بعد ارتفاع الدولار... هكذا تأثرت النساء بارتفاع أسعار السلع

"جميع السلع ارتفعت بلا سبب واضح حتى الخضار لم يعد في مقدورنا شراؤه"، عبارة كادت أن تكون شعار جميع من وطأت قدمهم أسواق التجزئة نتيجة الارتفاع الكبير

أسماء فتحي

القاهرة ـ "جميع السلع ارتفعت بلا سبب واضح حتى الخضار لم يعد في مقدورنا شراؤه"، عبارة كادت أن تكون شعار جميع من وطأت قدمهم أسواق التجزئة نتيجة الارتفاع الكبير الذي طال أغلب السلع عقب تعويم العملة المصرية.

وكالتنا استطلعت آراء عدد من النساء في الأسواق الشعبية للتعرف على مدى تأثير ارتفاع الأسعار عليهن وكانت الروايات إلى حد كبير صادمة خاصةً أن الأسر عادةً ما تكون تحت ضغوط وأعباء إضافية خلال شهر رمضان، كما أن اعتمادها على السلع التي ارتفعت بالفعل شبه أساسي، ولكن تلك الأعباء أثرت سلباً على ميزانية الأسر بشكل عام وهو ما جعل الأولويات تتغير وكذلك القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية تقل.

ومع مرور أيام المتابعة والرصد لاحظنا أن عدد المقبلين على الشراء بات أقل كثيراً عما كان عليه والتقينا مع عدد من النساء بشكل عشوائي في أماكن مختلفة وتحدثنا إليهم بشأن تأثير ذلك عليهم والصادم في الأمر أن عدد منهم أكد أن هناك استغلال متعمد بسبب شهر رمضان وزيادة حجم الاستهلاك فيه، متسائلين عن سبب الارتفاع الذي طال سلع لا علاقة لها بارتفاع الدولار أو ما أعلن بشأن الحرب الخارجية.

 

"نعول أسرنا ولا نستطيع توفير الطعام لأطفالنا بسبب ارتفاع الأسعار"

"لا يوجد ما هو أسوأ من عدم قدرتك على توفير الطعام لأطفالك"، تلك كانت مشاعر هند جمال التي اعتبرت أن الفترة الحالية من أصعب الأوقات التي تمر بها، معتبرةً أن الارتفاع الذي حدث لأغلب السلع غير مبرر على الإطلاق فهناك تعمد للاستغلال والوضع يستدعي تدخل حكومي ورقابي على أسواق التجزئة.

وأوضحت أنها تأتي للسوق باحثة عن بضائع تكون سلعها من الدرجة الثانية والثالثة ولكن حتى هذه باتت أكبر من قدرتها فراتبها لا يتجاوز الـ 1500 جنيه (عملة مصر) في أحد محلات الملابس التي باتت على حد وصفها "شبه مهجورة"، فأولويات المواطنين في الوقت الحالي أصبحت قاصرة على توفير الطعام في المقام الأول وشراء الملابس أصبحت درب من الرفاهية.

فيما أكدت نادية علي الفتاة الثلاثينية أنها تعول أسرتها بعد وفاة والدها منذ نحو 5 سنوات وأن راتبها في أحد المستشفيات الحكومية لا يتجاوز الـ 2500 جنيه، وارتفاع الأسعار جعلها ترتب أولوياتها فأصبح شراء الطعام في المقام الأول يليه باقي متطلبات المعيشة.

واعتبرت أن هذا الواقع فوق احتمالها فهي تعمل لنحو 12 ساعة ولم تعد تستطيع الإنفاق على أسرتها المكونة من 5 أفراد، خاصةً أن ارتفاع الأسعار ليس قاصراً على الطعام بأنواعه المختلفة فقط، بل طالت كل شيء حتى مصاريف تعليم أخويها التي قالت عنها "الأدوات المدرسية ارتفعت للضعف وكذلك تكلفة الدروس حتى السعر الذي نتفق عليه من أجل توصيل أخوتي للمدرسة بسيارة أجرة طلب زيادته لنحو 30%".

 

تطوير المهارات بات حلم بعيد المنال نتيجة أولويات الأسرة الجديدة

قالت مي جمال الدين أنها كانت تدرس لغة إنجليزية لتحسين وضعها في العمل ولكن بعد موجة الغلاء الأخيرة لم يعد لديها فائض في ميزانية أسرتها لذلك قررت أن تؤجل خطتها في التعلم على أمل أن تعود الأمور لما كانت عليه.

وأوضحت أنها كانت طموحة في خطتها التي تستهدف بها التمكن من اللغة خلال عام ونصف ومر في دراستها نحو 6 أشهر متصلة، "زوجي راتبه 3200 جنيه وأنا 2000 جنيه وكنت أدخر من راتبنا حتى أطور مهاراتي في اللغة لأن هذا قد يساعد في مضاعفة راتبي ويغير طبيعة عملي في شركتي ولكن ميزانيتنا تأثرت عقب ارتفاع الدولار فأغلب المنتجات الغذائية أسعارها ارتفعت وبالتبعية كل شيء، لذلك أعدت ترتيب أولويات أسرتي وقررت تأجيل حلمي مؤقتاً".

فيما اضطرت علياء أحمد للعمل بجانب دراستها من أجل توفير دخل إضافي وهو ما جعلها تهمل طموحها الثانوي حيث كانت تدرس مونتاج وتصوير لأنهما يحظيان على اهتمامها، وقالت "أبي لم يعد في مقدوره توفير احتياجاتنا كاملة خلال تلك الفترة، فقررت العمل في أحد محلات البقالة الكبرى حتى أستطيع توفير دخل إضافي لأسرتي ومساعدة والدي في توفير مصاريف دراستي إلى أن تستقر الأوضاع مرة أخرى وأعود لهواياتي ودراساتي الثانوية".

 

الرحلات والملابس والهوايات رفاهية لم تعد في مقدورها

باتت الرحلات القصيرة وشراء الملابس الجديدة أو حتى ممارسة الهوايات من الاستماع إلى الموسيقى واقتناء الكتب وغيرها من الأمور رفاهية بعيدة المنال في ظل قسوة الواقع بعد ارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة.

وقالت عن تلك الأمور الأربعينية سامية فوزي أنها "أحلام"، معتبرة أن مجرد التفكير في حضور حفلة بالأوبرا أصبح خاطر ممتع يصعب تحقيقه لأن أولويات أسرتها أصبحت أعقد من ذلك، أما عن هوايتها في اقتناء التحف الصغيرة أكدت أنها تخشى أن تصل لمرحلة بيع ما لديها حتى تتمكن من توفير احتياجات أسرتها.

وتعالت ضحكات هالة العامري بمجرد سماعها كلمة هوايات حيث قالت "الهوايات والفسح وما تتحدثين عنه أحلام فنحن الآن نبحث عن توفير الأكل والشرب وتعليم أطفالنا، الأسعار تتضاعف ولا حول لنا ولا قوة، فلم نعد نمتلك رفاهية التفكير فيما تتحدثين عنه من أحلام لأنها رفاهية أكبر من قدراتنا المالية".

 

أسعار الخضار تحرق جيوب ربات المنزل

قالت ليلى عماد ربة منزل في العقد الخامس من عمرها، أن أسعار الخضروات أصبحت كالنيران تلتهم كل ما يصادفها، فلم يعد في مقدور الأسرة تحملها على حد تعبيرها ووصفت ما يحدث بـ "الكارثة".

وأضافت "كيلو الطماطم وصل لنحو 20 جنيه، والفلفل بأنواعه يتراوح ما بين الـ 15 ـ 25 جنيه، والباذنجان أصبح أقل سعر له 10 جنيهات"، معتبرةً أن ما يحدث لا علاقة له بما تتناقله وسائل الإعلام عن وجود حرب أو دولار متسائلة "هل نزرع الخضار في أوكرانيا حتى تزداد الأسعار؟".

بينما اعتبرت حنان رجب أن ما يحدث هو استغلال من التجار في غياب الرقابة الحقيقية على أسواق التجزئة، قائلةً "لم نعد نستطيع توفير الطعام لأطفالنا، وفي ظل عدم زيادة الدخل كيف سنؤمن احتياجات أسرنا".

 

"ارتفاع الأسعار سبب رئيسي في زيادة معدل الخلافات الزوجية مؤخراً"

وقد أرجعت استشارية العلاقات الأسرية نادية جمال الخلافات التي ارتفع معدلها في الآونة الأخيرة بين الأزواج لارتفاع الأسعار الذي صاحب ارتفاع الدولار مؤخراً.

وقالت أنها استقبلت بالفعل حالات مؤخراً وتوصلت إلى أن سبب الأزمة نتيجته سوء الأوضاع الاقتصادية وحالة الغلاء العامة، "استقبلت مؤخراً حالات لخلافات أسبابها بسيطة والزوجان لا يدركان سبب تفاقم الوضع وببحث الأمر توصلنا إلى أنه هناك ضغوط أسرية أدت للأزمة".

واكدت أن النساء يقع على كاهلهن العبء الأكبر من موجة الغلاء التي زادت حدتها في الفترة الأخيرة "المرأة تتحمل فوق طاقتها فالكثير من النساء تديرن منازلهن من الألف للياء وتوفير مستلزمات المنزل يقع على كاهلهن بالأساس وكثرة الضغوط الناتجة عن ارتفاع الأسعار جعلت الكثيرات منهن في قبضة الضغوط التي أسفرت عن زيادة معدل الخلافات بل وتسببت في اتخاذ قرارات من شأنها أن تعيق قدرة الأسرة على الاستمرار".

ونصحت استشارية العلاقات الأسرية نادية جمال، بالبحث في مسببات الخلافات والعمل على إعادة ترتيب أولويات الأسرة كي تتمكن من تجاوز المحنة الحالية حتى يتم وضع حل للأزمة الراهنة، بل وضرورة أن يستمع كل طرف في الأسرة للآخر ويستوعب ضغوطه معتبرةً أن ما يحدث عرض مؤقت وسرعان ما سيتغير بمجرد زوال مسبباته المتمثلة في الضغوط الاقتصادية.