من واقع التجارب... التمكين الاقتصادي للنساء سلاحهن في مواجهة المجتمع

أن نجد امرأة تستطيع أن تمسك بزمام أمرها دون الحاجة للغير والاتكاء عليه هو الحلم المنشود التي تعمل على تعزيزه واقعياً مختلف المؤسسات النسوية، وأصبحت الغاية الكبرى هي تحرير النساء من القيد المجتمعي والسلطة الأبوية التي تنال منهم وتعرقل مسيرتهم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعمل المؤسسات النسوية على قدم وساق على تعزيز قدرات المرأة اقتصادياً وتمكينها من الإمساك بخطواتها العملية في الحياة والوصول بها لسوق العمل وهو الأمر الذي توقعوا أن يجعلها قادرة على تحقيق المأمول في مستقبلها، وهو ما جعل للبحث في أسباب ذلك التفصيلية ضرورة للوقوف على أهميتها بالنسبة للنساء.

نستعرض في التقرير التالي تجربتين يمكن من خلالهم معرفة تأثير التمكين الاقتصادي على المرأة وما يقدمه لها من أمان اجتماعي كنتاج لما تحققه من استقرار مالي، فالعاملة يمكنها بكل ثقة الوقوف أمام التحديات الرجعية والانتهاكات مهما صغر حجمها بينما نجد تضطر النساء اللواتي لا يملكن مصدر دخل التنازل عن أهم حقوقهن لأنهن غير قادرين على العيش ولا يملكون ما ينفقونه على أنفسهن أو أبنائهن، وهذا ما قد يضطرهم للوقوع ضحايا وفرائس للغير ويحول دون قدرتهن على التخلص من ذلك القيد.

 

"لا أهتم بتعنيفي بقدر تأمين مستقبل أطفالي"

قالت هدى مجدى، اسم مستعار، أنها لا تذكر الكثير من أوقاتها الهادئة ولا تعلم عن التعنيف وضرورة رفضه شيء لأنها في أمس الحاجة لزوجها باعتباره المنفق الوحيد على أسرتها، مشيرة إلى أن اهتماماتها تنحصر في تلبية احتياجات أطفالها وتأمين مستقبلهم وأن كان يعتمد على أسرة مفككة من حيث المضمون ولكنها متماسكة وهادئة في هيكلها الخارجي كما يبدوا لهم وللآخرين.

وبحالة من الأسى والحزن تروي هدى مجدي قصتها قائلة "حلمت بحياة زوجية سعيدة خالية من المشاكل، فالآن أدرك حجم خيالي الطفولي، ففي بيت أبي عانيت من ضغطه واعتدائه المتكرر على أمي وضربه لي بلا أي مبرر وعند زوجي أصبحت ملطشة عائلته كاملة".

وأضافت "أتمنى لو كنت أكسب ما يؤمن مستقبلي وأطفالي ولكن من ينفق يحق له القمع احياناً، وتعلمت من حياتي مع زوجي الصبر على القسوة والقهر والظلم كي تستمر ضحكات أبنائي فأنا الآن كبرت وتخطيت الأربعين ولن أعيش بقدر ما أمضيته والأهم هو مستقبل الأبناء واستقرارهم، ففي بلدتنا الطلاق عيب تتحمله الأم وبناتها ووصمة في جبينهم لسنوات بل ومجال معايرة بين الرجال، وأنا حريصة عليهم ولا بديل أمامي أعوضهم به عن إنفاق أبيهم لتأمين مستقبلهم".

 

"التمكين الاقتصادي أساس شخصية المرأة"

قالت أمنية المالكي التي تعمل في أحد المؤسسات، أن التمكين النسائي للمرأة أساس شخصيتها والمساند الأكبر لها في اتخاذ قراراتها باعتبار أن من ينفق الأموال هو المتحكم بقدر أكبر.

وأضافت أمنية المالكي أن الخلاص الوحيد الداعم لاستقلال النساء يتمحور في تمكينهن اقتصادياً وهو الأمر الذي يدفع المؤسسات النسوية لجعل العمل على هذا الملف على رأس برامجهم وأنشطتهم.

ومن واقع تجربة أمنية المالكي وما لمسته في محيطها تؤكد أن "المرأة إذا تخلصت من عبء التفكير في عدم القدرة المالية تستطيع أن تكون لها شخصية ورفض لأي انتهاك واقع عليه"، مشيرة إلى أنه بالمقارنة بين امرأتين واحدة تعمل وتتمكن من الحصول على دخل يكفيها وأخرى ربة منزل تعتمد على شريكها مالياً في قضية التعدد على سبيل المثال سيكون هناك فرق كبير بين قرار كليهما تجاه هذا الأمر.

 

ما يقدم من جهد للتمكين الاقتصادي لا يلبي احتياجات النساء والثقافة العامة تحتاج لتغيير

ترى أمنية المالكي أن العمل على التمكين الاقتصادي مازال في بداياته وأن أعداد من النساء لا يعلمون عن أنشطة المؤسسات والجمعيات الأهلية الكثير، فهو على حد تقديرها أقرب لفئات معينة دون غيرهم ممن يستطيعون الوصول لبرامج المنظمات الحقوقية.

ولفتت أمنية المالكي، إلى أن قطاع كبير من النساء يحتاجون لقدر من التوعية ففي العديد من القرى والنجوع يعتبرون أن الإنفاق بالأساس هو مسؤولية الرجل ولا علاقة للمرأة به، ومسألة التمكين الاقتصادي أمر غريب على أفكارهم مما يقتضي معه العمل على تسويق الفكرة وتوعية النساء بها.

واعتبرت أمنية المالكي أن تغيير الثقافة خاصة إن كانت متوارثة تحتاج لعمل وجهد متواصل دون توقف فالاستمرار في تقديرها يمكنه إعادة تطوير الأفكار وتغيير المفاهيم والإرث الثقيل الذي يضعف المرأة ويضغطها ويجعلها قابعة في قبضة الرجل المهيمن.

وأضافت أن الأدوات التي تستخدم لتمكين النساء مازالت ضعيفة فالبحث عن احتياجات النساء الحقيقية أهم من تقديم مشاريع خارج نطاق اهتمامهم وقدراتهم وإمكانياتهم، كما أن هناك الكثير من الأفكار التي يتم طرحها لمجرد مساحة دعائية لا يتبعها عمل جاد ومتابعة للنساء تستهدف الاستمرارية والتغيير الواقعي.