"الحويش"... وجبة مجانية وفرصة عمل موسمية لنازحات ومعيلات في إدلب
تشكل بداية فصل الربيع من كل عام موسماً جيداً لجني أنواع النباتات البرية المعروفة باسم الحويش والخبيزة في مناطق الشمال السوري
سهير الإدلبي
إدلب ـ تشكل بداية فصل الربيع من كل عام موسماً جيداً لجني أنواع النباتات البرية المعروفة باسم الحويش والخبيزة في مناطق الشمال السوري، بالنسبة للكثير من النساء النازحات اللواتي يجدن في جمعها مصدر رزق ووجبة طعام مجانية وسط الغلاء والفقر والنزوح.
قالت سمر البلاني (43) عاماً وهي نازحة من قرية حيش منذ عام 2019 ومقيمة في مخيمات كفر يحمول شمال إدلب أنها تخرج يومياً مع أطفالها الثلاثة إلى الأراضي الزراعية والحراجية والمناطق الجبلية القريبة من مخيمها من أجل جمع أنواع الحويش.
وعن تلك الأنواع تضيف أن منها الخبيزة، الشرينيكة، السلبين، الدردار، المخيترية، أرجل العصفورة، الهندباء وغيرها من الأنواع التي تحمل أسماء غريبة.
وتجد سمر البلاني في قطاف هذه الأنواع التي اعتادت على جمعها منذ نزوحها عن بلدتها متعة وفائدة، فهي من جهة تستمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة في فصل الربيع الذي تبسط فيه الأراضي بالعشب الأخضر والزهور المتعددة الألوان، ومن جهة أخرى تأمن وجبة طعام لعائلتها ومصدر رزق يعود عليها ببعض المال الذي تنفقه في تأمين بعض احتياجات أسرتها الأساسية.
ولفتت إلى أن وجبة الحويش تتمتع بشعبية كبيرة في إدلب ويقبل الكثيرون على شراءها وخاصة أن ما تجنيه سمر البلاني من أفخر أنواع الحويش وأكثرها طلباً.
لم يقتصر جني الحويش على النازحات في إدلب بل راح الأطفال يجمعونه أيضاً، والذين يخرجون على شكل مجموعات من الصباح حتى المساء ليعود كل منهم بما يحالفه الحظ بقطافه وبيعه للتجار وأصحاب المحلات التجارية ويعودون بالمال الذي حصلوا عليه لأهاليهم الفقراء القابعين في مخيمات النزوح.
لا يجد الطفل خالد القط (12) عاماً أن جني الحويش مهنة سهلة بل غالباً ما يتعرض خلالها للتعب والارهاق والجوع لغيابه الطويل عن المنزل ريثما يتمكن من جمع أكبر قدر ممكن من تلك النباتات التي تعرف عليها عن طريق جدته التي شرحت له شكل كل واحدة منها.
وقال "هاجمتني الكلاب الضالة أكثر من مرة وتعرضت لعضة كلب في إحدى المرات ومع ذلك لا أرغب بالتوقف عن العمل فهو فرصة موسمية تمكنني من الحصول على بعض المال قبل أن ينتهي الموسم بعد شهر أو شهرين حيث يحل الصيف علينا بشمسه الحارقة التي تحول تلك النباتات إلى أشواك يابسة ومجرد قش لا تنفع لشيء".
وتعتبر الخبيزة وأنواع الحويش من المأكولات المغذية التي تحتوي على الكثير من الفوائد أهمها معالجة الإمساك، جفاف الفم، التخفيف من اضطرابات المعدة والسعال الجاف ومشاكل المثانة ومعالجة التهاب القصبات والشعب الهوائية إضافة إلى مساهمتها في مكافحة البكتيريا وتقوية المناعة.
اعتادت المسنة خدوج العمران الخمسينية جمع الحويش من السهول القريبة أو شرائها بشكل شبه يومي لجعلها الوجبة المفضلة والدائمة لها ولأسرتها خلال فترة الربيع.
وعن طريقة تحضيرها تقول إنها بعد شرائها أو قطافها تقوم بتنقيتها من الأوراق الصفراء والحشائش التي تعلق بها، ثم تقطعها وتغسلها بشكل جيد عدة مرات لتتخلص من التراب والأوساخ فتبدأ بطهيها بعد تصفيتها من الماء، فتضع القليل من زيت الزيتون على نار هادئة وتضيف إليها البصل المفروم بشكل ناعم والقليل من الفليفلة المجففة مع الحويش الذي لا تستغرق عملية طبخه أكثر من دقائق معدودة لتكون الوجبة جاهزة للأكل مع طبق من اللبن والمخلل.
تعتبر خدوج العمران الحويش من المأكولات التراثية المفضلة بالنسبة لها وهي تستفيد من موسمها السنوي لتطبخها بشكل يومي لأنها تشعر بفوائدها المتعددة، والأهم من ذلك كله أنها وجبة مجانية ورخيصة الثمن في ظل غلاء مختلف أنواع اللحوم والخضار وغيرها من الأطعمة.
من جهة أخرى لا ترى الطفلة رغداء البربور (13) عاماً أن وجبة الحويش من الأطعمة المثالية وخاصة أن طبخت كل يوم كما تفعل أمها، فهي تفضل أطباق متنوعة من الأطعمة وتقول "رخص الحويش وتوفره بشكل مجاني يدفع أمي لطبخه لنا كل يوم، هو ليس سيئاً ولكنني مللت منه وأرغب بتناول أنواع أخرى يبدو أنها لم تعد تتوافق مع مقدرتنا الشرائية نحن النازحين الفقراء".
ومع تدهور أوضاع النازحين في مخيمات الشمال السوري لا تتوانى النازحات الباحثات عن ملاذ يتحدين به واقعهن الصعب عن خلق فرص عمل بأيديهن يعولهن مع أسرهن ويساعدهن على الاستمرار مستعينات بما تجود به الطبيعة في كل موسم.