بيع الخضار على الرصيف سبيلهن الوحيد لإعالة أسرهن

بلغت نسبة النساء المعيلات في قطاع غزة ما يقارب الـ 11%، فمن بين 11 أسرة هناك أسرة واحدة تعيلها امرأة.

رفيف اسليم

غزة ـ على أرصفة قطاع غزة تعمل النساء في بيع الخضروات التي تمثل مصدر رزق بسيط لهن ولعائلاتهن، خاصة في ظل غياب المعيل أو مرضه، واضطرارهن للقيام بذلك الدور لوحدهن.

تجلس الأربعينية علا كريم، منذ ساعات الصباح الأولى وحتى غروب الشمس لبيع عدة أنواع مختلفة من الخضروات في أحد أسواق غزة الشعبية الواقعة بحي الشيخ رضوان، لتذهب إلى بيتها في نهاية اليوم بعدد من الشواكل.

وقالت "ولدت في أسرة فقيرة لأبوين طاعنين في السن، لذلك كان يجب علي أن أنزل السوق وأفترش الرصيف كي أحصل على قوت يومي، إلى أن تزوجت وتحولت إعالة الأسرة لواجب يتولى زوجي القيام به في كل يوم، لكن الراحة أبت إلا تفارقني ومرض زوجي".

وأوضحت "لم يعد أمامي خيار، خاصة أنه كان من الصعب نزول أحد الصبية الصغار إلى السوق وترك مدرستهم، فقررت الاكتفاء بمساعدتهم لي في ساعات الصباح الباكر عندما أذهب للتاجر وأبتاع منه ما أريد عرضة خلال اليوم على البسطة الصغيرة التي تحمل أمال عائلتي الكبيرة بتوفير ما يكفيهم من مأكل، وملبس، ومشرب، وإيجار بيت متراكم منذ عدة أشهر لم يدفع".

وعن الصعوبات التي تواجهها لفتت إلى أن أكثر ما يؤرقها تهديدها بالطرد أي وقت من ذلك البيت المتهالك الذي تكاد عمدانه تنهار في أي لحظة مسقطة السقف على رؤوسهم، موضحةً ذلك السقف يسترهم لكنه لا يقيهم برد الشتاء فتنزل المياه مبللة كل ما يحتويه المنزل، بينما تسقط الشمس بأشعتها الحارقة وكأنها شهب نارية خلال فصل الصيف.

وأضافت أن خمسة أولاد مع أباهم المريض هو عبئ ثقيل على امرأة وحدها تتولى جميع الأمور من مصاريف غاز وكهرباء وطعام وتعليم وثياب، مع تحديات مختلفة تواجهها يومياً، كاعتراض البلدية من افتراشها الرصيف المخصص لكي يمشي عليه المارة، وليس لبيع الخضار.

وأشارت إلى أن البسطة تبعد عدة أمتار فتراها تارةً تتابع البيع وتارة أخرى تذهب كي تطمئن على حال المنزل والأولاد، مؤكدةً على أن لقمة العيش صعبة فكان عليها بطريقة أو بأخرى تدبر أمورها وعدم الجلوس في المنزل تنتظر من يتصدق عليها.

اليوم أصبحت علا كريم جزء لا يتجزأ من السوق الذي شهد طفولتها وشبابها، وربما أكثر من ذلك فبات الجميع يعرفها بلقب "أم فارس" ويكن لها الاحترام على عطائها المتواصل، محاولة هي أن تحوي بسطتها في كل يوم نوع جديد من الخضار خاصة تلك الموسمية التي يكثر الطلب عليها على أمل أن تتحول في يوم ما لمحل خضروات.

وأوضحت أن أكبر هاجس تواجهه هو انقضاء اليوم دون بيع ما لديها من خضروات، لتتصادم في نهاية اليوم مع التاجر الذي يطالبها بدفع ثمن البضاعة التي حصلت عليها في بداية اليوم غير آبه بالظروف التي واجهتها، لافتةً إلى أن تكرار ذلك اليوم يمنع الموردين من تزوديها بالبضاعة وتلك مشكلة واجتها مسبقاً وتمكنت من حلها بعد عناء طويل متعهدة بعدم تكرارها.

 

 

ولم تكن نعمة الملاحي أفضل حال من سابقتها فعلى رصيف أحد الأسواق الشعبية بمنطقة النصيرات وسط قطاع غزة يتكرر المشهد ذاته، وقبالتها أنواع مختلفة من الخضروات الورقية، مشيرة إلى أن بيع الخضروات بالنسبة لها هي مصدر دخلها الوحيد الذي تعيش منه وتعيل برفقتها 8 أفراد يحتاجون للمأكل والمشرب والملبس والمسكن الذي يعتبر شبه متهالك وغير قابل للسكن.

المتأمل في وجه السبعينية نعمة الملاحي، يرى جيداً تفاصيل الشقاء كيف ترسم على وجهها المجعد بعد أن نالت السنوات منها وتقول "أجلس هنا منذ 50 عاماً لأعيل أولادي الذي قضى الوضع الاقتصادي في قطاع غزة على حلمي بأن يصبح لديهم عمل مستقل يعيلون أنفسهم من خلاله".

وأوضحت أنها تعاني من عدة أمراض جعلت حركتها صعبة وبطيئة لذلك يساعدها أحد أبنائها كي تصل لمكان عملها في الصباح الباكر وفي المساء يأتي لاصطحابها إلى المنزل، مشيرةً إلى أن المارة يعرفونها جيداً ويتعاطفون معها لهذا السبب تستمر بالبيع، إلا أنها في بعض الأيام تعود لمنزلها فارغة اليدين خاصة في الأوقات الشتوية التي تصاحبها منخفضات جوية.