معاناة مزارعات قصرنبا البقاعية في جني الورود وتقطيرها

روت عاملات ومزارعات بلدة قصرنبا البقاعية عاصمة الورد الجوري، معاناتهن أثناء موسم القطاف، ونقص المردود المادي.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ أكدت عاملات ومزارعات من بلدة قصرنبا البقاعية تعملن في جني الورود وتقطيره وإنتاج مواد غذائية منه، أن هذا القطاع يحتاج إلى تطوير واهتمام كبير، فالعمل فيه لازال يدوي ويحتاج إلى مجهود كبير، مقابل المردود المادي الضئيل.

منذ الخامسة صباحاً تبدأ زينب الديراني وزوجة ابنها غِوى أحمد بجني الورد من بلدتهم قصرنبا البقاعية التي تعرف "عاصمة الورد الجوري في لبنان"، استعداداً لتوضيبه لإرساله إلى السوق قبل أن ينال الطقس الحار من جودته ورائحته ولونه، ليتم بيعه وبعد الجهد المبذول لساعات بأبخس الأثمان نتيجة احتكار وجشع التجار.

خلال جولة في بساتين ورد قصرنبا، التقينا زينب الديراني وهي جالسة تستريح في ظل شجرة زيتون، وببسمة طاغية على الرغم من التعب والإرهاق في بستان العائلة الذي لا يتجاوز مساحته 3 دونمات، قالت "هي استراحة المحارب، لأقوم بعدها بجني الورد حتى الساعة الواحدة بعد الظهر، وهذا مكاني المفضل لألتقط أنفاسي وارتاح قليلاً وأشرب بعض المياه".

وأضافت "أجمع الورد منذ كنت في السابعة من عمري، لأتوقف لفترة بسبب معاناتي مع الحساسية، ولكن بعد زراعتها في بستاننا اضطر رغم ذلك مشاركة العائلة في القطاف، كوننا لا نستطيع استقدام عمال، لذا اتحضر قبل شهر من الموسم بتناول العلاج لمعالجة الحساسية لأكون جاهزة للعمل خلال الموسم".

وأشارت إلى أن "هذه الوردة التي تتم زراعتها في بلدتنا بعلا، لا تحتاج إلى الكثير من العناية، ولكنها بالمقابل تكلفنا الكثير من التعب لجني المحصول الذي لا يكفينا كما كان في السابق، بسبب جشع واحتكار التجار".

وقالت "نحاول تأمين بعض مؤون الشتاء من بستاننا، ولكن الاحتياجات الأخرى كنا نؤمنها من موسم الورد حيث كان يشكل مورد رزق لنا ولغيرنا من المزارعين، والذي بدأت تنخفض قيمته شيئاً فشيئاً، والورد بحاجة لمن يتبناه لنستطيع الاستمرار به، فبعد أن كان يبلغ سعر كيلو الورد الجوري في الموسم الماضي 5 آلاف ليرة للكيلو أي حوالي 3.5 دولاراً، أصبح في بداية الموسم 25 ألفاً، لينخفض في موسم الذروة إلى ما دون 14 ألفا مع ارتفاع سعر الدولار، فلم يعد يكفي شيئاً".

وأوضحت "انخفاض سعر الورد دفع الكثيرين لترك زراعة الورد وعدم الاهتمام بها، وبالمقابل غرق السوق بالمنتج الصناعي"، وأكدت أن "وردتنا هي الأفضل، ولكن تنقصنا الإدارة السليمة ليتم الاهتمام بها كما تستحق".

وتقوم زينب الديراني مع أفراد أسرتها بجني الورد يومياً في الصباح الباكر، "يحتفظ الورد بجودته ونوعيته في الصباح، كما نتجنب لسعات النحل قدر الإمكان كلما بدأنا مبكراً".

 

 

 

من جهتها، قالت غوى السيد أحمد "موسم الورد الجوري في نهايته تقريباً، وهو ينبت في قريتنا منذ أكثر من 100 عام ويزرع في كافة البساتين، ولكنه ليس بجودة وردة قصرنبا".

وأضافت "لهذه الوردة الكثير من الفوائد، حيث يقطر منها ماء الورد المستخدم في الحلويات ومستحضرات التجميل، كما ينتج منه شراب الورد المنعش باستخدام القطر ومواد ملونة طبيعية، كما تستخدم الوردة في الزهورات شتاءً وفي تصنيع دقة الكبة التقليدية، ومؤخراً بدأنا بإنتاج مربى الورد".

وأشارت إلى أن "كل القطاعات الزراعية تطورت، ما عدا هذا القطاع، فالجني يدوي وبمجهود فردي، ويحتاج إلى تعب وسط الحر والحشرات، فضلاً عن المردود المادي القليل، لكننا نأمل أن يتم دعم هذا القطاع الإنتاجي والاقتصادي والتراثي".

 

 

وفي زيارة لمعمل تاجرة الورد نجوى الديراني وهي تقطر الورد، قالت "نتاجر بالمنتجات الزراعية المختلفة التي تنتج في بلدتنا وحالياً الورد وورق العنب، والبلدة تحتوي آثار هامة ومنها ثاني أكبر معبد بعد بعلبك وهو قصرنبا".

وعن موسم الورد قالت "الورد يزرع في بلدتنا منذ أيام أجدادنا، وورد قصرنبا هو الأول من نوعه، حيث يلائمه الطقس والتربة البيضاء والارتفاع إذ يصل إلى 1300 متراً، ونشجع الناس على زراعته كونه أصبح جزءاً من تراثنا، ونبيع بعض المحصول لمن يريد أن ينتج في منزله ونصنع مما تبقى ماء الورد، ويتم تعبئته في بيدونات أو عبوات زجاجية وفقاً لطلب الزبائن".

وأوضحت أن "تصنيع ماء الورد لا زال يتم هنا بالطريقة التقليدية وباستخدام كركة مصنوعة من النحاس ويتم تبريده في خزان آخر، ولدينا معمل آخر فيه كركة من (الستانلس ستيل)، وينتج هنا ماء الورد الأفضل"، مشيرة إلى أنه "لو توفرت الإمكانيات العلمية والاقتصادية فربما نتمكن من تصنيع زيت الورد، والذي قد يدّر أرباحاً وفيرة ولكنه يحتاج إلى دراسة".

وأشارت إلى أن "التاجر بخير طالما المزارع بخير، والمزارع يعاني وبالتالي نحن نعاني، فحياتنا متعلقة ببعض، فالعامل يجمع 2 كيلو في الساعة ويأخذ كيلو منه ويترك الثاني لصاحب الأرض الذي يدفع تكلفة النقل أيضاً، فلا حوافز مادية أو جهة ترعى هذا القطاع، أو مختصين للمحافظة على القطاع بصورة مستمرة، كما ونعاني في المعمل من غلاء ثمن المحروقات التي نستعملها أي المازوت، وانقطاع الكهرباء والمياه بسبب الأزمة الاقتصادية انعكس بصورة كبيرة علينا".

 

 

التقينا المزارعة زكية محمد علي شامي الديراني في متجر الورد وكانت تحاول أن تقنع عاملة بأن تقبل بسعر 15 ألف ليرة على الساعة لمساعدتها، بينما تطالب العاملة بسعر 25 ألف ليرة، وقالت "كيف سنستمر، عمري 76 سنة، وأعمل في زراعة وجمع الورد منذ صغري، ولا يمكنني تحمل أجرة عاملة لمساعدتي، فما سأدفعه لها بالساعة إذ تطلب 25 ألف ليرة، بينما سعر كيلو الورد 13 ألف ليرة اليوم، ومع غلاء المعيشة فلا يكفي ثمن ربطة الخبز ناهيك عن سعر الدواء أو إن اضطررت لدخول المستشفى"، وأضافت "أنا أعمل حتى لا أحتاج لأحد، ولأعيش بكرامة، فالبلد منهوب، والدولة لا تدعم المزارع".

 

 

منتجات مبتكرة من الورد

واتجهت حنان الديراني نحو تصنيع منتجات غذائية من مزروعات القرية، وعن ذلك قالت "منذ العام 2004، أعمل في معمل لتصنيع المنتجات الغذائية، وأهمها ما يصنّع من الورد، منها لبنة بالورد، ومربى الورد، وماء الورد وشراب الورد، كما نحاول ابتكار منتجات أخرى، فلدينا 12 صنفاً من اللبنة، منها مع الزعتر ومنها مع الزرشك الإيراني المجفف (حبوب صغيرة من فصيلة الرمان)، والخيار المخلل الصغير، وغيرها، كما نصنع المكدوس باللبنة وورق العنب باللبنة وأوراق الملفوف باللبنة وفلفل باللبنة وغيرها، وكلها من انتاجنا أو من بلدتنا نشتريها من المزارعين، إلا أن منتجات الورد تلاقي اقبالاً كبيراً".

وأضافت "لدينا مشكلة أننا نضطر للتسويق إلى الخارج عبر وسيط، حيث تضع وزارة الصناعة معايير كثيرة، منها أن تكون الأرض مملوكة بالكامل (بنسبة 24 قيراطا)، وهذا يجعلنا نتجه لبيعها لتاجر يقوم بتسويقها باسم علامته التجارية".