صناعة الزعتر... مهنة لنازحات معيلات في إدلب
تواجه نازحات معيلات الظروف الاقتصادية الصعبة والفقر وقلة فرص العمل في مخيمات إدلب بصناعة الزعتر، حيث أصبحت هذه المهنة مصدر دخل هام وسبيلاً وحيداً لكسب العيش مع صغارهن.
هديل العمر
إدلب ـ يعتبر الزعتر في المطبخ السوري جزءاً من التراث الثقافي والغذائي الذي يضفي على موائد الطعام نوعاً خاص، ويعكس في الوقت الحاضر دلالات العلاقة بالأرض والهوية، أما بالنسبة للنازحات فهو أكثر من ذلك ويشكل فرصة اقتصادية ثمينة.
في ورشة صغيرة، تعمل مريم العدناني البالغة من العمر (34 عاماً)، على تجفيف أوراق الزعتر، ثم خلطه بمواد أخرى كالسمسم والسماق وحبة البركة واليانسون والشمرا لإنتاج الزعتر المطحون وبيعه للمحال التجارية.
وتروي قصتها عن النزوح "جئت إلى هنا هرباً من القصف، فقدت كل ما أملك، ووجدت نفسي وحيدة مع أربعة أولاد في خيمة بالية دون أي مصدر دخل، تعلمت كيف أصنع الزعتر بمساعدة جارتي المسنة، وبدأت ببيعه في السوق لتصبح هذه المهنة هي مصدر دخلي الوحيد".
وتصمد مريم العدناني لساعات طويلة يومياً، وترى أن هذه الحرفة تنقذها وأطفالها من الجوع، وتقول بابتسامة "العمل يمنحني القوة في كل مرة أبيع فيها كمية من الزعتر"، وكانت في السابق تعمل في زراعة المحاصيل الزراعية مع زوجها قبل أن يُقتل في القصف.
وتعرفت بعد النزوح على جارة مسنة اقترحت عليها العمل بصناعة الزعتر "لم أكن أعلم شيئاً عن هذه المهنة، ولكنني بدأت بالتعلم التجريبي، وأصبحت الآن أملك خبرة كافية، وأبيع ما أصنعه عبر الإنترنت".
مريم العدناني ليست الوحيدة، فالعديد من النساء وجدن في هذه المهنة سبباً للبقاء والاعتماد على الذات، ورغم النجاح الذي حققته هذه المهنة، إلا أن العاملات في صناعة الزعتر يواجهن العديد من التحديات المتعلقة بالحصول على المواد الخام، مثل السماق والسمسم، والتي زادت أسعارها بشكل كبير.
وعن تلك الصعوبات تقول هيام الحايك 31 عاماً إن المواد الأولية كالسماق والسمسم والشمرا وغيرها من المواد الأساسية لصناعة الزعتر ارتفعت أسعارها بشكل كبير وهو ما دفعها لزيادة أسعار الزعتر الذي تصنعه لتترك لنفسها هامش ربح، وبالتالي قل الطلب على شراء الزعتر بسبب غلائه.
وأشارت إلى محدودية استيعاب المنتجات التقليدية والمصنوعة يدوياً في الأسواق المحلية، مما يضطرها للبحث عن الأسواق الخارجية، وهي مهمة ليست سهلة في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الحالية.
وبالرغم من التحديات، مازالت هيام الحايك مهتمة بصناعة الزعتر، الذي شعرت معه بجزء من الاستقلالية والكرامة، وتقول "أعمل لساعات طويلة، العمل صعب ويتطلب التميز. هذا العمل يمنحني الأمل في غدٍ أفضل".
من جانبها قالت سعاد الأسود وهي ناشطة مدنية مقيمة في مدينة إدلب، إن النازحات تبتدعن مشاريع تنموية بسيطة تساهم إلى حد ما في رفع مستوى المعيشة عبر الوصول بمنتجاتهن إلى أسواق جديدة.
وتعتبر أن صناعة الزعتر رغم بساطتها ليست فقط فرصة للعمل، بل إنها تظهر نساء قادرات على العطاء والتأقلم والتغلب على الصعاب، وتحمل في طياتها فوائد نفسية واقتصادية عديدة عبر تحسين الحالة النفسية والتواصل الاجتماعي والهروب من الضغوط اليومية والتحديات الحياتية.
وأوضحت سعاد الأسود أن العمل في صناعة الزعتر يمكن أن يوفر مصدر دخل مستدام للنازحات، ويساعد في تطوير المهارات وتعزيز الاقتصاد المحلي.
وهي بدورها تشجع النازحات المعيلات على القيام بمزيد من المشاريع الصغيرة والمستدامة التي تساهم بتعزيز الاستقلالية الاقتصادية والصحة النفسية بعيداً عن واقع الحرب والنزوح.