صناعة الطعام... فرصة لتأمين اكتفائهن الذاتي ومساندة عائلاتهن
هناك العديد من النساء اللواتي تشاركن مجتمعاتهن المحلية في دورة الإنتاج الريفي، ولا سيما في مجال صناعة المونة التي باتت اليوم تشكل طلباً متنامياً مع التوجه نحو الأطعمة الصحية، بعيداً من تلك المصنعة تجارياً.
فاديا جمعة
بيروت ـ تتحدين الصعوبات وتكابدن المشقات من أجل حياة أفضل لهن ولعائلاتهن، وخاصة نساء الأرياف اللواتي تبحثن عن فضاء ليحققن ذواتهن في العمل ودورة الإنتاج، فتصنعن المونة البيتية ويسوقنها لتكون رافداً اقتصادياً، وتتحولن إلى نساء منتجات ودائماً في قلب معادلة الحياة، وتكرسن حضوراً بعيداً عن الصورة النمطية التي غالباً ما تقيد المرأة.
التقت وكالتنا مع بعض النساء اللواتي تحدثن عن تجاربهن في مجال صناعة المونة البيتية، ومنهن نسرين خليل التي لم يقعدها المرض، فقد تعرضت لحادثة قبل أربع سنوات، فعندما خضعت لصورة شعاعية في الرأس تبين وبالصدفة أنها مصابة بالسرطان، وهي إلى الآن تتابع العلاج، لكن ذلك لم يمنعها من العمل رغم الظروف الصعبة التي واجهتها وتواجهها، فهي تعمل في مجال صناعة الطعام شأنها في ذلك شأن الكثير من النساء اللواتي تتدبرن أمورهن من خلال العمل البيتي لتوفرن مستلزمات الحياة لهن، وأيضاً لرفد عائلاتهن بما يساعد على مواجهة ظروف الحياة الصعبة.
وقالت "بدأت العمل منذ أربع سنوات في مجال إعداد الطعام، وقبل ذلك كنت أحصل على مصروفي من عائلتي، لكن قررت أن أبدأ تجربة العمل من المنزل بعد أن شجعتني إحدى النساء على إعداد الطعام، فكل ما أحضره من طعام يجد إقبالاً حتى أنني بت مشهورة بإعداد الطعام الطيب، ولقيت تشجيعاً من الجميع".
وأوضحت "أحضر طلبات الطعام في المنزل، وهناك أناس يحضرون ويأخذون الطعام الذي أعده بحسب طلبات مسبقة، ولا يقتصر ذلك على لبنان فحسب، فهناك طلبيات أعدها للخارج إلى السعودية وألمانيا، مثل ورق العنب بالزيت وكبة ورقاقات بالجبنة وغيرها الكثير، وإضافة إلى أنني أحضر الطعام لمناسبات اجتماعية في بلدتي والقرى المجاورة".
تتلقى نسرين خليل العلاج من مرض السرطان، بعد معرفتها بإصابتها فيه بالرأس في عام 2015 "أتابع العلاج منذ ثماني سنوات وفي بعض الأحيان أشعر بالتعب" مشيرة إلى أنها عملت في فترة سابقة بمحل لبيع الألبسة لمدة عامين ولكنها لم تستمر بالعمل، حيث بدأت في مجال إعداد الطعام.
ووجهت رسالة دعت الفتيات من خلالها إلى الاعتماد على ذواتهن، وأن تعملن في المجال الذي تجدن فيه أنفسهن.
فاطمة سرحان من بلدة العباسية في قضاء صور جنوبي لبنان قالت "أعمل في مجال المونة البيتية منذ نحو ثماني عشرة عاماً، وفي الوقت ذاته كنت مدرسة في مجال تعليم الفنون في ثانوية العباسية، كنت أيضاً أعد الطعام للمدرسة، لكن تركت المدرسة وتفرغت للعمل في مجال المونة".
أوضحت أنه بسبب الظروف التي يمر بها البلد كانت هي من تعيل أسرتها، فزوجها مع ارتفاع أسعار البنزين والمازوت تعرض للخسارة فاضطر لإيقاف عمله "أعمل في مجال المونة على إعداد أصناف كثيرة لا تكلف شيئاً وبعضها نحصل عليها من الطبيعة، كالحبق والمردكوش والعيزقان والشاي وأحضر كل ذلك من الطبيعة وأبيعه، وأيضا أحضر "دقة الكبة" وفيها الكثير من النباتات الخضراء، كالنعنع والعطرة والمردكوش، بعد أن أقوم بتيبيسها وطحنها، وهذه "الدقة" يمكن الحصول عليها من المحال التجارية، وقد انتسبت إلى تعاونية زراعية في العباسية، والآن أقوم بطحن المستلزمات التي أحتاجها بالتصنيع في التعاونية".
وأشارت إلى أنه "هناك وصفات أقوم بإعدادها وهي غير معروفة من قبل، فعلى سبيل المثال أستخدم "برش الوصفير" بعد تيبيسه وأضعه في أكياس ويستخدم في صناعة "الكيك"، علماً أن هذا "البرش" يرمى في العادة أما أنا فأستخدمه كنوع من المطيبات فضلاً عن أن رائحته فواحة ورائعة"، مبنية أنها تواجه رفض للعمل من قبل أولادها لكنها لن تتخلى عن حملها بالرغم من التعب والصعوبات التي تواجهها فهي تحب العمل والابتكار وتعلم كل شيء.
وأوضحت أنها شاركت في معرض (أرضي) الذي يقام في بيروت "لدي الكثير من الزبائن وأشارك في معارض عديدة، في صيدا ودير قانون ومعركة وغيرها، وشاركت سابقاً في معرض بمدينة صور أقيم بمشاركة اليونيفيل".
وقالت في ختام حديثها "أدعم المرأة كي تحصل على حقوقها، لأن المرأة تتعب وتشقى، وأحب المرأة العاملة وأشجعها على العمل لتشعر أن لديها كيان واستقلالية".