الفقر يدفع أطفال إدلب للعمل في مهن خطرة
فاقمت مشكلة الفقر والغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع قطاع التعليم وتضرره جراء عوامل عدة من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال التي دفعت بأطفال للانخراط بأعمال تفوق قدرتهم الجسدية الضعيفة وتشكل خطراً على حياتهم
سهير الإدلبي
إدلب ـ فاقمت مشكلة الفقر والغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع قطاع التعليم وتضرره جراء عوامل عدة من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال التي دفعت بأطفال للانخراط بأعمال تفوق قدرتهم الجسدية الضعيفة وتشكل خطراً على حياتهم.
كاد الطفل صهيب المعترماوي البالغ من العمر أحد عشر عاماً، أن يفقد يده اليمنى بعد محاولته تشغيل المولدة الكهربائية الخاصة بعمله في ورشة الحدادة، ويقول "كان الموقف مرعباً حين علقت يدي داخل المولدة وبصعوبة تمكن أحد العاملين في الورشة سحب يدي العالقة بعد إطفاء المولدة".
قبع صهيب المعترماوي لأكثر من أسبوع في المشفى يتلقى العلاج، وخضع لعدة عمليات جراحية لإعادة الأجزاء المتكسرة والمتضررة في يده المهشمة إلى مكانها الصحيح.
والدة صهيب المعترماوي وتدعى ندى اليوسف (٣٥) عاماً، تشكو الظروف القاسية التي أجبرتها على الاعتماد على عمل ابنها جراء الفقر الشديد والنزوح وانعدام المعيل.
تعيش ندى اليوسف في مخيم أطمة الحدودية مع أطفالها الأربعة بعد تهجيرهم من ريف إدلب الجنوبي، ووفاة زوجها وضعها أمام خيار الاعتماد على عمل صهيب وأخيه الأصغر في مهنة الحدادة التي تعتبر من أصعب المهن على الإطلاق بغية تغطية بعضاً من نفقات العائلة في نهاية كل أسبوع من خلال المال القليل الذي يحصلان عليه الطفلين اليتيمين.
صهيب المعترماوي وأخيه لم يكونا الوحيدين إذ تكررت الحوادث التي أودت بحياة أطفال فيما تسببت بأذية أطفال آخرين دون أي إجراءات للحد من الظاهرة التي باتت مشهد يومي لم تعد تستدعي الاستغراب أو التحرك لتغييره.
واضطرت بعض الأسر تحت وطأة ظروفها المأساوية لتشجيع أبنائها على ترك الدراسة والاتجاه نحو سوق العمل لمساعدتهم في تحمل الأعباء الكبيرة التي ألقيت على كاهلهم.
يحلم الطفل لؤي السكري البالغ من العمر (١٣) عاماً أن يكمل دراسته كما جميع الأطفال وأن يحظى ببيت دافئ وأسرة مثالية وأوقات سعيدة يقضيها معها وفي ممارسة هواياته المتعددة في الرياضة والرسم، غير أن أحلامه البريئة اصطدمت بواقع مر ليجد نفسه في ورشة مكانيك سيارات يعمل طوال اليوم مقابل أجرة زهيدة لا تكاد تكفيه لجلب الخبز لأهله الفقراء القابعين في مخيمات إدلب.
يقول لؤي السكري أنه تعرض لأكثر من حادث خلال عمله داخل الورشة ما تسبب له بكسور وتشوهات وضرر في جسده النحيل لكن ذلك لم يكن ليردعه عن متابعة عمله الشاق أملاً أن يتعلم المهنة ويعمل بها بشكل مستقل في المستقبل.
تمديدات الكهرباء، النجارة، الحدادة، الميكانيك، البناء، التبليط، المخابز، البيع ليلاً في الشوارع والتنقيب في النفايات كلها مهن خطرة انخرط بها الأطفال بين سن ٥ و١٧ عاماً.
وكثيراً ما يفضل أصحاب تلك المهن تشغيل الأطفال لسببين أولها قلة أجورهم قياساً بمن هم أكبر سناً أو من باب التعاطف الإنساني معهم بغية مساعدتهم في إيجاد عمل يعود عليهم ببعض المال لإعالة أنفسهم على الأقل، غير أن عمل هؤلاء الأطفال في تلك المهن لم يكن الخيار الأفضل وخاصة بعد تعرض الكثير منهم لحوادث مؤسفة.
ومن تلك الحوادث أنه قضى ثلاثة أطفال في السابع من تموز/يوليو 2020، جرّاء سقوط كميات كبيرة مِن القمامة عليهم أثناء وجودهم في مكبّ للنفايات ببلدة معرة مصرين شمال إدلب بحثاً عن مواد قابلة للتدوير.
وحسب ما ذكر الدفاع المدني في إدلب، فإن الأطفال الثلاثة قضَوا نتيجة إفراغ شاحنة قمامة حمولتها عليهم، أثناء بحثهم عن مواد قابلة لـ إعادة التدوير في مكب "الهباط" قرب معرة مصرين.
وأثناء إفراغ شاحنة القمامة حمولتها، لم ينتبه سائق الشاحنة لـ وجود خمسة أطفال داخل حفرة مكبِّ النفايات، حيث سقطت عليهم كامل الحمولة، إلّا أن طفلين تمكّنا مِن النجاة وأبلغا عن الأطفال الآخرين الذين كانوا قد فارقوا الحياة.
وبحسب أحدث تقرير صادر عن اليونيسيف بين عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠ فإن حوالي مليونين ونصف المليون طفل سوري لا يذهبون إلى المدارس وسط غياب إحصائيات واضحة عمن توجه منهم إلى سوق العمل.
وتعرف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها أعمال تضع عبئاً ثقيلاً على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر وهي انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، وهي إما تحرم الأطفال من التعليم أو يتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل.