كرمشان على قائمة إحصائيات الفقر والنساء أولى الضحايا

البطالة بين النساء في كرمشان ليست مشكلة اقتصادية فحسب؛ هذه الأزمة هي نتيجة مباشرة للهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير العادلة التي تبقي الأمة الكردية وخاصة المرأة على الهامش.

صبا مجيدي

كرمشان ـ أظهر التقرير الجديد لمركز الإحصاء الإيراني أن محافظة كرمشان تتصدر مؤشر الفقر بين محافظات البلاد بنسبة 51%، ويقدم هذا المؤشر والذي هو مزيج من معدل التضخم والبطالة، صورة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

معدل البطالة في كرمشان أعلى من المعدل الوطني، والأهم من ذلك أن النساء في هذه المحافظة تتعرضن لضغوط أكبر.

من ناحية أخرى، ارتفع معدل البطالة بين النساء لأسباب مختلفة مثل قلة فرص العمل والتمييز المنهجي وعدم تخصيص الموارد الاقتصادية المناسبة في كرمشان، ويعود هذا الوضع إلى سنوات من الإدارة غير الفعالة والسياسات غير المتكافئة والقمع المستمر للقوى العاملة النسائية، وخاصة في كرمشان وشرق كردستان، كما أن انخفاض عدد السكان النشطين، الناتج عن الإحباط والخروج من سوق العمل، يشوه الصورة الحقيقية للبطالة ويمثل انخفاضاً واضحاً في معدل البطالة.

إن مشاركة المرأة في اقتصاد كرمشان ليست منخفضة فحسب، بل تتعرض لضغوط كبيرة بسبب السياسات التمييزية، ويعد هذا التفاوت في سوق العمل ومؤشر البؤس المرتفع رمزاً للوضع الاستعماري الذي تمارسه السلطة المركزية على كرمشان وشرق كردستان، وتعمل السياسات الاقتصادية المركزة على تعميق الفجوات بدلاً من المساعدة في تقليصها، وإذا تم تخصيص الموارد الاقتصادية بشكل عادل، فمن الممكن الحد من هذا التفاوت.

 

مراجعة تاريخية

ومن أجل فهم أعمق لأزمة البطالة في كرمشان، ينبغي مناقشة تاريخ القمع الاقتصادي والسياسي للأمة الكردية من قبل الحكومة المركزية في إيران، ولطالما تعرضت كرمشان، باعتبارها أكبر مدينة في شرق كردستان، لسياسات اقتصادية غير عادلة، ولم تنهب هذه السياسات موارد هذه المنطقة فحسب، بل أدت أيضاً إلى تفاقم الفقر والبطالة من خلال الحد من الاستثمارات وعدم إنشاء البنية التحتية الاقتصادية.

وكان هذا الاستغلال المنهجي أكثر خطورة خاصة في حالة الكرديات المضطهدات من الناحيتين القومية والجنسانية، وعلى مر التاريخ، حاولت السلطات المركزية في إيران إبقاء الأمة الكردية على الهامش من خلال التمييز الاقتصادي والاجتماعي، وتظهر هذه التمييزات الاقتصادية بشكل خاص في مقاطعات كرمشان وإيلام وسنه، وقد أثر نقص فرص العمل ونقص البنية التحتية المناسبة بشكل مباشر على زيادة البطالة في هذه المناطق.

 

الهياكل الاقتصادية غير العادلة وسياسات السلطة المركزية

وفي الهياكل الاقتصادية للسلطة المركزية، تتركز الموارد والأموال في المدن الكبرى والمراكز الصناعية، وخاصة طهران، ولم تستفد المناطق الهامشية مثل كرمشان من هذه الأموال، ولم تؤد هذه السياسات المركزية إلى الحرمان الاقتصادي للشعب الكردي فحسب، بل أثرت سلباً أيضاً على البطالة بين النساء بشكل خاص، وإن عدم الوصول إلى الموارد الاقتصادية، ونقص المرافق المالية، ونقص البنية التحتية الصناعية، جعل فرص العمل المتاحة للنساء محدودة للغاية.

بالإضافة إلى ذلك، أدت السياسات النيوليبرالية التي انتهجتها السلطة المركزية، والتي أدت إلى الخصخصة غير العادلة، إلى تدمير العديد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتستفيد هذه السياسات بشكل رئيسي الطبقات والمجموعات الرأسمالية القريبة من السلطة، وقد عانت من هذه السياسات الفئات الأضعف في المجتمع، وخاصة النساء والمهمشين، وأدت عمليات الخصخصة وتقليص الاستثمار الحكومي في كرمشان إلى جعل فرص العمل أكثر محدودية ودفعت المزيد من النساء إلى الخروج من سوق العمل.

 

دور الثقافة الأبوية والهياكل الاجتماعية التمييزية

هناك عامل فعال آخر في بطالة النساء يكرمشان وهو الهياكل الاجتماعية والثقافية الأبوية، فبسبب تعزيز ودعم الثقافة التقليدية والمواقف الأبوية من قبل السلطة الإيرانية، غالباً ما تُحرم النساء من المشاركة في سوق العمل، وتؤدي هذه المواقف إلى بقاء المرأة في المنزل وأداء واجباتها المنزلية وتؤثر بشكل مباشر على حصولها على الوظائف المناسبة.

ويعتبر النظام الأبوي والثيوقراطي الحاكم المرأة قوة عمل من الدرجة الثانية، ولا تقلل هذه المشكلة من معدل توظيف المرأة فحسب، بل تتسبب أيضاً في مواجهة النساء لتمييز متعدد من حيث الأجور وفرص العمل حتى لو دخلن سوق العمل، فعلى سبيل المثال، غالباً ما يتم توظيف النساء الكرديات في وظائف خدمية منخفضة الأجر ويُحرمن من فرص العمل الأفضل المتاحة للرجال.

 

الأزمات البيئية وأثرها على البطالة لدى النساء

ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على البطالة في كرمشان، وخاصة بين النساء، الأزمات البيئية مثل الجفاف ونقص المياه، وقد اعتمد جزء كبير من اقتصاد كرمشان على الزراعة والبستنة عبر التاريخ، وتلعب المرأة دوراً مهماً في الزراعة، لكن مع تدهور الأحوال الجوية وانخفاض الموارد المائية، عانت الزراعة في هذه المنطقة من أزمة، وقد دفعت هذه الأزمات العديد من الأسر إلى الابتعاد عن الزراعة، وتركت النساء خارج سوق العمل بسبب عدم وجود فرص عمل جديدة.

وكان لنقص المياه، وخاصة في فصول الصيف الجافة، تأثير مدمر على الصناعات الزراعية والحيوانية، والعديد من النساء الريفيات اللاتي كن تعتمدن على هذه الصناعات تعانين الآن من البطالة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الافتقار إلى البنية التحتية الصناعية منع النساء من العثور على وظائف جديدة في قطاعات أخرى من الاقتصاد، ولذلك فالأزمات البيئية تؤثر بشكل غير مباشر على ارتفاع معدل البطالة بين النساء وتهميشهن.

 

التمييز الطبقي والقومي وعلاقته بالبطالة لدى النساء

جانب آخر مهم من تحليل البطالة بين النساء في كرمشان هو مسألة التمييز الطبقي والقومي، حيث تتعرض الكرديات للتمييز ليس فقط بسبب جنسهن، ولكن أيضاً بسبب هويتهن الوطنية، ولقد استفادت السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة المركزية دائماً من الطبقات العليا والمناطق المركزية، ولم تستفد المناطق الهامشية مثل كرمشان من هذه السياسات، وتكون هذه التمييزات المتعددة أكثر حدة خاصة بين الكرديات المهمشات سواء من حيث الطبقة أو الجنسية.

 

عدم المساواة بين الجنسين في سوق العمل في إيران

ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن معدل البطالة بين النساء في إيران أعلى بشكل عام من معدل البطالة بين الرجال، ويظهر هذا التفاوت بشكل خاص في المحافظات المحرومة مثل كرمشان، معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة في إيران منخفض للغاية، وهذا المعدل في كرمشان أقل من المعدل الوطني، وتشير التقارير إلى أن 14.6% فقط من النساء في كرمشان تشاركن في سوق العمل، مما يدل على عمق التمييز بين الجنسين في هذه المنطقة.

كما أن معدل البطالة بين المتعلمات أعلى بكثير من معدل البطالة بين الرجال فعلى سبيل المثال، على مستوى البكالوريوس تبلغ نسبة البطالة بين النساء حوالي 24.5% وعلى مستوى الماجستير 17.3%، وفي الوقت نفسه، فإن معدل البطالة بين الرجال المتعلمين أقل بكثير، وهو ما يظهر التفاوت العميق في الوصول إلى فرص العمل، وتشير هذه التفاوتات إلى عدم وجود عدالة اجتماعية واقتصادية في سياسات التوظيف في البلاد.

 

النيوليبرالية وأثرها على بطالة النساء

كان للسياسات النيوليبرالية التي نفذتها السلطات المختلفة في إيران منذ العقود الأخيرة آثار مدمرة على توظيف النساء في المناطق المحرومة مثل كرمشان، وقد أدت عمليات الخصخصة واسعة النطاق وتخفيضات الإنفاق العام إلى حرمان العديد من النساء من الوصول إلى الوظائف الحكومية والخدمات الاجتماعية، وقد أفادت هذه السياسات الطبقات الغنية والشركات الكبرى وأدت إلى زيادة عدم المساواة الاقتصادية في البلاد.

ونتيجة لهذه السياسات، فقدت العديد من العاملات اللاتي كن تعملن في الخدمات العامة والوظائف الحكومية وظائفهن بسبب تخفيض الموازنات الحكومية وإغلاق الوحدات الحكومية، كما أن عدم وجود قوانين حماية كافية للعاملات جعل النساء أكثر عرضة للفصل من العمل والبطالة.

 

حلول مقترحة لمعالجة بطالة النساء

ولمعالجة هذه الأزمة، هناك حاجة إلى تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى السلطات أن تقوم بجدية بإعادة بناء البنية التحتية الصناعية والزراعية في كرمشان والقيام باستثمارات جديدة في هذه المجالات، كما ينبغي إعطاء الأولوية للسياسات الداعمة للعاملات، بما في ذلك خلق فرص عمل متساوية، وزيادة الأجور، وتوفير ظروف العمل المناسبة.

البطالة بين النساء في كرمشان ليست مشكلة اقتصادية فحسب؛ هذه الأزمة هي نتيجة مباشرة للهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير العادلة التي تبقي الأمة الكردية وخاصة المرأة على الهامش.