صناعة الألبان والأجبان... مشاريع فردية لنازحات في إدلب
اتجهت نازحات في الشمال السوري لإنشاء مشاريع صغيرة خاصة بهن في مواجهة قلة فرص العمل وضيق الأحوال المعيشية والغلاء والفقر الذي حاصر السواد الأعظم من المدنيين لا سيما النساء المعيلات
سهير الإدلبي
إدلب ـ ممن وضعتهم الحياة في موضع المسؤولية عن عوائلهن.
كان ضمن تلك المشاريع المتنوعة صناعة الألبان والأجبان في ورش صغيرة وبسيطة ومتواضعة وبإمكانيات محدودة استطاعت نساء من خلالها إثبات أنفسهن والاعتماد على ذواتهن والنجاح في تأمين دخل ثابت لعوائلهن.
تقول فاطمة حاج أحمد (٣٠) عاماً وهي نازحة من بلدة معرشورين ومقيمة في مخيمات رأس الحصن شمال إدلب، أنها اعتمدت على مشروع صناعة الألبان منذ نزوحها أواخر عام ٢٠١٨ من أجل مواجهة الفقر وتغطية مصاريف العائلة المؤلفة من ثلاثة أبناء، في ظل غياب المعيل بعد وفاة زوجها الذي فقد حياته إثر القصف على ريف إدلب الجنوبي.
وعن طبيعة عملها أوضحت أنها بدأت المشروع بإمكانيات بسيطة بالشراكة مع عدة نساء سعين لتأمين معدات كبابور الكاز الكبير والحلل الكبيرة والمواد الأولية لصناعة الألبان والأجبان وهي مادة الحليب التي رحن يشترينها من الأهالي الذين يربون الأبقار في المنطقة.
وتشير إلى أن العمل في صناعة الألبان والأجبان ليس بذلك التعقيد وإنما يتطلب بعض الخبرة التي امتلكتها سابقاً عن أمها التي كانت تصنع تلك المواد في المنزل لتأمين احتياجاتهم منها.
واللبن هو ناتج تخمّر الحليب بفعل بكتيريا حمض اللاكتيك التي ترفع حموضة اللبن، بالإضافة لتحويله من الحالة السائلة للحالة شبه الصلبة والمتماسكة، وصناعة الجبن تتطلب وجود مصل الحليب الذي يعد أساساً لصنع الجبن، ويتم إضافة مادة تسمى بالمَنفحة، إذ تعمل على تجبّن الحليب الدافئ بمجرّد إضافتها إليه، ويمتاز الجبن بأهميّته بسبب احتوائه على الدهون والبروتينات الهامّة، كما يعد مصدر غني بالفيتامينات والكالسيوم، ويتم صناعة العديد من الأجبان التي تختلف أنواعها باختلاف درجة رطوبتها، بدءاً من البارميزان الجاف وحتى جبن الفيتا الرطب.
وتواجه فاطمة حاج أحمد بعض الصعوبات في تسويق منتجات الألبان التي تصنعها لاسيما في الشتاء حين يصعب الوصول إلى مخيمهم حيث الطرق الوعرة والوحول والطين التي تساهم في تعطيل الطرقات إلى حد كبير وبالتالي كساد المنتجات فتحولها في كثير من الأحيان إلى أنواع أخرى كاللبنة والشنكليش واللبن المصفى.
من جهتها وجدت سعاد البكر (٣٨) عاماً في فكرة صناعة الألبان والأجبان فرصة عمل بعد أن عجزت عن تأمين مهنة أخرى في ظل حاجتها لدخل يساعدها في الإنفاق على أطفالها الخمسة القابعين في مخيمات سرمدا.
تقول سعاد البكر أنها تشتري الحليب من جارتها وتقوم بتحويله لمنتجات عديدة كالألبان والأجبان واللبنة وفق الطلب، "زوجي مفقود منذ أربع سنوات وأعيش منذ ذلك الحين على المساعدات والديون التي تراكمت علينا، ولم أكن أمتلك أي فكرة عن العمل ولكنني تعلمته من جارتي التي تربي الأبقار وتعتمد عليها منذ كانت في قريتها البارة واستمرت بتربيتها بعد النزوح".
مهاراتها في صناعة هذه المنتجات التي تتميز بجودتها وطعمها الطبيعي البعيد عن كل أنواع المنكهات والمواد الحافظة والكيميائية ساهم في جلب الزبائن وأصحاب المحلات لشرائها منها مما ساعدها في تأمين دخل وصفته بالجيد في ظل ما تواجهه من "بؤس" على حد تعبيرها.
المهندسة الزراعية أسماء العوض (٤٢) عاماً تشجع النساء على العمل بتلك المشاريع التي من شأنها دعم الإنتاج المحلي والمساهمة في خلق فرص عمل للكثير من المعيلات ممن لا يمتلكن الشهادات والخبرات فتساعدهن على التحول إلى العمل والإنتاج في مجال الصناعات البسيطة التي لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة.
وأشارت إلى أن المشاريع الصغيرة هي فرصة خلاقة تسهم إلى حد كبير باستثمار الأيدي العاملة وترويج المنتجات المحلية ودعم الثروة الحيوانية التي تضررت بفعل الحرب على مدى عشر سنوات إلى حد كبير.