شيماء الحلو تعيد لفن التطريز الفلسطيني بريقه
مع ابتعاد جيل اليوم عن الأعمال التراثية ما تزال النساء محافظات على هذا التراث، شيماء الحلو من قطاع غزة إحدى هؤلاء النساء تحدثت لنا عن تجربتها مع فن التطريز والصعوبات التي واجهتها
رفيف اسليم
غزة ـ .
مع مرور السنوات تناقلت النساء الفلسطينيات فن التطريز وأصبحنَّ يعلمنَّ بناتهنَّ وحفيداتهنَّ كيف تطرز الأقمشة، وما هي الأدوات التي يجب استخدامها لتخرج لوحة فنية ذات استعمالات متعددة؛ بهدف التسلية والحفاظ على تراث الأجداد من الضياع، لكن مع مرور الأيام وضيق الأحوال الاقتصادية أصبحت الفتيات يتخذنَّ من التطريز مصدر رزق يعينهنَّ للتغلب على ضيق المعيشة.
تقول شيماء الحلو ذات (27) عاماً أنها أنهت دراسة بكالوريوس خدمة اجتماعية في إحدى الجامعات الفلسطينية، لكنها لم تجد فرصة عمل، ففكرت في أن تجعل التطريز مشروعها الخاص من خلال بيع المنتجات التي طرزتها منذ عدة أشهر.
ولفتت الانتباه إلى أن التطريز فن استخدمته الجدات قديماً في فلسطين لينتجنَّ من الإبر وخيوط الحرير تصاميم مختلفة تنقش على الأقمشة، وليعكسنَّ بذلك العادات والتقاليد والطبيعة المحيطة بالمرأة الفلسطينية، في كل منطقة أو بلدة على حدى في تلك الفترة الزمنية، وليرمزنَّ من خلال الأشكال الهندسية والرسومات إلى مفاهيم وأفكار مختلفة كالصحة، والأمل، والنجاح.
بالعودة للبداية يمكن القول إن الصدفة المحضة هي من ساعدت شيماء الحلو على تعلم التطريز، فتقول إنها كانت تذهب لتمضي وقت الفراغ مع صديقتها التي تمتلك مشغل صغير متخصص في بيع المطرزات، ومع الوقت ومن خلال النظر فقط تعلمت أساسيات التطريز، وأصبح لديها قاعدة متينة لتنتج أول قطعة مطرزة بحجم كف اليد فقط.
لكن فكرة العمل على إنتاج قطع ذات جودة أفضل لم يكن سهلاً والحديث لـ "شيماء الحلو"، لذلك كان لابد أن تتعلم أكثر حتى تستطيع تحقيق دخل من خلال المطرزات، مضيفة أنها قامت بمشاهدة العديد من الفيديوهات عبر اليوتيوب لتتعلم أكثر، كما اتخذت من أخطائها الأولى حافزاً كي تصبح أفضل، فتواصلت مع عدد من النساء اللواتي يطرزنَّ منذ عدة سنوات وسألتهنَّ عن عدة إخفاقات مرت بها وبالفعل لم تظهر فيما بعد أي مشكلة.
باستخدام الإبرة والخيط تطرز شيماء الحلو قطعة القماش "بدأت بتطريز الشال الذي تضعه النساء على أكتافهنَّ، ثم المحافظ التي تمسك باليد إلى أن أنتجت ثوب كامل"، وتشير إلى أن عملها أصبح يرتبط فيما بعد بالطلبات التي تردها عبر صفحتها على الفيس بوك، "ظهرت مشكلة حينما طلبت مني إحدى السيدات أن أطرز على الأثاث المنزلي كالمضايف والأطباق والمرايا والمخدات وأيضاً الأواني والمقاعد".
لا تنكر شيماء الحلو وعيناها تلمع بحماس أن الفكرة قد نالت إعجابها لكنها لم تكن تعلم كيف تدمج التطريز مع الخشب فذلك الأمر كان صعب عليها، "فضلت المحاولة والفشل على أن أقول لا أعرف للزبونة، فرجعت لذوي الخبرة وعلمت أنني بحاجة لتحديد مقاس قطعة الأثاث على ذلك تواصلت مع حرفي بارع لأنتج القطعة" وقررت أن تكون المرايا المطرزة أولى منتجاتها المدمجة مع الخشب.
ولفتت إلى أن التجربة الأولى لم تكن كما تريد فالنجار فرض عليها سعر باهظ جعل تكلفة العمل لا تحقق أي ربح يذكر، لكنها لم تستسلم فنزلت إلى سوق الحرفين وسألت عن أقل سعر ثم اعتمدت حرفي محدد للتعامل معه، مشيرة أنها بعد ثلاثة أشهر أصبحت تتلقى طلبات المطرزات من ألبسة وأثاث ثم تتفق مع الزبون على السعر ومكان التسليم لتوصله في الوقت المحدد فتلك الدقة أكسبتها ثقة عالية لدى زبائنها ليطلبوا منها نوع جديد لا تتقنه وهي الإكسسوارات المطرزة.
"انتقلت من عمل المطرزات على الخشب إلى معدن الحديد الذي لم يكن تفريغه ونقله بالأمر الهين بل يحتاج لحذر كي لا أجرح يدي كما حدث ذات مرة".
وبذلك استطاعت أن تنتج العديد من قطع الحلي المتنوعة كالقلائد والخواتم والأساور حتى حلي الشعر البسيط وأي شيء يطلب منها عبر رسائل الصفحة بأسعار متفاوتة تحددها هي، من خلال تكلفة العمل وجهده وسعر السوق المتداول.
وقالت إنها كانت تشارك في العديد من المعارض الفلسطينية التراثية لتسويق منتجاتها وقد اختلفت قيمة الربح لديها في كل مرة بل أنها خسرت في بعض المعارض، لكنها كانت بحاجة للمشاركة الدائمة لتذكير الزبائن بوجودها وانتشار منتجاتها بشكل أوسع.
وكما لكل مشروع معيقاته تقول شيماء الحلو أن عدم وجود مكان خاص وثابت لعرض منتجاتها جعل من أمر البيع صعب، مما دفعها للبحث عن جهة داعمة لتسطيع أن تستأجر مكان وتكمل مشروعها لكنها لم تجد، لافتةً إلى أن عدم معرفتها لكيفية تسويق تلك المنتجات خارج قطاع غزة كان العائق الأكبر؛ لأن الكثير من متابعيها عبر دول الخليج يطلبون منها توصيل المطرزات لهم، فترد على رسائلهم معتذرة لعدم وجود طريقة أو شخص تثق به.
وتختم شيماء الحلو حديثها بالقول إنه وبمجرد دخول فيروس كورونا لقطاع غزة تدمر مصدر رزقها، وأصبح الطلب على منتجاتها يكاد يكون معدوماً، لأن الناس حالياً يسعون لتوفير الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب، كما أن بعض السياح الأجانب الذين كانوا يأتون ويعجبون بمنتجاتها لم يعودوا يأتوا للقطاع بفعل ظروف السفر في ظل كورونا "أرسلت بعض القطع التي طرزتها في وقت الفراغ لأحد المحالات التجارية في قطاع غزة على أمل أن يستطيع بيعها".