من خلية واحدة إلى مشروع... امرأة من دير الزور تصنع النجاح

في منطقة يغلب عليها الطابع الريفي، سطرت امرأة من ريف دير الزور قصة نجاح في ميدان الإنتاج الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص عمل لمجموعة من النساء.

زينب خليف

دير الزور ـ بدأت الحكاية بمحض صدفة، حين وُضعت خلية نحل في غرفة صغيرة داخل منزل عائلة روضة السمحان، لكن تلك اللحظة كانت شرارة شغفٍ كبير دفعها إلى الغوص في عالم النحل، تتعلم وتستكشف تفاصيله الدقيقة متحديةً القيود المجتمعية والواقع المحيط بها.

من دون أي دعم وبإصرار شخصي، أطلقت روضة السمحان مشروعاً متكاملاً لإنتاج العسل، لم يكن مجرد عمل تجاري، بل منصة لتمكين نساء قريتها، حيث وفرت لهن فرص عمل وشاركت بمنتجاتها في معارض محلية.

لم تكتفِ بنجاحها الفردي، بل جعلت منه بوابة أمل وأفقاً جديداً للنساء من حولها، لتتحول قصتها إلى نموذج ملهم في الريادة والتمكين.

روضة السمحان، عضوة في جمعية مربي النحل في بلدة هجين، وواحدة من أول نساء المنطقة اللواتي اقتحمن مجال تربية النحل، الذي ظلّ طويلاً حكراً على الرجال، أو بعيداً عن اهتمامات المرأة الريفية التي تكافح من أجل تأمين لقمة العيش في ظل الظروف الصعبة.

 

البداية من الصفر وبدافع من الصدفة

تروي روضة السمحان بداياتها حيث كانت لا تزال طالبة في المرحلة الثانوية الزراعية عندما دخلت أول خلية نحل حياتها بمحض الصدفة، تقول "في أوائل الألفينات، أرسل لنا أحد أقاربنا خلية نحل ووضعها بغرفة صغيرة، ولم نكن نعرف عنها شيئاً. في البداية اعتقدت أنها حشرة ضارة لكنني شعرت بفضول عميق تجاه هذه الكائنات العجيبة. كيف تعمل، كيف تتعاون، كيف تنتج؟".

ما بدأ كفضول تحول إلى شغف حقيقي وهواية دفعتها لسؤال المهندسين الزراعيين، وقراءة كل ما يتوفر لها من معلومات، لتكتشف أن هذه الخلية يمكن أن تكون بداية مشروع اقتصادي فعلي.

لم تمضِ أشهر قليلة حتى فقدت أول خلية نتيجة تعرض النحل للمبيدات الكيميائية المستخدمة في حقول القطن المجاورة، ورغم الإحباط لم تستسلم روضة السمحان، بل زادها ذلك إصراراً على الفهم والعمل والإنتاج.

 

خبرة تبنيها الأيام

مع قلة الإمكانات وغياب الدعم، قررت روضة السمحان أن تشتري خلية نحل جديدة، رغم أن سعرها كان مرتفعاً حينها حيث تقول "كلفتني حوالي 200 دولار. كان مبلغ كبير بالنسبة لي، لكنني كنت متأكدة أن هذا المشروع يستحق العناء".

استعانت بخبرات محلية من أحد مربي النحل المعروفين في المنطقة، الذي قدم لها الإرشاد العلمي، واقترح عليها الانضمام إلى جمعية "مربي النحل" حيث بدأت تتعلم المزيد عن طرق العناية بالنحل، متابعة الخلايا، إنتاج العسل، والتعامل مع الأمراض والحالات الطارئة.

وأضافت "كنت أفتح الخلية كل خمسة أو ستة أيام، أراقب الحضانة، أتابع مراحل التلقيح، أتأكد من سلامة الملكة. كنت أتعامل مع النحل كأنهم جزء من عائلتي".

 

من معرض العسل إلى اسم تجاري محلي

مع مرور الوقت، بدأت نتائج المشروع تظهر. إنتاج العسل تحسّن، وثقة روضة السمحان بنفسها زادت، فقررت المشاركة في أول معرض محلي لمنتجات العسل بتنظيم الجمعية، وكان ذلك التحوّل المفصلي في مسارها.

أوضحت أنها طرحت منتجها من العسل عالي الجودة، ولاقت إقبالاً كبيراً من الزبائن، مما أدى إلى تزايد الطلبات في منطقتها، ثم توسعت لتلبية احتياجات مناطق مجاورة، حتى باتت تواجه أحياناً طلباً يفوق الكمية المتوفرة.

تحوّلت تربية النحل من مجرد هواية إلى نشاط اقتصادي متكامل، يدعم الأسرة، ويعزز موقع المرأة في مجتمعها، ويوفر مصدر دخل مستقر في بيئة تعد من أفقر المناطق من حيث الفرص الاقتصادية.

 

النحل والمرأة... تشابه في العمل والقدرة على العطاء

روضة السمحان لم ترَ في النحل مجرد وسيلة للربح، بل مدرسة كاملة في النظام، الإنتاج، والتعاون ترى في النحلة العاملة صورة للمرأة الريفية الصامدة، المنتجة، التي لا تتوقف عن العطاء، حتى في أقسى الظروف،  وتقول "النحلة تعمل بهدوء، بصبر، بدقة. لا تشتكي ولا تتراجع، فقط تنتج وتخدم الخلية، وهكذا نحن النساء، خاصة في الأرياف، نعمل بصمت، ونصنع الكثير، رغم التهميش".

مع توسّع المشروع، بدأت روضة السمحان بتشغيل عدد من النساء في مواسم الذروة، خاصة خلال فصل القطاف وفرز العسل، ما جعل لمشروعها أثراً مجتمعياً حقيقياً، من خلال تمكين نساء أخريات، وتوفير مصدر دخل حتى لو كان مؤقتاً.

وتطمح لتوسيع المشروع ليشمل إنتاج الشمع، غذاء الملكات، وحبوب الطلع، إضافة إلى توفير جلسات توعية للنساء حول تربية النحل، وإمكانية دخولهن هذا المجال.

رغم بساطة الإمكانيات وقسوة الواقع، استطاعت روضة السمحان أن تثبت أن الإرادة الشخصية والمعرفة المتراكمة يمكن أن تصنع المعجزات، حتى في المناطق المنسية، وهي اليوم مثال حيّ على أن المرأة ليست بحاجة إلى معجزات، بل إلى فرصة ومساحة للتعبير عن قدراتها.

قصة روضة السمحان ليست مجرد سرد لتجربة في تربية النحل أو إنتاج العسل، بل هي رواية عن الإصرار، وعن الإيمان بأن المشاريع الصغيرة قادرة على إحداث تحولات كبيرة في المجتمع، إذا وجدت من يحتضنها ويؤمن بها.