الزراعة حول الخيام... وسيلة نازحات لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتخفيف النفقات

تعيش النازحات في إدلب في خيام بالية لا ترد عن أسرهن برد الشتاء أو حر الصيف، ولكن الكثيرات تمكن من التأقلم مع أصعب الظروف بإمكانيات بسيطة، ومواجهة الحياة الجديدة رغم قسوتها ومرارتها.

لينا الخطيب

إدلب ـ تعتمد النازحات في المخيمات على الزراعة لتحقيق اكتفاهن الذاتي ولسد رمق أطفالهن وسط الفقر والصعوبات التي تواجههن.

تتأقلم نازحات في إدلب مع حياة النزوح والفقر والغلاء من خلال زراعة مساحات ترابية مهملة حول الخيام، بالخضار الموسمية بتكلفة بسيطة، بهدف تأمين الاكتفاء الذاتي، وتوفير مورد غذائي يسد الرمق ويوفر عليهن الشراء من الأسواق بأسعار مرتفعة.

تتفقد النازحة سميرة الملحان ذات 29 عاماَ من بلدة حيان إلى مخيم في بلدة كللي بستانها الصغير كل صباح، بعد أن زرعت فيه معظم ما تحتاجه أسرتها من خضار صيفية، بهدف مواجهة الغلاء في الأسواق وتوفير بعض النفقات عن كاهل زوجها الذي يعمل بالمياومة مقابل أجر زهيد "منذ بداية فصل الصيف قمت بزراعة أنواع عديدة من الخضار منها البندورة والفليفلة والخيار إلى جانب البقدونس والنعناع".

وأكدت أن هذه الطريقة أصبحت بعد النزوح خياراً لابد منه لتوفير بعض المال في ظل الغلاء والفقر "في كثير من الأوقات لا نملك ثمن طعامنا، لذا وجدنا في هذه الطريقة حلاً يتناسب مع أوضاعنا المعيشية المتردية".

وأشارت إلى أنها توفر بهذه الزراعة البسيطة حوالي ثلث مصروفها الشهري، عن أسعار الخضار المباعة في الأسواق "يبلغ سعر الكيلو غرام من البندورة 5 ليرات تركية اي ما يعادل 1250 ليرة سورية، فيما يبلغ سعر الكيلو غرام من الخيار 4 ليرات تركية ما يعادل 1000 ليرة سورية".

بينما النازحة عائشة العوني البالغة من العمر 33 عاماً من مدينة سراقب تؤكد أن ارتفاع أسعار الخضار دفعها لزراعة بساحات ترابية قرب خيمتها بعدة أنواع من الخضار الصيفية، مشيرةً إلى زراعة بعض شجيرات الزينة والورود "أحاول استعادة نشاطي الزراعي الذي كنت أمارسه سابقاً قبل النزوح، حيث كنت أمتلك أرضاً أزرعها بالخضار الصيفية والشتوية، لتأمين حاجاتنا وبيع الفائض".

وأضافت أن ما شجعها على زراعة مساكب الخضار هو بعد الأسواق والمحلات التجارية عن المخيم واضطرار النازحين لقطع مسافات بعيدة لشراء حاجاتهم، إلى جانب غلاء الأسعار وسوء الأحوال المادية.

وأوضحت أنها في البداية قامت برصف الحجارة إلى المساحة المهملة المحيطة بخيمتها، ثم بدأت بنقل التراب إليها، ثم قامت بزراعة أصناف من الخضار التي تحتاجها بشكل يومي، مشيرةً إلى أن تكلفة زراعة المساكب بسيطة جداً وغير مكلفة، فهي تحتاج فقط للسقاية كل يومين.

وأكدت وجود روح التعاون بين الجارات في المخيم فهن توزعن الخضار الفائضة عن الحاجة لمن لم تنجح في زراعة مساكبها، أو لم يتوفر لديها ثمن البذار والسقاية.

لا تفضل النازحة الستينية ريمة الجعفري ذات 60 عاماً شراء الخضار من الأسواق، لأنها تعتبر أن لتلك التي تقطفها من الشتلة مباشرة طعم مميز ومختلف، نظراً لنظافتها وجودتها وخلوها من المواد الكيميائية "اعتدت طوال حياتي أن آكل مما أزرع، واستمريت بذلك حتى بعد النزوح".

وأشارت إلى أن اللون الأخضر يريح النفس ويهدئ الأعصاب لاسيما في المخيمات القاحلة، لذا تجلس يومياً أمام شتلات الخضار، لتتذكر مدينة سراقب التي نزحت منها منذ أكثر من سنتين ونصف "نجد في الطبيعة العلاج من الضغوطات النفسية التي نعاني منها، حيث لا أرى في وحشة المخيم ما يحسن مزاجي ويذكرني بأرضي التي تركتها سوى هذه الشتلات الخضراء التي تمنح المكان منظراً جميلاً، كما تمنح قلوبنا بارقة أمل بالعودة يوماً إلى ديارنا التي نشتاق إليها".