جمع أحجار الكلس... مهنة شاقة ومصدر رزق للنازحات في إدلب
من الجبال والتلال والمقالع الحجرية القريبة من مخيماتهن، تنطلق النازحات في إدلب في رحلة بحث عن أنواع من الصخور الرسوبية البيضاء
سهير الإدلبي
إدلب ـ من الجبال والتلال والمقالع الحجرية القريبة من مخيماتهن، تنطلق النازحات في إدلب في رحلة بحث عن أنواع من الصخور الرسوبية البيضاء، التي رحن يحولنها لأحجار كلس من أجل بيعها والاستفادة من عائدات ما يحصلن عليه في الإنفاق على عوائلهن، وتأمين جزء من احتياجاتهن الأساسية من غذاء ودواء وكساء.
يعود الكلس في أصله لصخور بيضاء أو رمادية منتشرة بكثرة في مناطق إدلب وأريافها، ويستعمل في صناعة مواد البناء والاسمنت، وهو أحد الصخور الرسوبية المكونة من كربونات الكالسيوم ويأتي على هيئة الكالسيت.
خطرت لـ سناء السلوم (32) عاماً فكرة جمع أحجار الكلس من الجبال القريبة من المخيمات شمال إدلب، نظراً لتواجدها بكثرة في تلك المناطق وعن تجربتها تقول "كان علي إيجاد عمل أعيل به أبنائي الثلاثة، ومساعدة زوجي العاطل عن العمل في تأمين مصاريف العائلة الكبيرة، التي لم يعد قادراً على تأمينها وحده، وهو ما دفعني للبحث عن مصدر رزق من لا شيء".
وأضافت "لم أجد أمامي في هذه المخيمات سوى الجبال والحجارة الصماء، والبراري الواسعة، وهنا خطرت ببالي فكرة جمع أحجار الكلس، وإعادة طبخها وتصنيعها وبيعها'.
تجمع سناء السلوم مع زوجها أكثر من عشرة كيلو غرام من أحجار الكلس بشكل يومي، لتبيع الكيلو غرام الواحد منه بمبلغ 20 ليرة تركية، بعد أن تقوم بطبخ تلك الحجارة في وعاء معدني ضخم على نار قوية لمدة 12 ساعة، بعد ردم الحجارة بقرميد حراري يساعد على طبخه بشكل أسرع، وتستخدم في إشعال النار النفايات، وأكياس النايلون والقش حتى تصبح الحجارة جاهزة ومتناسقة القوام وناعمة الملمس فتقوم بسكب المصهور، وبعد تبريده تجمعه في أكياس وتقوم ببيعه للمحلات التجارية.
للكلس استخدامات متعددة في طلاء المنازل، وصناعة الديكورات، إضافةً لاستخدامه في تجبير الكسور وهو ما يعرف بالجبس أو الجبيرة البلدية، ويستخدم في طلاء الأشجار المثمرة لمنع وصول الديدان والحشرات إليها ولتعقيم المداجن.
ورغم أن مهنة جمع حجارة الكلس هي من المهن الشاقة وكانت حكراً على الرجال، لكن ذلك لم يمنع النازحات مؤخراً من الخوض في هذه الأعمال، فكسرت المرأة تلك الصورة النمطية واعتمدت على ذاتها في تأمين لقمة العيش حتى إن كانت مهن شاقة وغير ملائمة بالنسبة لجسدها الضعيف كامرأة.
رابعة حاج علي (35) عاماً وهي نازحة من بلدة الرفه ومقيمة في مخيمات دير حسان الحدودية تخرج يومياً بصحبة ابنها صهيب البالغ من العمر (14) عاماً لجمع حجارة الكلس في رحلة لا تخلو من المشقة والتعب، وعن عملها تقول "توجب علي بعد وفاة زوجي أثناء القصف الذي طال بلدتي تاركاً لي أربعة أبناء أن أجد عملاً أعيل به أبنائي بعيداً عن الحاجة والسؤال، غير أن فرصة إيجاد عمل ملائم لم يكن بتلك السهولة، خاصة وأنني لا أملك أي شهادات أو مؤهلات عملية تساعدني في الحصول على عمل ما".
رؤية رابعة حاج علي لعدد من نساء مخيمها يعملن بمهنة جمع أحجار الكلس وطبخها وبيعها دفعتها للاقتداء بهن والعمل بذات المجال.
وأشارت إلى أن العمل برغم مشقته يوفر لها دخلاً يمكنها من الإنفاق على أسرتها "صحيح أن ما أجنيه ليس كافياً لتغطية كافة النفقات ولكنه يبقى أفضل من الجلوس وانتظار المساعدة من الآخرين".
وأضافت "وضعتنا الحرب فجأة في طريق صعب فرض علينا نحن النساء خوض غمار تجربة لم نعتد عليها ولم نحضر أنفسنا كزوجات غير مؤهلات للعمل بها، لكننا سنعمل ونقاوم حتى النهاية".
من جهتها قالت حنان القادري (38) عاماً وهي مرشدة اجتماعية من مدينة معرة مصرين أن قلة الاهتمام بشؤون النساء والأرامل والمعيلات من قبل السلطات الحاكمة ومنظمات المجتمع المدني وضعهن تحت ضغوط مالية ونفسية وبدنية وأجبرن على العمل بمهن شاقة كجمع أحجار الكلس من المقالع.
وترى أنه من المفترض إيجاد مهن أكثر ملائمة لهؤلاء النساء كتوفير مراكز للتدريب والتأهيل وتقديم مشاريع صغيرة تساعدهن على الاكتفاء الاقتصادي بعيداً عن ظلم الحرب واستغلال البشر.