عاملات ذهب لبنان الأبيض تواجهن التحديات بسبب تغير المناخ

تواجه عاملات الذهب الأبيض أو الصنوبر تحديات كبيرة، خصوصاً بسبب الآفات التي فاقمها تغير المناخ والجفاف، وأدى إلى خسائر كبيرة في القطاع بالإضافة إلى ضعف الطلب بسبب الأزمة الاقتصادية والمنافسة وضعف في حركة التصدير إلى الخارج.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ يعتبر الذهب الأبيض أو الصنوبر من القطاعات الزراعية الهامة في جبل لبنان، وخصوصاً بلدة رأس المتن، التي تعتبر عاصمة تصنيع وتجارة وبورصة الصنوبر في لبنان، إلا أن حشرة غازية تفاقمت أعدادها بصورة كبيرة جراء تحديات المناخ والجفاف، أدت لخسائر فادحة في هذا القطاع الزراعي الهام وخاصة على العاملات.

وفي هذا المجال تقول بشرى حاطوم "أعمل مع عائلتي في هذا القطاع منذ أكثر من 25 عاماً، ومن أرباح المواسم تمكنا من شراء أراض عدة في منطقتنا، ولكن منذ نحو عامين تغير الوضع تماماً، وبدأت خسائر كبيرة تصيب هذا القطاع تأثر به كل العاملين فيه، وخاصة النساء اللواتي تعتمدن في دخلهن على تنظيف حبات الصنوبر وتعريبها، ما اضطر العديدات منهن إلى العمل في مجالات أخرى لتمكين أنفسهن وإعالة عائلاتهن أو على الأقل تدبير مصاريفهن التي شهدت ارتفاعاً تصاعدياً في ظل الأزمة الاقتصادية".

وأوضحت أنه "منذ عام 2021 تراجع إنتاج الصنوبر وذلك بسبب عوامل عدة ولكن أهمها تمثل بانتشار حشرة غازية واسمها بق الصنوبر التهمت ثمار الصنوبر، وهذا الأمر كانت له تبعات سلبية علينا كعاملين في هذا القطاع الزراعي في منطقة المتن الأعلى (جبل لبنان الجنوبي)، وهذه الحشرة غزت الأشجار قبل مئات السنين وعادت من جديد، وهناك من يقول انها غزت أحراج الصنوبر مرة واحدة قبل نحو 100 سنة، وبالنسبة لي، فمنذ أن عملت لم أشهد موسماً كهذا الموسم من ناحية تدني الإنتاج، ذلك أن هذه الحشرة التهمت حبوب الصنوبر البيضاء، ولذلك كنا نجد حبوب الصنوبر الصلبة فارغة، وهذا الأمر ترتبت عليه خسائر مالية كبيرة تكبدناها".

وأضافت "ساهم التغير المناخي ولا سيما الجفاف الذي فاقم الآفات التي تضرب الصنوبر، عدا عن  الامتداد العمراني، والحرائق، والرعي الجائر، والقطع الجائر في تدني أعداد الأشجار وليس ذلك فحسب، بل بمناعتها الطبيعية أمام التهديدات المختلفة، حيث تبدأ الشجرة بالإنتاج بعمر عشر أعوام، وتنتج ما لا يزيد عن 10 أكواز، ولكنها تبدأ بالإنتاج بكميات جيدة بعمر 25 عام، إلا أن الحرائق التي اجتاحت الأحراج، وخاصة أن هذه الأشجار تنتج صمغاً يشبه الوقود، أدى إلى خسائر في عدد الأشجار البالغة التي تعد المصدر لهذا الذهب الأبيض".

وبينت أن "العمل في الصنوبر، ورغم التعب، يعتبر عملاً محبباً بالنسبة لي، خصوصاً من حيث أنه عمل دائم على مدار العام، وبدءاً من 10 تشرين الأول من كل عام يبدأ فرط أكواز الصنوبر من على الأشجار، أي قطف الموسم، وهذا عمل يقوم به عمال متخصصون، لأن فرط الأكواز يتطلب ارتقاء الأشجار العالية والباسقة وما يتبعه من خطورة، لذا يتطلب كذلك المهارة والخبرة، ومن ثم يقومون بجمع الأكواز وإحضارها إلى المنازل، وهذا العمل يستمر في العادة طوال فصل الشتاء، وبداية نضع أكواز الصنوبر في أكياس، ومع بداية فصل الربيع نقوم بإخراج الأكواز من الأكياس ووضعها على أسطح البيوت لنعرضها لأشعة الشمس لنحو شهر ونصف الشهر، كي تتفتح ما يتيح إخراج حبوب الصنوبر الصلبة، ونحن نسميها الحبوب السوداء التي تحتوي بداخلها على الثمار البيضاء، ونحتاج في هذه العملية إلى آلة تعرف بـ "الشباقة" لفصل الحب الأسود عن الأكواز، ونضع هذه الحبوب بعد غسلها بالمياه في أكياس لنقلها إلى "المكسرة" الآلية، لتبدأ عملية استخراج الحب الأبيض، ومن ثم تبدأ عملية تنقية الصنوبر وهذا عمل تقوم به النساء، ويتضمن أيضا تهوية الصنوبر وغسله بالمياه أيضاً وتجفيفه ثم توضيبه في أكياس".

وأشارت إلى أن "هناك عدة أحجام من الصنوبر، منها الفحل وهو أكبر هذه الحبوب والـ 7 أي 7 مليمترا، وسعر هذين النوعين 40 دولاراً، ولكن نسبتها قليلة للغاية وخصوصاً مؤخراً، لتتدنى الأحجام والأسعار وفقاً لحجم الحبوب".

وقالت بشرى حاطوم "منذ أعوام عدة، ما عدنا نضع أكواز الصنوبر على الأسطح لتتفتح، بحيث أنه منذ حوالي 10 أعوام أصبح لدينا فرن خاص بحرارة ورطوبة معينة، توضع فيه الأكواز وبذلك نختصر الوقت، فمن خلال هذه الأفران تتفتح الأكواز في غضون أسبوع أو عشرة أيام، ما يمكننا من بدء عملية التسويق بسرعة، وهذه الأفران مجهزة بوسائل خاصة لتحديد نسبة الحرارة والرطوبة كيلا تتأثر الثمار وتبقى على جودتها، وعملية الإنتاج هذه تستمر على مدار العام، لأننا نقوم بهذه العملية تباعاً، فما أن ننتهي من كسر وفرز وتنقية كميات من الإنتاج وتوضيبها وتسويقها، نعود ونحضر كميات من الأكواز وهكذا دواليك".

وأضافت "من أجل ذلك نضمن مشاعات الأحراج في عدد من البلدات لقاء مبالغ طائلة، تصل لنحو 60 ألف دولار، ولكن للأسف لم نكن نتوقع أن تتسبب الحشرة الغازية بضرب الموسم، فقد خسرنا 300 ألف دولار منذ عامين عدا عن 55 ألف دولار العام الماضي، حيث أن معظم أكواز الصنوبر كانت فارغة من الحبوب، ما اضطرنا إلى بيع 3 قطع أرض مساحاتها مجموعة تنوف على 4500 متراً مربعاً لمواجهة الخسائر، وبحسب العلماء والخبراء، فإن غزو هذه الحشرة للأشجار ازداد بسبب تغير المناخ، ولا سيما الجفاف وما عادت الثلوج تتساقط بكميات كبيرة، فضلاً عن عدم وجود عدو طبيعي لهذه الحشرة، صحيح أنه تم رش المبيدات وتراجع تأثير هذه الحشرة، ولكنها ما تزال موجودة، وتتسبب بخسائر كبيرة".

وبينت أن "المشكلة أيضاً أن كل ذلك ترافق مع تراجع الأسعار، فكيلو الصنوبر الذي كنا نبيعه بنحو 60 دولاراً أصبح ثمنه اليوم 32 دولاراً، أي أن الأسعار تراجعت إلى نحو النصف، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مخلفات الصنوبر يستفاد منها كوقود لمدافئ الحطب، فهناك الأكواز الفارغة وهناك أيضاً كسر الصنوبر الصلبة والبقايا الناجمة عن عملية الكسر وهي تستخدم كنوع من السماد لشجر الزيتون، ولكن للأسف حتى هذه المخلفات تراجعت أسعارها أيضاً، فعلى سبيل المثال كان ثمن طن "القراعة"، أي بقايا الأكواز الفارغة وهي شديدة الاشتعال 250 دولاراً، واليوم بات سعرها ما بين 150 و160 دولار، واضطررنا لبيعه حتى بـ 100 دولاراً خلال هذا العام، لنتمكن من الوفاء بالديون، وكل هذا رتب علينا خسائر إضافية، وصعب جداً أن نتحمل مثل هذه الخسائر حتى بعد 25 عام من العمل في هذا القطاع".

واستطردت بشرى حاطوم "هناك أعداد كبيرة من النساء والفتيات تعملن في هذا القطاع، ولا سيما في مجال فرز وتنقية الصنوبر الأبيض، وقد تأثرن أيضاً جراء تدني الإنتاج وتراجع الأسعار، فالمرأة كانت تحصل يومياً على 10 دولارات، أما اليوم فهي تحصل على 5 دولارات فقط، ومع ضعف الإنتاج والاستهلاك وعقبات في التصدير إلى الخارج مع المنافسة وأسعار النقل من الصعب أن نستمر".

وأوضحت "كنا في الشهر الواحد نكسر 24 طناً من الحب الأسود، وينتج عنها نحو 5 أطنان ونصف الطن من الصنوبر الأبيض، وكنا نصدرها إلى تركيا وأوروبا، ولكن نظراً إلى الظروف التي استجدت من مشاكل التصدير ومنها عقوبات على لبنان، تراجعت صادراتنا، ولضعف الطلب في السوق المحلية ما عدنا نبيع بالجملة كما في السابق، ومعظم عمليات البيع تتم بالمفرق، ولا ننسى أن هناك أنواع منافسة من الصنوبر تأتي إلى الأسواق اللبنانية من تركيا ودول أخرى وبأسعار أقل، ولكن يبقى الصنوبر اللبناني أكثر جودة وشهرته معروفة على نطاق واسع، خاصة وأن ثمار الصنوبر اللبناني أكبر حجماً وأطيب مذاقاً، وبعد أن كنا ننتج في الشهر 5 أطنان من الصنوبر الأبيض، فاليوم بالكاد ننتج 600 كيلوغراماً، وهذا يدل على حجم المشكلة التي تواجه هذا القطاع والعاملين فيه".

وفي هذا المجال، قام باحثون لبنانيون ومن العالم، بدراسة العديد من الآفات التي تصيب الصنوبر في لبنان، وأهمها حشرة  Tomicus destruens التي تتسبب بيباس أشجار الصنوبر، وآفة حشرة بق الصنوبر الأحمر أو الصنوبر الشرقي، واسمها العلمي Leptoglossus occidentalis، ويعتقد أنها وصلت إلى لبنان عبر السفن التجارية، وقد أدى الجفاف وتغير المناخ إلى تكاثرها بصورة كبيرة، حيث أن هذه الحشرة تمتص وتتغذى على الثمار وقبل بلوغها، وبكافة أطوارها من يرقات ويافعات وحشرة كاملة، ومع تفاقم ظاهرة تغير المناخ وعدم وجود أعداء لها، فإن هذه المشكلة آخذة بالتفاقم، ويقدر الخبراء أنه يتطلب الأمر من عشرة إلى عشرين عاماً ليتطور أعداء محليين لهذه الحشرة، غير أن بعض الطيور تمكنت من أو تعلمت أن تتغذى عليها، ولكن الصيد الجائر لجهة تدني عدد الطيور التي تتغذى عليها، شكل تهديدات كبيرة لأشجار الصنوبر وساهم بفداحة هذه الخسائر التي ضربت القطاع.