"البريكس" تغيير لهيكلية النظام الاقتصادي العالمي

في وقت يسيطر فيه الاقتصاد الرأسمالي على العالم كانت حاجة الدول الناشئة ملحة لإنشاء كيان اقتصادي يواجه الأزمات المالية تحت اسم "اتحاد الاقتصاديات الوطنية الناشئة" يعرف اختصاراً بـ البريكس


مركز الأخبار ـ .
تعد مجموعة الـ "بريكس BRICS" تكتل إقليمي ثنائي القطب يهدف إلى إرساء نظام اقتصادي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي المسيطران على الاقتصاد العالمي وإحداث تغيير في هيكلية النظام الاقتصادي العالمي من خلال تغيير موازين القوى الدولية.
تشكيل بريكس
منذ بداية العام 2006 بدأت (روسيا، البرازيل، الهند، الصين) وهي اقتصاديات ناشئة في المفاوضات بإنشاء تكتل اقتصادي، أطلق عليها مجموعة "بريك" نسبة للحرف الأول لكل دولة، وتحول اسمها إلى بريكس بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها عام 2010، واتخذت المجموعة من مدينة شانغهاي الصينية مقراً لها.
وبدأ وزراء خارجية هذه الدول في عقد عدة لقاءات على هامش اجتماعات الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 2006 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي فيما بينها وتشكيل نظام اقتصادي متعدد الأقطاب له القدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية العالمية.
وتمثل مجموعة البريكس نحو 26% من مساحة أراضي العالم كما يشكل إجمالي شعوبها 46% من السكان. 
التوجه السياسي
على عكس ما بدأت به المجموعة من التركيز على الاقتصاد بدأ تكتل البريكس يظهر سياسيات معارضة للهيمنة الغربية على الاقتصاد والقرار السياسي في العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الغربيين، وقدمت رؤيا جديدة إزاء القضايا الدولية وخدمة الدول النامية.
وتتوافق سياسيات ورؤية الدول الأعضاء في البريكس حول القضايا القائمة في العالم وقدمت رؤية مشتركة وموقف جديد نحو مختلف القضايا الدولية تعتمد على احترام سيادة الدول ودعم الدول النامية والمساواة بين الدول والتأكيد على حق كل دولة في إدارة النظام العالمي وكذلك إعطاءها الحق في الاستفادة من البرامج النووية السلمية.
القمم الرئاسية
تعقد البريكس قممها دورياً كل سنة في إحدى دول المجموعة وتخرج ببيان مشترك يترجم الموقف الموحد للمجموعة من القضايا الدولية، ويجتمع رؤساء حكومات هذه الدول سنوياً في عدد من المنتديات وعلى هامش عدد من المؤتمرات الدولية.
وقبل انضمام جنوب أفريقيا عُقدت قمتان لـ "بريك" في عامي 2009 و2010، وعقدت قمة "بريكس" الأولى في عام 2011، أي بعد انضمام جنوب أفريقيا إلى المجموعة.
وعقد أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول "بريكس" في جزيرة هوكايدو اليابانية في تموز/يوليو 2008، حيث اجتمعت آنذاك قمة "الثماني الكبرى" أو ما تعرف بمجموعة الدول الصناعية الثمانية وتضم كل من أمريكا واليابان وألمانيا وروسيا وإيطاليا والملكة المتحدة وفرنسا وكندا.
ومن أهم اجتماعات بريكس تلك التي حصلت في حزيران/يونيو عام 2009 في روسيا عندما أعلنت الدول الأربع المؤسسة لبريك خلالها عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطب.
وكان قد ميز نظام القطبية الثنائية العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية من عام 1945 إلى نهاية الحرب الباردة عام 1989، وتميز ببروز قطبين متصارعين على فرض هيمنتهما ونفوذهما على العالم وهما الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والاتحاد السوفيتي سابقاً من جهة أخرى.
واتفق رؤساء دول البريكس على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنيةً، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.
وتم عقد آخر قمة للبريكس في مدينة جوهانسبيرغ في جنوب أفريقيا عام 2018، وجاء في توصيات القمة رفض الأحادية القطبية في النظام الدولي، ومواجهة النزعة الانفرادية والحرب التجارية الأمريكية، أما فيما يخص دول البريكس فأفضت القمة إلى العمل على تكثيف التعاون والاستثمار البيني بين دول البريكس، ورفع معدلات النمو الاقتصادي وحماية الأمن المعلوماتي لدول البريكس.
أما على الصعيد الدولي فأكدت القمة على التعاون في التصدي للتهديدات والمساهمة في حماية الأمن والسلم الدوليين.
وناقشت دول المجموعة خلال القمة العاشرة التي انعقدت يومي 24 و25 تموز/يوليو 2018، قضية الحرب التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على خلفية رسوم جمركية فرضتها الولايات المتحدة على "الفولاذ والألمنيوم" الصينيين، وإجراءات أخرى فرضتها على روسيا وبلجيكا وألمانيا.
وفي إطار الاستثمارات كشفت الصين عن خطة لاستثمار 14 مليار دولار في جنوب أفريقيا في خطوة لإقامة شراكات اقتصادية مع دول القارة الأفريقية والتعاون بين دول جنوب ـ جنوب.
وأبدت الكثير من الدول الرغبة بانضمامها إلى المجموعة مثل "أفغانستان، الأرجنتين، إندونيسيا، المكسيك وتركيا"، بينما عبرت "مصر، إيران، نيجيريا، السودان، سوريا، بنجلاديش واليونان" مؤخراً عن اهتمامهم بالانضمام إلى البريكس.
وتتم غالبا دعوة بعض الدول للمشاركة في القمة إلى جانب زعماء الدول الخمسة من أجل الحوار على هامش القمة.
ويحتل اقتصاد دول البريكس مراتب متقدمة على الصعيد الدولي على النحو الآتي: الصين الثانية عالمياً، الهند الرابعة عالمياً، روسيا السادسة عالمياً، البرازيل التاسعة عالمياً، جنوب إفريقيا الخامسة والعشرين عالمياً.
وتعتبر الصين أكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم، ويحتل الاقتصاد الروسي المرتبة 11 عالمياً من حيث الناتج القومي، والسادس عالمياً من حيث القدرة الشرائية، بالإضافة إلى امتلاك الهند سوقاً استهلاكية كبيرة، والتي تعتبر من أكبر الدول المصدرة.
مجموعة الـ "بريكس" بالأرقام
تتربع دول البريكس على مساحة 39.7 مليون كم2 أي بنسبة 29.8% من مساحة اليابسة العالمية، ومن الناحية البشرية يعيش ضمن مجموعة دول البريكس حوالي 3 مليارات نسمة أي بنسبة تعادل 42.1% من إجمالي سكان الأرض. 
ويبلغ رأس مال المجموعة من الناحية الاقتصادية حوالي 200 مليار دولار تتم تمريرها ضمن عدة مشاريع مشتركة، وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي حتى عام 2016 حوالي 16.4 تريليون دولار أي بنسبة 22.35 من الحجم العالمي.
ومن الناحية العسكرية بلغ حجم إنفاقها 10.8% من حجم الإنفاق العسكري العالمي، وثلاث دول من المجموعة "روسيا، الصين والهند" تمتلك مجتمعة حوالي 3060 رأس نووي، بنسبة تقارب 52% من الحجم العالمي، وتسعى هذه الدول إلى خفض التعاملات بالدولار فيما بينها، وخلق عدة مؤسسات اقتصادية خاصة بها مثل "بنك التنمية الجديد" الذي تأسس في 14 تموز/يوليو 2014 واتخذ من شانغهاي الصينية مقراً له، وباشر عمله كواحد من أكبر البنوك عالمياً يمارس السياسات النقدية المستقلة، ويتناوب أعضاء المجموعة الخمسة رئاستها سنوياً بشكل دوري فيما بينهم، وكان من المقرر أن يطلق على البنك اسم "بنك التنمية لدول بريكس"، إلا أن زعماء الدول الخمسة قرروا التخلي عن هذا الاسم رغبة منهم في توسيع عضوية البنك وإتاحة الفرصة للدول الراغبة في الانضمام إليها مستقبلاً.
ومن المقرر أن تشرع مجموعة بريكس في تكوين الكثير من المؤسسات التي تهتم بالشؤون العالمية وخاصة الطاقة والأمن والمناخ، لزيادة دورها وأهميتها على المستوى العالمي.
وعلى الرغم من اجتماع الدول الخمسة ضمن تكتل واحد إلا إنه يسود بينهم اختلافات في تحديد أولوياتهم ومصالحهم الاقتصادية والسياسية المختلفة ما يفضي أحياناً إلى شل عمل المجموعة، فيتحتم على تلك الدول تقليل فجوة الاختلافات فيما بينها والوصول إلى اقتراح مشترك بشأن النظام العالمي.