التحطيب مصدر عيش نساء وأطفال في إدلب
تفرض الحرب سطوتها وظروفها الصعبة على النساء والأطفال في إدلب السورية، ليصبح كل همهم هو تأمين الدفء وبعض المال الذي يخفف من أعباء أسرهم المعيشية ويساعدهم في البقاء على قيد الحياة.
لينا الخطيب
إدلب ـ الغلاء وصعوبة الأوضاع المعيشية التي يعانيها النازحون في مخيمات إدلب، تدفع بالكثير من النساء والأطفال للعمل بجمع الحطب أو البحث عن مواد بديلة للتدفئة بعد ارتفاع أسعار المحروقات إلى مستويات لا تناسب إمكانياتهم.
تقصد نديمة الرشيد (45 عاماً) النازحة من مدينة كفرنبل منذ بداية عام 2020، إلى مخيم في مدينة أرمناز شمالي إدلب؛ الجبال والكروم القريبة من المخيم لجمع عيدان الحطب بهدف بيعها أو استخدامها في التدفئة.
وتزامناً مع اشتداد البرد تعجز نديمة الرشيد وهي أم لستة عن شراء المحروقات أو الحطب بسبب ارتفاع أسعارها، وقعود زوجها عن العمل، مشيرةً إلى تبقي ما تحتاجه من حطب وتبيع الفائض عن حاجتها في السوق لتؤمن نفقات أسرتها اليومية "كان زوجي يعمل سابقاً في البناء، ولكن بعد النزوح لم يجد عملاً، وهو ما زاد إصراري على البحث عن عمل من أجل مساعدته في تأمين احتياجات الأسرة".
أما الطفل أحمد العمر البالغ من العمر 13 عاماً، فيقف على حافة الطريق وعلامات التعب تبدو على وجهه، ليبيع ما جمعه من حطب طوال اليوم، فالطفل الذي فقد والده في الحرب يضطر للعمل منذ أكثر من عام في بيع الحطب لإعالة أمه وأخوته، "أحمل الفأس كل يوم وأقصد الجبال والوديان، لأحظى بحزمة أو اثنتين من أعواد الحطب، بهدف بيعها والاستفادة من ثمنها في الإنفاق على أخوتي الثلاثة، بعد فقدان والدي منذ عام 2021".
وأضاف "نزحنا من بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم عشوائي في بلدة دير حسان شمالي إدلب، ولا نملك أي مورد للرزق، لذا أخرج كل صباح برفقة عدد من أطفال المخيم لجمع الحطب رغم البرد والتعب والمشي في طرقات وعرة والأحمال الثقيلة"، مشيراً إلى أنه يقوم بعد عودته بتقطيع الحطب ووضعه في أكياس، ثم عرضه في السوق الشعبي أو جوانب الطرقات العامة لبيعه، وشراء احتياجات أسرته.
وبصوت لا يخلو من الحسرة يقول أحمد العمر "شاءت الظروف أن أترك التعليم وأتفرغ للعمل، وسيبقى حلمي الوحيد هو العودة إلى مقاعد الدراسة، وتحقيق هدفي بأن أصبح محامياً أدافع عن حقوق المظلومين".
كذلك إيناس دندوش البالغة من العمر 36 عاماً، النازحة من مدينة سراقب إلى مخيم حارم، تبدأ رحلتها مع ابنها كل صباح في جمع الحطب من الجبال والكروم المتاخمة للمخيم الذي تقطن به، ويعملان على نقله إلى المخيم بواسطة دراجة نارية "أنا مضطرة للعمل لتأمين قوت يومي مع أولادي الأربعة، ومنهم ابنتي التي تعاني من الضمور الدماغي".
ولفتت إلى أن زوجها معتقل في سجون النظام السوري، وتعيش مع أولادها في خيمة متهالكة تتسرب منها مياه الأمطار من كل جانب، وعن ذلك تقول "ينخر البرد أجسادنا في فصل الشتاء، ونعجز عن استبدال خيمتنا المهترئة بأخرى جديدة بسبب أوضاعنا المادية المتردية".
وأشارت إلى أنها تعمل بالورشات الزراعية، لكنها لا تجد في فصل الشتاء أي فرصة للعمل سوى جمع الحطب، موضحةً أنها تقضي أكثر من 5 ساعات يومياً لتجمع حوالي 20 كيلوغراماً من الحطب الذي يزداد الإقبال عليه في فصل الشتاء، ليكون وقوداً للمدافئ، علماً أن ابنها يحتاج أحياناً إلى وقت طويل وهو يقف في السوق بانتظار من يبتاع منه الحطب، ليشتري بثمنه الخبز والدواء لأخته المريضة.
ولا تقوم النساء بجمع الحطب بهدف بيعه فحسب، بل لاستخدامه في الطهي أيضاً، حيث يعجز معظم النازحين عن شراء أسطوانة الغاز، لذا يتوجهن إلى الغابات القريبة منهم لجمع الحطب، رغم وجود قرار منع قطع الحطب بسبب قلّته، وقيام الناس بقطع الأشجار الخضراء.
الطفل بلال التناري (13 عاماً) النازح من مدينة معرة النعمان إلى مخيم بريف مدينة حارم شمالي إدلب، فقد والدته في الحرب منذ 5 سنوات، اتخذ من قطع الحطب مهنة أساسية له لمساعدة والده، وعن عمله يقول "لا نجمع الحطب بهدف بيعه فقط، حيث نحتفظ بحاجتنا منه لاستخدامه في الطهي والتدفئة، ونبيع الفائض في السوق، للاستفادة من العائد المادي في شراء احتياجات أخرى".
وأوضح أن جمع الحطب في أيام البرد صعب جداً، وأحياناً تهطل الأمطار عليهم وتسبب توحلاً في الأرض ويضطر للعودة إلى المنزل دون جمع كمية كافية منه.
بدورها تقول المرشدة الاجتماعية سهى عرفات (47 عاماً) "يعاني الكثير من النازحين من فقر مدقع وأوضاع معيشية سيئة للغاية، وعدم القدرة على شراء مواد التدفئة رغم البرد، ما يجبرهم على الخروج إلى الجبال، لجمع أعواد الحطب كحل بديل".
ولفتت إلى أن إقبال أعداد كبيرة من الأشخاص على العمل في جمع الحطب أدى إلى تعرض مساحات واسعة من الغابات الحراجيّة في إدلب للقطع بشكل عشوائيّ بسبب حاجات السكان الملحّة للحطب، ولاسيما بالاعتماد عليه في الطهي والتدفئة والقيام بمختلف الأعمال، تزامناً مع قلة المحروقات وارتفاع أسعارها.