صانعات الجبن في زمن التكنولوجيا

خلف كل طبق جبن قريش في شوارع مصر حكاية كفاح لنساء تتميز ملامحهن بالمثابرة والإجهاد حتى يتمكن من صناعة الجبن وبيعه

نيرمين طارق
القاهرة ـ . نساء من ريف مصر قرروا أن تكون حياتهن عبارة عن سكة سفر من المحافظات لشوارع القاهرة التي لا تخلو من أطباق الجبن القريش الذي يتواجد بشكل يومي في كل بيت مصري.
التقت وكالتنا مع مجموعة من النساء اللواتي يعملن على بيع الجبن في شوارع القاهرة، لتسرد لنا كل واحدة قصتها.
تقول أزهار عبد العزيز (55) عاماً، من محافظة الشرقية "عندما مات زوجي ترك لي ثلاث أبناء لأتولى أنا رعايتهم وتأمين قوتهم اليومي، لم يترك لي أي معاش أو أرض زراعية فلم يكن أمامي حل سوى التسول أو صناعة الجبن من حليب البقرة، وفي محافظتي الشرقية لن يشتري أحد مني الجبن فكل بيت لديه بقرة، والنساء يصنعن من اللبن ما يكفي حاجة أبنائهن من الجبن، فقررت أن أتجه إلى القاهرة أربع مرات أسبوعياً لبيع الجبن الذي أصنعه ولزيادة الدخل قمت ببيع البيض الذي أحصل عليه من الدواجن التي أربيها على سطح منزلي، ولن أتوقف عن العمل إلا عندما تعجز يدي عن حلب البقرة".
 
منافسة المصانع
وفي الحديث عن تراجع الإقبال على شراء الجبن المصنوع يدوياً تقول فاطمة سعد (50) عاماً، من محافظة الغربية "المكسب منذ عدة سنوات كان أكبر لأن جبن القريش كانت تصنعه الفلاحات فقط، ولكن أصحاب المصانع قرروا أن يتقاسموا معنا الرزق فلم يكتفوا بصناعة الجبن الرومي والزبادي، بل أصبحت المصانع تبيع جبن القريش للمتاجر والمستهلك أصبح يشتري من السوبر ماركت لإنه يعتقد أنها أكثر نظافة، ولكن الفلاحة لن تغش فهي تصنع الجبن بيديها من لبن بقرة تربيها في منزلها، ونظراً لأن المكسب أصبح أقل أصبحت الفلاحة تصنع الفطير المشلتت "المطبق" وتبيعه، وهناك من يأتي من الريف ببعض الخضروات والفواكه في محاولة لتحسين دخله".
 
تحلم بمعاش شهري
وتقول سامية محمد (61) عاماً من محافظة الدقهلية "اتجهت إلى القاهرة لبيع الجبن والبيض منذ أكثر من أربعين عام واخترت أن يكون مكاني بجوار نادي شهير فأبطال الرياضة يعتمدوا على الجبن القريش بشكل يومي في وجباتهن، ومنذ فترة كانت هناك ممرضة تشتري مني يومياً الجبن حتى تفطر به مع زملائها أثناء عملها في المستشفى، لكنني لم أعد أراها سوى مرة في الشهر فسألتها عن سر الغياب قالت لي إنها احيلت إلى المعاش ولم تعد تخرج من البيت سوى مرة واحدة شهرياً لاستلام معاشها فمن حقها أن تحصل على الراحة بعد سنوات من التعب، فتمنيت أن يكون لي معاش مثل كل الطبيبات والممرضات والمعلمات اللاتي يشتروا مني".
 
مصدر الدخل الوحيد
تقضي يسرا محمود (47) عاماً، كل أيام الأسبوع وهي تتنقل من المنصورة إلى القاهرة لتأمين دخل عائلتها، وتقول "لا أعرف معنى الإجازة فالأسبوع مقسم إلى أربع أيام، آتي من المنصورة للقاهرة حتى أبيع الجبن والبيض والفطير، وأقضي ثلاث أيام في المنصورة لصناعة الجبن والفطير ولولا طبق الجبن لما استطعت تعليم أولادي فليس لنا دخل غيره، وبعد تخرج ابني الأكبر من الجامعة حصل على وظيفة، فكان هناك رجل يعمل مدير في شركة كبرى وكان يشتري مني بشكل مستمر فطلبت منه أن يساعد ابني في الحصول على عمل وقدم لنا المساعدة".
وتقول سهام عبدالفتاح (53) عاماً، من محافظة القليوبية "أصبحت جزء من الحي الذي أبيع فيه الجبن منذ أكثر من 25 عاماً، وأثناء أحداث ثورة 25 يناير التي حدثت عام 2011، لم أتمكن من العودة إلى قريتي في اليوم ذاته بعد الانتهاء من البيع بسبب حظر التجوال وطلبت من إحدى النساء غطاء حتى أنام في الشارع فأصرت على إستضافتي في بيتها ونمت بجوارها على نفس السرير، ومنذ تلك اللحظة وأنا أرسل إليها الجبن مجاناً إلى منزلها وهي أيضاً ترسل لي الشاي والحلويات بشكل مستمر".