"بمبادرات تطوعية"... نازحات يصنعن الأمل في إدلب
مع استمرار الحرب السورية ووصولها لعامها الثاني عشر لم تعد المرأة في إدلب مغيبة عن الواقع العملي والحياة الفاعلة
سهير الإدلبي
إدلب ـ مع استمرار الحرب السورية ووصولها لعامها الثاني عشر لم تعد المرأة في إدلب مغيبة عن الواقع العملي والحياة الفاعلة، كما لم تعد ترضخ لواقعها بالاستسلام وانتظار من يساعدها بموقف الضعف والعجز، وإنما استطاعت أن تكسر تلك القاعدة التي لطالما وضعتها موضع الضعيف المعال لتكون القوية والمعيلة لأسرتها وسط الظروف الصعبة التي تواجهها.
قدمت المرأة مبادراتها الخاصة بهدف مساعدة النساء النازحات وتميزت هذه المبادرات بعفويتها وتلقائيتها، فلم تكن مبادرات منظمة أو مبرمجة، بل كانت مبادرات ذاتية، عبّرت فيها المرأة عن دعمها وإحساسها بمسؤوليتها المجتمعية اتجاه غيرها من النساء.
لم يمنع نزوح آية ممدوح (٣٠) عاماً وظروفها المعقدة في مخيمات إدلب وسط الفقر وانعدام الخدمات وقلة فرص العمل من القيام بأعمال تطوعية فردية شعرت معها بأهمية ما تفعله حين اتخذت من خيمتها وسيلة تعليمية لعدد من أطفال المخيم.
تقول آية ممدوح "آلمني وجود الكثير من الأطفال التائهون في المخيم دون تعليم الذي هو أبسط حقوقهم التي حرمتهم منها الحرب".
بدأت آية ممدوح مشروعها التعليمي بإمكانيات بسيطة وهي عبارة عن خبرتها في التعليم إضافة لسبورة صغيرة وبعض الأقلام، وما إن أعلنت عن مشروعها التطوعي حتى بدأ أطفال المخيم يقصدونها لتلقي دروس تعليمية.
استقطبت الأطفال من الفئة العمرية الأولى لتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. ولاقى مشروعها الكثير من الدعم والاستحسان من الأهالي في المخيم الذين عمدوا لمنحها مبالغ رمزية لمساعدتها على الاستمرار في تعليم أبنائهم، وهو ما ساعدها في إنقاذ الوضع المعيشي المتهاوي لأسرتها المؤلفة من زوج عاطل عن العمل وثلاثة أبناء، والاكتفاء الذاتي وسط ما يواجهها من ظروف صعبة.
لم تكن مبادرة آية ممدوح التطوعية الوحيدة وإنما تعددت المشاريع التي أطلقتها نساء نازحات في مخيمات الشمال السوري، وكان منها مبادرة روعة الحاج أحمد (٤٠) عاماً التي اتخذت من آلة الخياطة القديمة وخبرتها في الخياطة أساساً لمشروعها التطوعي من خلال تعليم النساء النازحات في المخيم مهنة الخياطة عبر إعادة تدوير الملابس المستعملة وصناعة أنواع متعددة من الملابس التي استفادوا منها أما في بيعها والاستفادة من ثمنها أو استخدامها كلباس لأطفالهن.
تقول روعة أحمد "أردت تمكين هؤلاء النساء بمهنة ما يكتسبن من خلالها قوت يومهن على الأقل وسط الظروف المعيشية المأساوية التي يعشنها في مخيمات النزوح المنسية".
لم تسعى من خلال عملها هذا أي أجر أو فائدة شخصية بقدر ما أرادت مساعدة أكبر عدد من النساء المعيلات على تحدي واقعهن وإعالة أطفالهن رغم امكانياتها المتواضعة.
هناء الأصفر (٢٨) عاماً نازحة من قرية صوران ومقيمة في مخيم أطمة استفادت من مبادرة روعة أحمد وبدأت تستخدم ما تعلمته في صناعة أنواع متعددة من الملابس وبيعها لزبوناتها من قاطني المخيم بأسعار منافسة.
تقول "وجود طفلين وزوج مصاب جراء القصف السابق الذي تعرضت له مناطقنا، دفعني للبحث عن مصدر رزق أعيل به أسرتي فكانت الفرصة حين بدأت بمشروعي التطوعي".
تثني هناء الأصفر على مبادرة روعة أحمد واصفة إياها بالمنقذة للكثيرات ممن وضعتهن الحرب في مواقف صعبة لسن مؤهلات على مواجهتها.
وتدعو لمزيد من تلك المبادرات الهامة التي من شأنها تمكين النساء اقتصادياً لتأمين مورد اكتفاء ذاتي لهن مع حفظ الاستقلالية والكرامة.
وأصدر فريق "منسّقو استجابة سورية" في وقت سابق إحصائيات تحيط بتفاصيل الأوضاع الإنسانية في مخيمات الشمال السوري، تتضمن التركيبة السكّانية في المخيمات فضلاً عن الحالات الخاصة فيها، والعجز في الاستجابة الإنسانية.
وأوضح الفريق في الإحصائيات الصادرة عنه، أنّ عدد المخيّمات الكلّي يبلغ 1293 مخيماً، يقيم فيها نحو مليون و44 ألف نازح، وهي تتضمّن مخيمات عشوائية يبلغ عددها 382 مخيماً ويقيم فيها 185557 نازحاً.
وتتكوّن التركيبة السكانية في كافة المخيمات من 307829 من الذكور، 377292 من الإناث، 408568 من الأطفال، أمّا الحالات الخاصة في المخيمات فتوزّع على الشكل التالي، 19102 فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما بلغ عدد النساء الأرامل، بلا معيل 10146 امرأة.
أمّا نسبة العجز في الاستجابة الإنسانية بحسب الفريق، فقد بلغت 52 بالمائة في قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش، بينما بلغت 69 بالمائة في قطاع المياه، أمّا في قطاع الصحة والتغذية فبلغت نسبة العجز 83 بالمائة، و59 بالمائة في قطاع المواد غير الغذائية، بينما بلغت نسبة العجز في قطاع المأوى أو الخيام والمسكن 52 بالمائة، وبلغت نسبة العجز في كلّ من قطاعيّ التعليم والحماية 79 بالمائة و72 بالمائة لكلّ منهما على التوالي.