المغربيات في مجال الاقتصاد حضور ضعيف وعدم تكافؤ الفرص
رغم تبني المغرب لمقاربة النوع الاجتماعي في العديد من القطاعات، إلا أنه لا زال يسجل قصوراً على مستوى الوصول إلى مراكز القرار وولوج سوق الشغل وريادة الأعمال، كما تم تسجيل ذلك في عدد من التقارير، والتي حصرت دور المرأة في الحياة العملية في وظائف الدعم والإسناد
حنان حاريت
المغرب ـ ، بحيث تظل بعيدة عن سلطة القرار، رغم تواجدها في مناصب المسؤولية سواء في المقاولات أو الأداء المالي والتنظيمي في القطاعين الخاص والعام.
رئيسة المؤسسة الأورو متوسطية للنساء فوزية العسولي خلال تصريح لوكالتنا حول ضعف الحضور النسائي في المجال الاقتصادي وعدم تكافئ الفرص بين الجنسين، أكدت على أن الفكر الذكوري، يقف حجر عثرة أمام وصول النساء إلى مناصب المسؤولية، وهو ما يترجم محدودية عددهن في المراكز العليا.
وأشارت فوزية العسولي إلى أن ما يجعل حضور المرأة في مراكز القرار محدوداً؛ عدم وجود إرادة سياسية حقيقية تترجم عبر إجراءات وتدابير تضمن حضور النساء في مناصب المسؤولية، وبخصوص زيادة فرص تعيين النساء في مراكز القرار والمسؤولية، أكدت على أنه لا بد من وجود ميكانيزمات تمكن من وصول النساء لهذه المناصب، فضلاً عن إقرار آليات قانونية تفرض على المؤسسات الخاصة بتمكين النساء في مراكز القيادة وبالتالي عدم عرقلة وصولهن إلى تلك المناصب.
الكفاءة أولاً
ونوهت فوزية العسولي إلى أنه من أجل بلوغ النساء لمراكز القيادة في المؤسسات العمومية والخاصة، يجب الاعتماد على الكفاءة لا على الأقدمية، مشيرةً إلى أن الآلية الأخيرة (الأقدمية) في حد ذاتها ذكورية لأنها تلغي إمكانية وصول النساء إلى مراكز القرار.
200 ألف مغربية خارج سوق الشغل
بحسب معطيات رسمية صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط في الـ 12 من تشرين الأول/أكتوبر 2020، فإن عدد النساء اللواتي في حالة بطالة يفوق 200 ألف امرأة مغربية فقدت عملها بسبب جائحة كورونا. وأكدت الأرقام أن وضعية المرأة العاملة زادت سوءاً خلال هذه السنة، مما يظهر ضعفاً في مشاركتهن في النشاط الاقتصادي، حيث بلغ معدل نشاط النساء 20.8%، في حين أن الرجال تفوق نسبتهم الـ 69%.
بطالة النساء أكثر في الوسط الحضري
تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في آذار/مارس 2020، إلى أن ظاهرة البطالة تبقى أكثر ارتفاعاً في صفوف النساء 13.5% مقابل 7.8% بالنسبة للرجال، فيما يبقى هذا المعدل مضاعفاً في الوسط الحضري.
في حين أن ثلاثة أرباع العاطلات أي بنسبة 75.9% تفوق أو تعادل مدة بطالتهن السنة، مقابل 63.5% لدى الرجال، و69% لم يسبق لهن إن عملن مقابل 50.9% لدى الرجال.
وتحضر النساء بقوة في القطاعات التي تتميز بالهشاشة من حيث التشغيل وظروف العمل الصعبة كالفلاحة والعمل المنزلي والاقتصاد غير المهيكل.
عقليات تحصر المرأة في البيت
وترى فوزية العسولي أن التمكين الاقتصادي للنساء رهين بعدة عوامل أهمها الثقافة والعقلية الذكورية التي ما تزال مسيطرة على المجتمع المغربي رغم التقدم الملموس بشأن حقوق المرأة، مشيرةً إلى أن تلك العقليات تحصر مكانة المرأة في البيت والتربية، معتقدة أن المرأة مكانها في البيت فقط، وليس لها الحق في المشاركة في الحياة العملية، وتأسفت من كون أن هناك فئة من المغاربة، ما زالت للآن تنظر إلى النساء على أنه ليس لهن أي دور في الاقتصاد وتنمية البلاد.
وأكدت فوزية العسولي أن البطالة في المغرب تمس في الأكثر النساء، بحيث أنه كلما ارتفع عدد النساء الحاصلات على شهادات ارتفعت نسبة البطالة في صفوفهن، وأشارت إلى أن أغلب النساء داخل سوق الشغل يكن على فئتين، فئة الحاصلات على شهادات عليا اللواتي تمكن من إنشاء شركات خاصة، وفئة النساء ممن يعشن ظروف الفقر والهشاشة والأمية، وتقول "إن الفئة الأخيرة ورغم ولوجها لسوق العمل، إلا أنها تبقى رهينة وضعية التفقير".
وأكدت على إنه "لا يمكن تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية، إلا إذا تم العمل على تغيير العقليات التي تكرس التمييز داخل المجتمع، خاصة وأن المغرب أخذ على عاتقه مجموعة التزامات وطنية في مقدمتها دستور 2011 الذي كفل للمرأة المغربية مجموعة من الحقوق".
تراجع النساء المقاولات
فيما يتعلق بعدد النساء اللواتي يسيرن المقاولات، فتشير البيانات الرسمية في المغرب إلى أن حضورها يبقى هو الآخر ضعيفاً جداً مقارنة بالرجال، ناهيك عن الصعوبة التي تواجههن في الوصول إلى التمويل من أجل خلق المقاولة النسائية، حيث تقل نسبة الشمول البنكي للنساء عن 30%، وتشكل فرقاً يتعدى 25% بالمقارنة مع نسبة الرجال.
ومن جهتها تقول عضو جمعية النساء رئيسات المقاولات في المغرب صوريا بدراوي، في تصريح لوكالتنا إن تمثيلية النساء في عالم المقاولات يبقى ضعيفاً، وأن هناك تراجع ملموس لحضور المرأة في خلق وتسيير المقاولات، بحيث أنه خلال سنة 2015 كانت نسبة النساء تصل إلى 12%، إذ في الوقت الذي كان يعتقد أن النسبة سترتفع لوحظ أن النسبة تقلصت إلى 10% خلال عام 2018.
عائق اجتماعي
وعن أسباب تقلص نسبة النساء المقاولات في المغرب تقول صوريا بدراوي "إن أسباب هذا التراجع لا علاقة له بالقوانين ولا بنقص كفاءة النساء ولا في الشهادات العليا التي تحصلن عليها، فهناك تفوق كبير للخريجات المغربيات كل سنة من المعاهد والجامعات وبميزات عالية، لكن للأسف لا ينخرطن في الحياة العملية، وذلك راجع للوسط الأسري الذي يعشن فيه، إذ بمجرد تخرج الشابة تبدأ في التفكير أولاً في الزواج وتكوين أسرة، ثم تنغمس في أعباء الحياة الزوجية التي تجعلها تجد صعوبة في الولوج إلى سوق الشغل أو خلق مقاولة".
وتقترح صوريا بدراوي أنه لتجاوز هذه المشكلة ينبغي تحفيز المرأة المغربية بإقامة دروات تكوينية وتعليمية لفائدتها لتتمكن من تغيير طريقة التفكير والانخراط في الحياة العملية أو مساعدتها على إقامة مشاريع خاصة تحفظ لها استقلاليتها المادية.
وتشير صوريا بدراوي إلى أنه يجب العمل في اتجاهين بشكل متوازي، بداية من التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة المغربية، وذلك من أجل نقلها من وضعية الإقصاء والاستبعاد الـ سوسيو-اقتصادي إلى وضعية الكرامة والحرية والتمكين الأساسي.
أما المستوى الثاني، حسب قولها فهو الدخول في معركة ثقافية من أجل تغيير العادات السلبية وتغيير الصور النمطية التي تكرست في المخيلة الاجتماعية عن المرأة المغربية.
وكانت مؤسسة "ماكينزي" للاستشارات، أصدرت تقريراً بخصوص حضور النساء في المقاولات وتوقعت أن يفضي توسيع حضور النساء المغربيات في المقاولات إلى زيادة ثروة المملكة بمقدار 30 مليار دولار بحلول 2025.
أرقام مخجلة
فيما يتعلق بتعيين المرأة المغربية في مناصب المسؤولية والقرار، فقد كشف تقرير حول الموارد البشرية مرفق بمشروع موازنة 2021، واقع الحضور النسائي في المناصب العليا، بأنه يقدر بـ 137 تعييناً من أصل ما مجموعه 1160 منصباً، وهو ما يمثل نحو 12%.
وعلقت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في بيان أصدرته في الثاني عشر من كانون الثاني/يناير 2021، على ذلك بكون التعيينات في المناصب العليا ظلت تعتمد نفس المقاربة التقليدية التي تكرس الإقصاء الممنهج للنساء في حين وصفت النتائج والأرقام بالمخجلة.
وأوضحت عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح في تصريح لوكالتنا، أن "ولوج النساء إلى مناصب القرار الإداري لا زال ضعيفاً وذلك لغياب إرادة سياسية"، مشيرةً في السياق ذاته إلى أنه هناك 11% من النساء يتواجدن في المراكز العليا". ورغم أن الحكومة المغربية تتعهد بالوصول إلى 22%، تؤكد خديجة أنه "حتى الآن لم يتم تطبيق ذاك التعهد على أرض الواقع".
إصلاح الوظيفة العمومية
تعتمد الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب لتعزيز طرحها على تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية حول الموارد البشرية في الإدارة المغربية، وتشدد على أهمية التعجيل بالإصلاح الشامل للوظيفة العمومية، واتخاذ التدابير والإجراءات التنظيمية الفعلية التي تمكن من تحسين بيئة العمل لصالح النساء.
وأكدت خديجة الرباح خلال التصريح على تشبث الجمعية الديمقراطية بالمناداة بإقرار مبدأ المساواة أثناء التعيين في المناصب العليا عن طريق اعتماد آلية المناصفة الواردة في الدستور والقانون التنظيمي 12-02 المتعلق بالمناصب العليا.
كما دعت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خلال البيان آنف الذكر إلى المراجعة الشاملة لثغرات القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا بصفة عامة، وتجويد المواد المتعلقة بتعزيز تمثيلية النساء بصفة خاصة، كما تم تداولها في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، من أجل القضاء على ما يخالف مبادئ المناصفة والاستحقاق والشفافية تجاه ترشيحات النساء واستمرار السقف الزجاجي أمام ولوجهن لمناصب المسؤولية.
حلول لتجاوز الضعف
يبدو أن الحكومة المغربية، تحاول تجاوز الضعف الذي تعرفه المرأة في سوق الشغل، لزيادة ثروة البلاد من خلال التمكين الاقتصادي للمرأة عن طريق طرح البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في أفق 2030، الذي يهدف إلى تحقيق ثلاث أولويات رئيسية بحلول عام 2030 وتتمثل في الولوج إلى الفرص الاقتصادية، والتربية والتكوين، وتوفير بيئة ملائمة للتمكين الاقتصادي.
ومن جهتها أطلقت وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، بهدف المساهمة في البرنامج الوطني للتمكين الاقتصادي للنساء عبر تشجيع وتطوير التعاونيات النسائية، أطلقت مبادرة تنظيم تظاهرة الجائزة الوطنية لأحسن فكرة تطوير مشروع تعاوني نسوي تحت اسم "لالة المتعاونة" بمشاركة فعلية للقطاع الخاص، وذلك تحت شعار "التعاونيات رافعة للتمكين الاقتصادي للنساء".