عمل النساء في المعامل شكل آخر للمقاومة والتحدي
العاملات في مصانع الرقة تثبتن دورهن في المجتمع وتساهمن في تطوير الإنتاج وتقدمه، وتؤكدن أن ثورة المرأة رسمت لهن خارطة طريق نحو الحرية والمساواة لتبدأن في تنظيم ذواتهن بعد سنوات من التهميش لوجودهن وكيانهن.
يسرى الأحمد
الرقة ـ استطاعت المرأة العاملة في مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا كسر النمطية الذكورية التي حرمتها لسنوات طويلة من أبسط حقوقها ألا وهو حق العمل الذي تمارسه اليوم بكل حرية واريحية مطلقة ضمن قوانين تضمن حقوقها.
تعرف مدينة الرقة في شمال وشرق سوريا بكثرة معاملها ومنشآتها الإنتاجية المختلفة، لكنها لطالما افتقرت لوجود العنصر النسوي فيها، وذلك بسبب فرض المفاهيم الرجعية للسلطة الذكورية الحاكمة والتي همشت وجودها ودورها في المجتمع لسنوات عدة، إلى حين اندلاع ثورة المرأة حيث خطت على إثرها المرأة خطوات ناجحة نحو الحرية والمساواة مع الرجل بدءً من حقوقها الأسرية وصولاً إلى حقها في العمل.
بالإضافة لما سبق من الحروب والنزاعات وقلة سبل العيش وعدم وجود معيل للعائلة والظروف التي تواجهها المنطقة دفع العديد من النساء للعمل، ففي مدينة الرقة معمل لفرز النفايات تم تأسيسه منذ عامين قالت المشرفة فيه وتدعى أمونه الحسين وهي في العقد الخامس من العمر مسؤولية رعاية أحفادها الخمسة بعد فقدان والدهم لحياته، "ظروف الحياة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم وعلى رأسها الهبوط الملحوظ لقيمة العملة في البلاد مما أثر على أجور العاملات بشكل كبير، فاليوم نتقاضى أجراً زهيداً مقابل عمل ساعات طويلة ومستمرة وهو ليس بالقدر المطلوب فهو لا يسد نفقات المنزل ومتطلباتنا الكثيرة خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية".
وأكدت أمونه الحسين أن العمل مهما كان شاقاً أو أن أجره ضئيلاً إلا أنه يبقى من أبرز السبل التي تحقق من خلاله المرأة ذاتها وكيانها ولا تحتاج أن تمد يدها لأحد "رغم صعوبة العمل والتعب الجسدي إلا أنني فخورة وسعيدة بامتلاكي عملاً وبالتالي أملك فرصة للمساعدة في النهوض بالمجتمع وتحقيق التقدم فيه، فدوري في هذا العمل يعتبر ركيزة أساسية لسير جوانب العمل والتصنيع وعلى من أن دورنا يعد بسيط ألا أننا نساعد في تقدم المجتمع نحو الأفضل، فهذا يزيدني إصرار وحماس وإرادة أكثر تجاه العمل كوني اعتمد على نفسي".
وعن طبيعة عملها ودورها قالت "أقوم بتوجيه العاملات بهدف سير العمل بشكل منظم من خلال تقسيم المهام عليهن وفقاً لخبراتهن، نقوم بفرز المواد كلاً على حدا اعتماداً على طبيعة ونوع المادة الخام التي صنعت منها، نقوم بذلك يدوياً وليس بالآلات وذلك لأن كمية المواد التي يحصل عليها المعمل قليلة نوعاً ما".
وتابعت "بعد انتهاء عملية الفرز نقوم بتعبئتها في أكياس كبيرة يتم إغلاقها بأحكام ثم نقلها لتصديرها لأماكن مخصصة لإعادة تدويرها وتصنيع مواد جديدة منها وصالحة للاستخدام مرة أخرى، أما عن مصدر هذه المواد فنحن نحصل عليها من مصادر خاصة بتجميع المواد التي تم استهلاكها"، مضيفةً "يبدأ عملنا من الساعة السادسة صباحاً حتى السادسة مساءاً وهناك ساعات للراحة أيضاً".
كما تحدثت عن وضع المرأة الفترة التي سيطر فيها تنظيم داعش على المدينة "حرمت النساء من جميع حقوقهن ومنعن من ممارسة أبسطها ألا وهو حق العمل على الرغم من أن الظروف المعيشية كانت في غاية الصعوبة في تلك الفترة، لم يكن يسمح لنا بالعمل لكي نساعد ذوينا حتى أن هناك نساء لا معيل لهن ومجبرات على العمل ألا أن التنظيم منعهن من ذلك، أما اليوم وبعد ثورة المرأة نالت النساء حريتهن وحصلن على حقوقهن وعملن مع الرجل يداً بيد".
وأشادت بدور ثورة المرأة في تحرير النساء من الظلم والعبودية والقيود التي فرضت عليهن وإعطائهن دورهن الذي همش على مدار سنوات طويلة "ثورة المرأة أخرجت النساء من ظلام العبودية والعنف إلى نور الحرية والسلام، يجب أن نعمل للمحافظة على مكتسبات الثورة من الزوال ودعمها لتصل إلى كل الفئات المستضعفة"
أما عائشة الأحمد وهي نازحة من مدينة تل أبيض/كري سبي منذ أربعة أعوام تعمل لإعالة أسرتها أيضاً "نقاوم الأوضاع المعيشية المتردية إلى جانب المعاناة والصعوبات التي تسبب بها النزوح القسري الذي فرضه الاحتلال التركي على مدينتي، لذلك أعمل هنا منذ أن نزحت إلى مدينة الرقة أي منذ أربعة أعوام واتحمل أعباء مضعفة كإجار المنزل والمياه والكهرباء وغيرها الكثير من المستلزمات والمتطلبات التي لا تنتهي".
وتابعت "عمل المرأة إلى جانب الرجل في الوقت الحاضر بات أمراً مسموحاً به وفي أي مكان وهو الأمر الذي كان تنظيم داعش يرفضه حتى لو كانت المرأة هي المعيل الوحيد لعائلتها دون الأخذ بعين الاعتبار أو الإنسانية ظروفها القاسية، اليوم أعمل لأساعد زوجي في توفير مستلزمات أطفالنا".
وعن مهامها الموكلة إليها في العمل تقول "أقوم بمهام عديدة منها فرز المواد إلى جانب تعبئتها في أكياس ونقلها، نبذل قصارى جهدنا في سبيل نجاح عملنا فالمرأة لديها القدرة والإرادة في إثبات ذاتها وهي ليست عضو زائد في المجتمع كما يعتقد البعض، عملنا هنا يعتمد على العنصر النسوي بشكل كبير لذلك أتمنى أن يتم استحداث المزيد من الأعمال التي تكون فيها المرأة جزءاً لا يتجزأ منه، كما أن هذا المعمل وفر فرض عمل لعدد لا بأس من النساء وخاصة المعيلات لأسرهن".
وعن أبرز الصعوبات التي واجهت النساء في عملهن قالت رابعة محمد البالغة من العمر 39عاماً أم لسبعة أطفال "العادات والتقاليد ونضرة المجتمع الدونية للمرأة هي أبرز ما قد تعانيه النساء في طريق تحقيقهن لذواتهن وكيانهن، فأنا كنت أعاني من مفاهيم المجتمع الرجعية التي أطلقتها الذهنية الذكورية المسيطرة على المجتمع وأن هناك أعمال حكر على الرجال فقط ومن المعيب على المرأة القيام بها، لكن إيماناً بقدراتي وأنني لا أقل أهمية عن الرجل تمكنت من كسرها والخروج من القالب النمطي للمجتمع الذي حبس المرأة داخل المنزل".
وأشارت أن "المرأة في شمال وشرق سوريا استطاعت تخطي جزء كبير من العقبات التي لم تتمكن من كسر معنوياتها أو إجبارها على التراجع عن ثورتها التي تخطت أصدائها اليوم حدود المنطقة، لذلك أدعو وأشجع النساء في كل مكان أن يخرجن من قوقعة المنزل والحدود التي رسمت لتقييد دورهن وأن يعتمدن على ذواتهن حتى يتمكن من تحقيق استقلالهن الذاتي وأن يكون لهن دور فاعل في المجتمع".
وأكدت أن العديد من المعامل الإنتاجية في شمال وشرق سوريا وفرت فرص عمل للكثير من النساء، وفعلت أدوارهن لتحرز فيهن نقطة التغيير والتطوير، وساعدتهن على كسر القيود التي حرمتهن من حقوقهن وحريتهن لسنوات طويلة، ليصبحن أكثر قوة وثقة بأنفسهن، وكانت فرصة ذهبية لهن ليثبتن خلالها ذاتهن ودورهن الفعال.