بائعات الشاي والأطعمة في الخرطوم... صمود في وجه جميع الصعوبات

تعمل مجموعة "النرد النسوية" على تمكين النساء اقتصادياً في مجال العمل غير المنظم مثل بائعات الشاي والأطعمة.

ميساء القاضي

الخرطوم ـ لم تجد النازحات والفارات من الحروب من مناطق السودان المختلفة ملجأ أو مهنة تقيهن شر ويلاتها وتمكنهن من إعالة أسرهن سوى بيع الشاي والقهوة والأطعمة التقليدية على قارعة الطريق بعد أن نجون بحياتهن وأصبحن لا تمتلكن شيئاً، وبمرور الوقت وتردي الأحوال الاقتصادية، انضمت لهن أخريات أجبرتهن الظروف المعيشية على كسب عيشهن عن طريق بيع الشاي، فأصبحت ست الشاي كما يسميها السودانيون معلماً بارزاً.

تواجه بائعات الشاي عدة تحديات منها مطاردة السلطات المحلية لهن في حملاتها التي تستهدفهن بين حين وآخر والمعروفة محلياً باسم "الكشة" والتي كثيراً ما تتم فيها مصادرة معدات صنع الشاي التي يمتلكنها لكنهن رغم ذلك متمسكات بتلك المهنة التي توفر لهن دخلاً على قلته إلا أنه يومي، وتوفر لهن كذلك حرية في وقت العمل تستطعن من خلالها العناية بأسرهن وأطفالهن وممارسة عملهن بتقسيم الوقت بين هذا وذاك.

مؤخراً نظمت السلطات المحلية حملات استهدفت بائعات الشاي والأطعمة في شوارع مدينة الخرطوم وكذلك البائعين في الأكشاك بالقرب من منطقة بري في العاصمة وقوبلت هذه الحملة باستنكار كبير من قبل الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين تداولوا صور الحملة منددين بتصرف السلطات المحلية وبحملاتها المستمرة التي تعرف محلياً باسم "الكشة".

التومة عمر التي تعمل في بيع الشاي والحلويات المحلية التي تعرف بـ (الزلابية) قادمة من ولاية غرب كردفان، تعيل أسرة مكونة من 7 أطفال بعد أن توفى زوجها، تجلس يومياً في ذات المكان، وتنوب عنها ابنتها إذا غابت بسبب سفر أو ظرف صحي، اشتكت من سوء الأوضاع الاقتصادية التي قالت إنها تؤثر عليهن كثيراً كنساء تعملن في بيع الشاي والطعام في الشارع فهن تستأجرن المعدات التي تعملن بها والمقاعد التي يجلس عليها الزبائن.

وأوضحت أن السلطات المحلية داهمت المكان أثناء غيابها بسبب السفر لرؤية والداتها المريضة "أخبرتني ابنتي أن الذين قاموا بالحملة أمروهن بأخذ معدات العمل والأواني وهددوهن بأخذها إذا لم يستجبن وقالوا لهن لا نريد خيام هنا، والآن أنا أجلس في الشمس للعمل لأني مضطرة، فأنا لدي أطفال يدرسون، وابنتي احترق بيتها فانتقلت للعيش معي".

آمنة إبراهيم التي تعمل في بيع الشاي بالقرب من مستشفى رويال كير في منطقة بري بالعاصمة الخرطوم قالت إنها تعمل في مهنة بيع الشاي منذ 15 عاماً، وأوضحت إن الحملات التي تنظمها ضدهم السلطات "الكشة" توقفت بعد سقوط نظام البشير لكنها عادت الآن من جديد "إنها المرة الأولى التي تنظم فيها المحلية حملة ضدنا هنا، في اليوم الأول لم أكن موجودة وأخبرتني بقية النساء اللاتي تعملن في بيع الشاي إنهم أخبروهم بأخذ حاجاتهم والذهاب من هذا المكان".

عائشة عمر أكدت أنها لا تستطيع مغادرة المكان فهي تعمل في ظل ظروف صعبة لتعيل أسرتها ولأنها مريضة فهي تعمل بالنهار فقط وتعمل ابنة أختها بدلاً عنها في المساء.

وقالت عائشة عمر إن من قاموا بتنفيذ الحملة وجدوا ابنة أختها وأمروها بأخذ حاجاتها والرحيل وإلا سيقومون بمصادرة معدات العمل، فتوقفت عن العمل لفترة أسبوع وعادت من جديد لأنها لا تملك سبيل آخر لكسب العيش "عدنا للعمل بالرغم من تهديداتهم بمصادرة معادتنا، فليفعلوا ما يريدون نحن بحاجة إلى العمل".

نشطت العديد من المنظمات للدفاع عن حقوق هذه الفئة ومن ضمن المجموعات النسوية التي تنشط حالياً من أجل مساعدة بائعات الشاي والأطعمة والدفاع عن حقوقهن هي "مجموعة النرد النسوية" وهي مبادرة تعمل على تمكين النساء اقتصادياً في مجال العمل غير المنظم مثل بائعات الشاي والأطعمة، وأدانت المسؤولات في المبادرة تصرفات السلطات المحلية والمضايقات التي تعرضت لها بائعات الشاي والأطعمة مؤخراً من قبل السلطات المحلية والتي أكدن أنها سلوك معتاد وهي مستمرة منذ زمن بعيد.

وأكدت مسؤولات المبادرة أنهن تعملن حالياً على جمع المعلومات ومعرفة المشاكل التي تعاني منها هؤلاء النساء بالذهاب في جولات إلى شوارع الخرطوم والاستماع إليهن وتنظيم فعاليات من أجل مناقشة المشاكل التي تواجههن.

 

 

فداء محمد وهي إحدى المسؤولات في المبادرة أوضحت أنهن قمن بجمع معلومات عن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء "إننا نعمل على التمكين بشكل عام للنساء، وفي فئة بائعات الشاي والأطعمة هنالك نساء متعلمات ونساء غير متعلمات نحن نبحث عن الدوافع التي جعلتهن تعملن في هذا المجال وندرس حالياً في حال وفرنا لهن مشاريع أخرى هل يفضلن العمل بها أم البقاء في أعمالهن الحالية لأننا نريد تمكين النساء وتحويلهن إلى منتجات حقيقيات".

تمول عضوات المبادرة خططهن ومشاريعهن تمويلاً ذاتياً ولفتت فداء محمد  إلى أن هنالك عقبات مادية تواجههن فهن تسعين لتوفير المال والوقت اللازم والتنسيق فيما بينهن من أجل تسيير العمل بالشكل المناسب في ظل انشغالهن بالدراسة والعمل الإضافي من أجل توفير الموارد المادية اللازمة.

واجهت فداء محمد وزميلاتها صعوبات أخرى في مرحلة جمع المعلومات بسبب عدم تعاون بائعات الشاي والأطعمة معهن ولكنهن ما زلن تعملن بجهد من أجل دراسة التحديات والانتهاكات التي تتعرض لها هذه الفئة من قبل السلطات والمجتمع الذي ما زال ينظر إلى المرأة التي تجلس للعمل في الشارع نظرة سلبية.