موظفو القطاع العام في لبنان يعلنون الاضراب

لم يسلم القطاع العام من انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، لا بل هذا القطاع الذي كان بوصلة العديد من حاملي الشهادات، أصبح يئن الانهيار المالي والمعنوي الذي يعيشه موظفو القطاع العام.

كارولين بزي

بيروت ـ أعلنت رابطة موظفي القطاع العام في لبنان الإضراب العام حتى تحقيق المطالب. هذه المطالب التي تعتبر أبسط حقوق المواطن اللبناني الذي لا زال يقوم بوظيفته في المؤسسات العامة على الرغم من كل الأعباء والأزمات التي ألّمت بالبلاد منذ نهاية عام 2019.

يعتبر موظفو القطاع العام أن لبنان كالأم التي تركت أولادها يغرقون، فهل ما زال هناك فرصة للنجاة؟

 

"الإضراب واجب وطني"

قالت الموظفة في وزارة الزراعة أماني بسمة لوكالتنا "نحن موظفون في القطاع العام ونعمل باسم الحكومة اللبنانية ومن المفترض أن تكون الحكومة هي السند والداعم الأول لنا، في هذه المرحلة التي نعيش فيها تضرب حكومتنا بعرض الحائط كل مطالبنا. فالحكومة تقوم بخنقنا من كافة الجهات وتحرمنا من أبسط حقوقنا. لذلك الإضراب لم يعد حقاً من حقوق المواطن أو الموظف، بل هو واجب وطني علينا كموظفين".

"الساكت عن الحق شيطان أخرس"، تقول أماني بسمة وتعبّر عن حرقتها بغصة وبأمثال حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب، وتكمل "ما ضاع حق وراءه مطالب... ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة".

وأضافت "منذ سنتين ونحن نتحمل المعاناة، بدأنا تحركنا باعتكاف في المكاتب، ثم لجأنا للاعتصامات من ثم إضراب ليوم أو يومين... لكن لا حياة لمن تنادي". وتتسأل "لماذا علينا أن نخاف ونحن أصحاب حق؟، يجب أن تصل هذه الصرخة، نعم للإضراب المفتوح لأنه لم يعد بمقدورنا أن نتحمل أكثر".

وعن قيمة الأجور، تشير إلى أن موظفي الفئة الرابعة في القطاع العام ولاسيما في وزارة الزراعة يتقاضون مبلغ يتراوح بين مليون و750 ألف ليرة إلى مليونين، وإذا قمنا بتحويل رواتبنا من الليرة إلى الدولار فهي لا تتجاوز السبعين دولار. هذا أمر غير مقبول ولا يكفي لأبسط مقومات العيش الكريم. أما إذا تطرقنا إلى المحروقات فالراتب أصبح يعادل صفيحتي بنزين فقط لا غير، هذا ولم نتطرق إلى الغذاء والمدارس والطبابة وغيرها.

على الرغم من تغير سعر صرف الدولار الواحد من 1500 إلى حدود 30 ألف ليرة، لا يزال الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة أي ما يعادل 23 دولاراً أميركياً، في الوقت الذي أصبحت فيه أسعار السلع الاستهلاكية خيالية، وارتفع سعر صفيحة البنزين إلى ما يزيد عن 690 ألف ليرة لبنانية، أي تجاوز سعرها الحد الأدنى للأجور في لبنان.

 

 

"صحتنا النفسية في خطر"

حاولت أماني بسمة في ظل الوضع المأساوي الذي تعيشه أن تحبس دموعها، لكن غصتها كانت واضحة. ثم تحدثت عن تأثير الأزمة على الصحة النفسية للموظف في القطاع العام، وقالت "نعاني كموظفين في القطاع العام من مشكلة خطيرة وهي تدهور الصحة النفسية عند الموظفين. القصة لم تعد تقتصر على الماديات، إذ أن صحتنا النفسية في خطر".

وأوضحت "وعينا على أن للوظيفة العامة أبعاد أخلاقية وانسانية ووطنية، عندما التحقنا بالقطاع العام، حصلنا على هذه الوظيفة بكفاءتنا وبمؤهلاتنا العلمية وكنا نتمتع بروح المواطنة وروح العمل والشباب وكنا نسعى إلى تطوير القطاع العام. لكن دعينا نسأل "مَن مِنا كموظفين في القطاع العام لا يشعر بالأذى المعنوي والنفسي؟ من منا لا يشعر بالتوتر والقلق؟ نحن فقدنا الاستقرار والأمن الوظيفي، نعيش بحالة خوف من المجهول. أسأل نفسي ما هو مصيري عندما أتم الرابعة والستين من عمري؟".

وأضافت "ينعكس ذلك على صحتنا الجسدية والنفسية فإذا لم نمت بالمرض سنموت من شدة التوتر. كما تسللت الأزمة لتؤثر على علاقتنا بالأسرة والمجتمع والوطن، والأخطر من ذلك باتت تؤثر على أدائنا بالعمل وعلى الانتاجية لأن الموظف يذهب إلى العمل رغماً عنه، إذ أن بيئة العمل في القطاع العام أصبحت سلبية جداً، بالإضافة إلى ذلك لا يوجد أي تقدير لنا ولمجهودنا".

وأوضحت "عندما نقرأ إعلان توظيف يأتي فيه "مطلوب شاب يعمل في خدمة التوصيل براتب خمسة ملايين ليرة ونحن لا زلنا نتقاضى الحد الأدنى للأجور، هذا أمر معيب، المسألة لم تعد مقتصرة على الماديات، صحتنا النفسية والجسدية في خطر... حاولنا ألا يكون المواطن هو الضحية الأولى ولكننا استنزفنا كل طاقاتنا"، وتناشد أماني بسمة المسؤولين عبر وكالتنا وتقول "اسمعوا صوتنا نحن صرخة حق".

 

"أين كرامتي؟"

من ناحيتها تقول الموظفة في القطاع العام زهراء كركي "أعلنا الاضراب لأن الموظف وصل إلى مرحلة لم يعد بإمكانه أن يستمر بعمله، إن كان على الصعيد المادي أو المعنوي، فكل ما يحيط به لم يعد يساعده على الاستمرار".

وأوضحت "مثلاً موظف في الفئة الثالثة حاصل على شهادة جامعية في الهندسة أو الطب أو أي شهادة تؤهله بأن يكون ضمن هذه الفئة، يتقاضى راتباً شهرياً يوازي راتب ثلاثة أيام لأي عامل في قطاع آخر، أما أكبر عدد لموظفي القطاع العام فهو ضمن الفئات الرابعة والخامسة ورواتبهم لا تتجاوز المليون و700 ألف ليرة، فكيف سيعيش هؤلاء ويكملون مسار عملهم وحياتهم، هذا إلى جانب ارتفاع أسعار الأدوية وصفيحة البنزين التي تجاوز سعرها الحد الأدنى للأجور".

وتلفت إلى أن تأثير الأزمة على عدد من النساء من الناحية المادية أخف وطأة من الرجال الذين يعيلون أسرهم، وتوضح "ثمة نساء لديهن معيل يساعدهن، ولكن بعيداً عن الجانب المادي، أنا كامرأة أين كرامتي إذا كنت أتقاضى راتباً لا يكفيني تسديد فاتورة التلفون والبنزين وشراء حاجات بسيطة".

إلى جانب النساء اللواتي تأثرن معنوياً بسبب الأزمة الاقتصادية، تقول زهراء كركي "هناك نساء يقمن بإعالة عائلاتهن وأسرهن. إذ تساعد المرأة زوجها ولاسيما أن كان هناك أزواج يعملون معاً في القطاع العام، فالوضع صعب والمصاريف باتت تتجاوز طاقة الموظفين والعائلات".

وتتطرق زهراء كركي إلى نقطة مهمة تغلب على ذهنية العديد من المؤسسات، وتقول "لا يعني مفهوم الوظيفة أنه يجب أن يكفيني راتبي للطعام والتنقل فقط وهي فكرة سائدة، بل يعني العيش حياة كريمة. عندما دخلنا إلى القطاع العام كان عبر امتحانات مجلس الخدمة المدنية، بذلنا جهداً كبيراً وعملنا بما تمليه علينا ضمائرنا فمن واجب الحكومة اليوم أن تقابلنا بالمثل، ونحصل على حقوقنا".

وأضافت "نحن ملتزمون بقرار رابطة موظفي القطاع العام والاضراب مستمر حتى تحقيق المطالب"، على الرغم من أن موظفي القطاع العام قد أعلنوا عن بدء اضرابهم يوم الاثنين 13 حزيران/يونيو، إلا أنه لم يتواصل معهم أي أحد من الوزراء أو النواب أو المسؤولين لحثهم على تعليق الاضراب والتعبير عن التعاون.

وتتسأل عن "السبب الذي يدفع الحكومة اللبنانية على إبقاء إيراداتها على سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، بعدما أصبح سعر كل شيء في البلاد حسب سعر صرف السوق الموازية"، وتقول "يحق لنا كموظفين أن نعيش بكرامة، كما أننا نشكل جزءاً مهماً من المجتمع أن كنا كنساء أو مواطنين".

 

 

"المعالجة بالدولار"

سلطت المتعاقدة في وزارة الاقتصاد إليسار صبّاغ الضوء على مشكلة يعاني منها كل العاملين في القطاع العام ألا وهو جانب المعالجة، وتوضح سبب مشاركتها في الاضراب الذي أعلنت عنه رابطة موظفي القطاع العام، وتقول "بعد سنتين من المعاناة وتحمل ثقل الأعباء وارتفاع الأسعار براتب لا يكفي أبسط الحاجيات، اتخذنا قرار الاضراب".

وأضافت "الراتب الذي نتقاضاه بعد نحو 10 أو 12 سنة خبرة لم يعد يصل إلى المئة دولار، لم يعد باستطاعتنا أن نتحمل. كل الوظائف قامت بتعديل رواتب موظفيها وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، باستثناء موظفي القطاع العام والأساتذة. نحن نطالب بتعديل الرواتب والأجور".

ولفتت إلى أن موظفي القطاع العام يواجهون معاناة أخرى على صعيد المعالجة، وتقول "إذا أراد المريض أن يجري عملية تفجير الحصوة في الكلية مثلاً فعليه أن يقوم بدفع فرق الضمان الاجتماعي أو تعاونية موظفي الدولة نحو 600 دولار. كموظف لم يعد يتقاضى راتباً يصل إلى المئة دولار، وهو لا يستطيع أن يكفي عائلته وليس لديه وظيفة أخرى من بعد سنوات عمله في مؤسسته، لأنه كان يعتمد على هذه الوظيفة، من أين يأتي بالمال؟".

وأوضحت "لا تزال تعاونية موظفي الدولة والضمان الاجتماعي يسددان فواتير الطبابة والمعالجة على سعر صرف دولار 1500 ليرة، علماً أن أسعار الأدوية وتكاليف دخول المستشفيات أصبحت تسعيرتها وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء".

وأضافت "نحن نعيش حالة قلق وخوف من أن يُصاب أحد أولادنا بأي مرض يتطلب دخولهم إلى المستشفى، لأنه يترتب علينا دفع فرق الضمان بالدولار الأميركي. حتى أن الدواء الذي يغطي الضمان منه 20 ألف ليرة مثلاً لدواء كان سعره في السابق 15 دولار أي نحو 23000 ألف أصبح اليوم بـ 400 ألف ليرة ولا زال الضمان يسدد 20 ألف ليرة منه فقط".

 

 

"بدل نقل على قانون 1970"

وتلفت إلى أن الغلاء انعكس أيضاً على المدارس وأصبحت أغلب المدارس تتقاضى أقساطها بالدولار.

وأوضحت "أنا في مديرية حماية المستهلك من الذين يقومون بمداهمة المحلات التجارية من أجل مراقبة الأسعار ومكافحة الغلاء"، مضيفة "ولكن كيف يمكننا أن نستمر في وظيفتنا بمراقبة الأسعار، ونحن نخرج بسياراتنا الخاصة من دون بدل نقل، بل يدفعون لنا مئة ليرة لبنانية (سنتات) على الكيلومتر الواحد، إذ أن هذا البدل لا يزال وفقاً لقانون عام 1970. تابعنا وراقبنا عندما ارتفعت الأسعار وأقفلت محطات المحروقات أبوابها ولكن الآن لم يعد بمقدورنا فعل ذلك، وفي أغلب الأحيان كان عملنا تبرعاً وبمثابة خدمة إنسانية للناس بالإضافة إلى أنه واجب، ولا زلنا نلبي الحالات الطارئة ولكن إلى متى سنستمر؟".