مسعودة بوعروشة: دور المرأة الريفية الليبية في تعزيز الأمن الغذائي غائب

تعد الزراعة أحد أهم ركائز الأمن الغذائي في دول العالم الثالث تحديداً، وترتبط الزراعة بدورها بالمرأة فهي التي اكتشفتها، وعملت فيها كما أنها الداعم الأكبر للرجل في الاستمرار في الحرث والزراعة والحصاد

ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، وإلى جانب مساعدته في ذلك فإنها أيضاً تقوم بتحضير الطعام والاهتمام بالأطفال والبيت. 
ليبيا جزء من دول العالم الثالث التي كانت الزراعة أهم ركائز اقتصاده، ولمعرفة دور المرأة في ليبيا في دعم الأمن الغذائي من خلال الزراعة التقينا عضو هيئة التدريس بكلية الزراعة في جامعة عمر المختار بمدينة البيضاء، الدكتورة مسعودة بوعروشة لتحدثنا في حوار معها عن مفهوم الأمن الغذائي، وعن دور المرأة الريفية في ليبيا.
 
هل بإمكانكم أن توضحوا لنا مفهوم الأمن الغذائي؟ وبماذا يختلف عن مفهوم الاكتفاء الذاتي؟ 
يستند تعريف الأمن الغذائي وفقاً لمؤتمر القمة العالمي للأغذية (1996) على أربعة أعمدة رئيسية كما يأتي، أولاً توفر الغذاء: أي توفر كميات كافية من الغذاء تغطي حاجات السكان وبجودة مناسبة، ولا يشترط إنتاج هذه الكميات محلياً، إذ يمكن أن يتم توفيرها من خلال الإنتاج المحلي أو عبر الاستيراد أو استقبال المساعدات الغذائية.
ثانياً: الحصول على الغذاء أي تمكين الأفراد من الوصول إلى كميات كافية من الموارد الغذائية التي يحتاجونها (الاستحقاقات) للحصول على أنظمة غذائية غنية. 
ثالثاً: الاستفادة من الغذاء (الاستخدام) وذلك عبر استخدام الغذاء لتلبية كل الاحتياجات الفسيولوجية والذي يتطلب توفير البنية التحتية الداعمة مثل أنظمة الغذاء الكافية، والمياه النظيفة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، للوصول إلى حالة من الرفاه الغذائي. هذا البعد يبين بوضوح أهمية المدخلات غير الغذائية في تحقيق الأمن الغذائي. 
رابعاً: استقرار أوضاع الغذاء (الثبات) أي استقرار الإمدادات الغذائية واستمرار تزويد السكان أو الأسر أو الأفراد بالمواد الغذائية الآمنة والكافية في جميع الأوقات. وهو ما يتضمن استمرار الإمداد حتى مع الصدمات المفاجئة (مثل الأزمات الاقتصادية أو المناخية) أو الأحداث الدورية (مثل انعدام الأمن الغذائي الموسمي).
إن مفهوم الأمن الغذائي يختلف عن مفهوم الاكتفاء الذاتي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها الذاتية في توفير احتياجاتها الغذائية محلياً. البعض يطلق على مفهوم الاكتفاء الذاتي الأمن الغذائي المطلق، على اعتبار أن النسبي هو توفير الاحتياجات الغذائية بشكل جزئي محلياً واستيراد باقي الاحتياجات التي لا تستطيع الدول انتاجها محلياً (وهو ما تنتهجه أغلب الدول في العالم).
 
"جائحة كورونا بينت لنا كم نحن في خطر"
 
هل هناك ارتباط بين الأمن الغذائي والزارعة؟
الزراعة هي العمود الفقري للأمن الغذائي وهي القطاع الاقتصادي الرئيسي المسؤول عن إنتاج الغذاء. الغذاء قد يأتي في أحد صورتين خام من المزرعة (سواء كان نباتياً أو حيوانياً)، أو يكون مصنعاً والذي هو بالأساس عبارة عن تلك المنتجات الخام النباتية والحيوانية التي تعرضت لعمليات تصنيع معينة حتى تحولت لتلك السلعة المصنعة والمعلبة. بالتالي لا نقول بأن هناك ارتباط بين الأمن الغذائي والزراعة بل نقول بأن الزراعة هي جوهر الأمن الغذائي. 
وشخصياً اعتبر الدول الزراعية القادرة على إنتاج الغذاء الذي يكفي شعوبها هي دول أكثر أمننا من الدول التي تعتمد على استيراد غذائها، ولقد بينت لنا جائحة كورونا كم نحن في خطر، فماذا لو تفاقم الوضع وتبنت الدول المصدرة للغذاء إجراءات صارمة في تصدير منتجاتها الغذائية؟ ماذا لو أغلقت الحدود ولم يعد بالإمكان استيراد الغذاء؟ سنكون في مواجهة أزمة حقيقية بل سنكون في مواجهة مجاعة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
 
هل هناك قطاعات أخرى تكمل القطاع الزراعي في الأمن الغذائي؟
نعم، فإذا ما ركزتي على الأعمدة الرئيسة التي ذكرتها لكِ، والتي يرتكز عليها مفهوم الأمن الغذائي سيظهر لك جلياً تلك القطاعات التي لا يكتمل الأمن الغذائي إلا بتكاملها مع القطاع الزراعي. بشكل عام هناك قطاع الصناعات الغذائية وهو لا يعتمد فقط على تحويل شكل السلع الزراعية الخام لمجرد إنتاج سلعة غذائية مختلفة ولكنه أيضاً يشمل حفظ السلع الزراعية لتعيش فترات أطول سواءً بالتجفيف أو التبريد والتجميد، أو التعليب أو التمليح أو غيرها من طرائق حفظ الأغذية ولاحظي أن الصناعات الغذائية قامت في بدايتها على يد الإنسان القديم، على فكرة حفظ الغذاء في فترة توفره بكثرة ليكون موجوداً وقت الندرة، بالتالي فقطاع الصناعات الغذائية هو القطاع الرئيسي المكمل للقطاع الزراعي في عملية الأمن الغذائي. أيضاً قطاع النقل والمواصلات والذي يساهم في مد وتوصيل سلاسل الأمداد الغذائي داخل وخارج الدولة، فكيف يصل الغذاء إلى مستحقيه دون أن تكون هناك وسيلة لنقله وتبادله. قطاع الاقتصاد والتجارة الخارجية والذي يساهم في توفير الاحتياجات الغذائية والاحتياطيات من المخزونات الاستراتيجية من السلع الأساسية. أيضاً القطاعات الداعمة للنظام الغذائي الصحي من الإمدادات المائية والصرف الصحي والرعاية الصحية، والرقابة على الأغذية وغيرها... قضية الغذاء دائماً متشعبة ومرتبطة بأكثر من عملية لنصل في النهاية إلى تحقيق مفهوم الأمن الغذائي.
 
"كانت المرأة الليبية امرأة ريفية بامتياز"
 
برأيكم أين هي المرأة الريفية؟ والإمكانيات التي تعمل بها؟ وما مدي فاعلية دورها؟
كانت المرأة الليبية امرأة ريفية بامتياز، لو عدنا إلى فترة "جداتنا" حيث كانت المرأة الليبية في الأرياف تقوم بأعمال الرعي والزراعة مع زوجها وأبيها وابنها، كما كانت تقوم بصنع أغلب ما تأكله أسرتها، بل ويحمل الرجل الريفي ما تصنعه المرأة الريفية ويذهب بمنتجاتها إلى المدينة ليبيعه أو يستبدله بسلع أخرى كالشاي والسكر وبعض المقتنيات التي لا يوفرها الريف، المرأة الليبية الريفية كانت تصنع اللبن والزبدة والسمن وتطحن القمح والشعير على "الرحى"، وتصنع زيت الزيتون، وتجفف الخضر الطازجة، وتغزل الصوف وتصنع الأثواب والأحذية والأغطية والأسدية ورقع البيت والأواني وأشياء كثيرة جداً، نستطيع أن نقول أنها شبه اختفت مع الهجرة الواسعة لسكان الأرياف نحو المدن منذ ستينيات القرن الماضي وتحولهم من نمط الحياة الريفية إلى نمط الحياة الحضرية. 
اليوم المرأة الليبية الريفية غير موجودة، وإن كانت موجودة فهي غير ظاهرة للعيان كما في دول الجوار حيث تبدو مساهمتها كبيرة ودورها في القطاع الزراعي ظاهر جداً كما في مصر، الأردن، فلسطين، تونس، الجزائر والمغرب، هناك جمعيات ومؤسسات خاصة بالمرأة الريفية، وإحصائيات وبيانات كبيرة حول أنشطتها.
ولتعريف المرأة الريفية فهي "امرأة عاملة في المناطق الريفية، تعتمد على الموارد الطبيعية والزراعة لكسب عيشها". من خلال هذا التعريف قد نقول بأن المرأة الليبية التي تعيش في الريف الآن ليست غالباً ضمن مفهوم المرأة الريفية إذ يشترط في التعريف العمل من خلال الزراعة أو أي أنشطة معتمدة على الموارد المحيطة بها في الريف لتحقق عوائد تعيش منها هي وأسرتها. وهنا لا أنفي وجود المرأة الليبية الريفية، ودورها لا يكاد يذكر بالمقارنة مع النساء الريفيات في الدول الأخرى حيث تمثل المرأة الريفية نسبة كبيرة تصل إلى أكثر من 40 بالمئة من القوى العاملة الزراعية، وينتجون الكثير من المواد الغذائية المتوفرة ويعدونها، مما يجعلهم المسؤولين الأساسيين عن الأمن الغذائي. في الحقيقة سؤالك هذا أغراني لأن أقوم بدراسة حول المرأة الريفية الليبية أين هي وما دورها؟
العالم مهتم جداً بالمرأة الريفية في إطار اهتمامه بالمرأة وتمكينها بشكل عام، لذلك أقرت الأمم المتحدة يوماً دولياً للمرأة الريفية يوافق 15من شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام؛ وذلك لإيمان الأمم المتحدة بدور النساء الريفيات في تعزيز التنمية الزراعية والريفية وتحسين مستوى الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الأرياف. وهنا أدعو الجهات المسؤولة سواء عن برامج تمكين المرأة أو المسؤولين عن هذا الجانب في القطاع الزراعي للقيام بالمزيد من الجهد لإحياء دور المرأة الريفية في ليبيا ودعمها.
 
"دورها غائب نتيجة نمط الحياة الحضرية السائد حتى في الريف نفسه"
 
أهمية دور المرأة في قطاع الزراعة قديماً؟ وكيف يمكن لها أن تدعم القطاع حالياً؟
كما سبق وذكرت لك، قديماً كان للمرأة الليبية دور بارز في القطاع الزراعي بشكل عام وفي الأمن الغذائي بشكل خاص من خلال عملها في الرعي، وتربية الدواجن ومشاركتها في الكثير من العمليات الزراعية خاصة في مواسم الحصاد، وكان دورها الأكبر في صناعة الغذاء والكساء فأغلب ما كان يأكله أجدادنا من صنعها، تحلب الغنم والبقر والأبل، تصنع من حليبها أصنافاً كثيرة اللبن الرائب والزبدة الطرية، والسمن، تهرش القمح والشعير لتصنع الدشيشة، وتطحنها لتصنع الدقيق حيث أساس الخبز الذي تصنعه بطرق مختلفة "التنور والصاج والرميس"، تجفف اللحم وتملحه لتصنع "القديد"، تجفف الطماطم لتصنع "الشريح"، تعصر الزيتون لتصنع الزيت، تطحن الخروب لتصنع "الرب". إضافة لدورها في توفير الغذاء كان لها دور أيضاً في توفير مقتنيات البيت والملابس حيث كانت تقوم بالكثير من الصناعات اليدوية من الصوف ومن الجلد. مساهمات المرأة الليبية في الحياة الريفية قديماً كثيرة جداً جداً.
حالياً دورها غائب نتيجة نمط الحياة الحضرية السائد حتى في الريف نفسه، هناك الكثير من الليبيين يعيشون في الريف ومستقرين سكنياً في المزارع ولكنهم لا ينتجون غذائهم، في غالب الأحيان حتى الخبز، وهو أبسط ما يمكن أن تقوم به المرأة الريفية، لا تصنعه، بل يأتي من المخبز حيث يصنعه الخباز (السوداني أو المصري أو السوري)!
هذا الأمر من المفارقات في الحقيقة فمعظم سكان الريف الآن يذهبون كل صباح إلى المدينة المجاورة ليجلبوا الخضروات واللحوم والحليب وغيرها من السلع التي يمكنهم إنتاجها. 
دور الليبيين في القطاع الزراعي ضعيف جداً سواءً الرجال أو النساء، ويعتمد معظم الليبيين ليس النساء فقط وإنما حتى الرجال على الدخل الشهري في شكل (مرتبات) من خزينة الدولة. وبالتالي لا يصبح الدخل الزراعي جزءاً أساسياً من مصادر الدخل بالنسبة لهم، أيضاً يعتمد القطاع الزراعي في ليبيا بشكل كبير جداً على العمالة الأجنبية سواءً في الرعي أو العمليات الزراعية الأخرى، أما التصنيع الغذائي فهو أيضاً ضعيف جداً، ويعتمد الاستهلاك المحلي بنسبة تتجاوز 90 بالمئة على الواردات الغذائية حتى من السلع التي نستطيع إنتاجها أو صنعها محلياً.
ولكن بالعموم ليس من المستحيل إعادة إحياء دور المرأة الليبية في الريف، والموضوع يحتاج إلى تطبيق نماذج حديثة للتنمية الريفية المستدامة، والتي تراعي نمط الحياة الحضرية السهل في توفير الغذاء، وفي ذات الوقت تشجع المرأة الليبية في الريف وتزيد من رغبتها في ممارسة نشاطات الحياة الريفية بشكل يزيد من مساهمتها في الإنتاج الزراعي بشكل عام وفي الأمن الغذائي بشكل خاص.
 
هل من فكرة لدعم مشروعات صغرى خاصة بالقطاع الزراعي للنساء؟
الأفكار كثيرة جداً، فالقطاع الزراعي قطاع حيوي قابل للنمو والتطور والتنوع، وقد دعوت في كثير من الملتقيات إلى استهداف القطاع الزراعي كغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى ببرامج دعم المشاريع الصغرى سواء التي تقدمها الدولة أو التي تقدمها المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وللاتحاد الأوروبي. المشروعات الزراعية متنوعة وفي كل مجالات الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني والسمكي، وأي مشروع صغير في أحد هذه المجالات "مهما كان صغيراً"، سيساهم في زيادة الناتج المحلي الزراعي، وفي تحقيق فوائض تذهب للتصدير، ويساهم في تطوير القطاع الزراعي من خلال الأفكار الريادية لأصحاب المشاريع الصغيرة، وقدرتهم على جلب التكنولوجيا ولو على مستويات صغيرة، كما تساهم في تنويع المنتجات الزراعية، والمساهمة بشكل عام في الأمن الغذائي.