاية المكفوفين، بالإضافة لعملها وبراعتها بالخياطة النسائية التي تركتها نتيجة ظروف الحرب والنزوح إلى دمشق.
هناك عملت بمجال الاتصالات لإحدى شركات بيع الجوالات، فتنقلت ما بين الفني والكوالتي والمستودع والبيع والشراء في مراكز دمشق، فجذبت ببشاشتها وحسن تعاملها وخبرتها التي صقلتها بمجال الاتصالات الناس وخاصة النساء فقد أصبحت مصدر ثقة لهنَّ.
راضية كبيسي حدثتنا عن سعادتها بعملها وتنوع نشاطاتها خاصة في مجال الاتصالات حيث لم تتردد لحظة في خوض هذه التجربة "لا أرى هذه المهنة حكراً على الرجال، فالمرأة تملك من الذكاء وسرعة التعلم ودقة الملاحظة ما يساعدها على إتقان هذا العمل".
تعمل حالياً على عدة مشاريع وتشير إلى أنها تنوي استكمال دراستها "رغم عملي هذا إلا أنني مصرة على إكمال دراستي، كما أنني أعمل على مشروع جديد وهو ورشة خياطة كبيرة تضم مجموعة من النساء المتخصصات بخياطة كل ما يهم المرأة، من ملابس رسمية وفساتين سهرة وبيجامات وأغطية أسرة وأثاث".
أما مها الحسين فتجهز كريمات لمعالجة مشاكل البشرة كحب الشباب وتنقية البشرة وتوحيد لونها، ومنع التعرق ومعالجة مشاكل الشعر من مواد طبيعية ثم تسوقها عبر الإنترنت.
ففي منزلها الصغير الذي يضمها وعائلتها خصصت في المطبخ ركناً صغيراً يضم أدواتٍ لصنع الكريمات من خلاط ومطحنة، ثم تعمل على تعبئتها في علب تقوم بإحضارها من سوق البزورية بدمشق.
تقول إنها تحرص على تعقيم العلب قبل وضع المواد فيها "أحرص على الجانب الصحي في عملي وأوزع الكريمات بطريقة سريعة ومباشرة للزبائن بعد الاتفاق معهم على مكان محدد لاستلام البضاعة".
شاركت في العديد من البازارات، وعن بداياتها تقول "لأنني أم مسؤولة عن أطفال وتسعى لتأمين متطلباتهم عملت بمجال التصوير الفوتوغرافي وتصوير الحفلات، وقد برعت في عملي، وتميزت في تصوير حفلات الأعراس والمناسبات الخاصة، حيث تجد المرأة راحة مطلقة في التعامل مع المصورة أكثر من تعاملها مع المصور، فكنت أعرف متطلبات كل امرأة والجوانب التي تحب إظهارها في الصورة والأخرى التي تتمنى إخفاءها".
لكن ظروف الحرب حالت دون استمرارها في هذا العمل "بسبب الحرب وسوء الأوضاع الأمنية توقفت عن عملي، وفكرت ببديل آخر، وقد كنت منذ صغري أهتم بصنع الكريمات الطبيعية من العسل ولبان الذكر والزيوت والصبار وغيرها لنفسي ولجاراتي وقريباتي".
حاولت تطوير موهبتها وزيادة معارفها "فكرت بأن أطور موهبتي وأعتمدها كمهنة فتابعت العديد من البرامج والقنوات المهتمة بالموضوع وقرأت الكتب والمراجع".
تضيف "لحسن حظي كانت لدي جارة مغربية ومما يعرف عنهم اهتمامهم بأمور الجمال فزودتني بالكثير من المعلومات، وقدمت لي بعض أسرار صنع هذه المنتجات، فبدأت أعمل وأصنع وأجرب ثم أسوق وأبيع... هكذا إلى أن أصبح لي اسم بهذا المجال لدى السيدات والمحال التجارية وبعض الأطباء والصيادلة".
أما عن الصعوبات التي تواجهها تقول "أجد بعض الصعوبات في عملي كالتعامل مع من لا يحسن المعاملة، كذلك غلاء المواد، وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة مما يؤثر على سرعة الصنع في الوقت المحدد".
لكن ذلك لا يضعف من معنوياتها كما تؤكد "أستمتع جداً بعملي الذي منحني اسماً ومورداً مادياً قد لا يكون كبيراً لكنه كاف للحصول على سعادتي واستقلاليتي، وسعادة أبنائي الذين وجدت نفسي لسنوات طويلة وبعد تجربة زواج فاشلة الوحيدة المسؤولة عن معيشتهم ومستقبلهم وسعادتهم".
نهيدة حسين التي جربت مرارة النزوح أكثر من مرة منذ نزوحها من ريف حلب عام ٢٠١٤ تحقق اليوم استقلالها الاقتصادي.
تقول إنها اضطرت للهرب أكثر من مرة تاركة ورائها أثاث منزلها وملابس أفراد العائلة، لينجو بحياتهم من موت يكاد يكون محتماً.
محطتها الأخيرة كانت في ريف دمشق، حيث استأجرت منزلاً بدون أثاث وعملت على تأثيثه وفرشه رويداً رويداً مكتفية بالمتطلبات الأساسية.
تؤكد أن الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها سوريا والارتفاع المستمر بالأسعار جعل من عمل زوجها مورداً لا يكفي لتأمين احتياجات الأسرة ودفع إيجار المنزل، وهو ما دفعها للتفكير بطريقة للمساهمة في إعالة الأسرة.
فمنذ أشهر قليلة راودتها فكرة بيع خبز التنور بعد أن رأت إقبال الناس على شراءه "أبرع بصنع خبز التنور كجميع النساء في الريف، وكذلك اخبز الفطائر".
اشترت طاولة صغيرة تصنع عليها الفطائر وتعرض بضاعتها عليها، "استخدمت تنور منزلي للعمل وهكذا استطعت الحصول على دخل يساعد في شراء ما يحتاجه أبنائي الثلاثة والذين لازالوا في سن الطفولة، كما خف العبء عن زوجي الذي يعمل في إحدى ورشات البناء بالإضافة لعمله اليومي بتصليح الكهرباء و "العتالة" وما يتهيأ له من عمل".