الأشجار والنَّباتات جزء من حياتها ومصدر رزقها

تعتبر عدلة عيسى النباتات والأشجار جزء من حياتها، فهي تعمل على زراعتها منذ مدة طويلة وتعتني بها بشكل فائق، وبعملها المتواصل تؤمن قوت أسرتها

دلال رمضان 
كوباني- .
تحت ظلال الأشجار، تختفي جميع الضَّغوطات النَّفسيَّة والحياتيَّة التي يتعرض لها الإنسان، لذا تعمل المرأة في شمال وشرق سوريا بالزَّراعة، لتخلق لنفسها جواً من الطَّمأنينة وفي الوقت ذاته تحقق لنفسها ولبلدها مورداً اقتصادياً هاماً.
عدلة عيسى (53) عاماً، من أهالي مدينة كوباني، وهي أم لابنين حملت على عاتقها تربيتهما بعد أن توفي زوجها منذ 23 سنة، تعمل بزراعة الأشجار والنَّباتات منذ ثلاثة أعوام، تتجه إلى مشتل "مشتى النَّور" من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثالثة عصراً، وتقول إنها تحب عملها رغم جميع الصَّعوبات كرش المواد الكيميائية والتَّنظيف والسَّقاية.
وتعتبر النَّباتات والأشجار جزء من حياتها "أشعر براحة نفسية أثناء أدائي لعملي، فأزرع الأشجار المثمرة كالمشمش، والرَّمان، والعنب والفستق واللوز، والتَّين، وأنواع الحمضيات ونباتات الزَّينة كالصَّالونيات، إضافة للصبار، والورود، والأشجار الحراجية".
وعن طبيعة عملها تتحدث لنا "تتطلب النَّباتات عناية فائقة، تشبه العناية بالأطفال لحد كبير، فهي تحتاج إلى التَّنظيف والرَّي بشكل دائم، وانتظر بفارغ الصَّبر تَفتح الأزهار الجَّميلة ونمو الأشجار، فأنا رغم حبي لهذا المجال لا يُمكنني الزَّراعة في المنزل لأنه إيجار، أتنقل منه بين الحين والآخر".
وتحب عدلة عيسى رؤية مدينتها تتشح بالخضار "إضافة للمنظر الجميل تسهم الزَّراعة في تحسين البيئة مما ينعكس على الصَّحة إيجاباً، فعندما كنت لاجئة في تركيا أعجبتني تلك البلاد بسبب منظر الطَّبيعة فيها، لذا قررت فور عودتي لكوباني أن أفعل نفس الشَّيء، وتحقق ذلك في 2015".
وبعد أن عادت شهدت على الدَّمار الذي حل بمدينتها، وتنوه إلى أن أحد أولادها استشهد منذ ثمانية أعوام في قرية سوسك التابعة لمقاطعة كري سبي/تل أبيض "كنت في شمال كردستان ولم احضر مراسم دفنه وجنازته".
ولهذا حملت على عاتقها مهمة تربية أحفادها "تأمين المستلزمات اليومية صعب، لذا أنا مجبرة على العمل لعيش حياة كريمة، ولأن ابني الأكبر لا يعمل ولديه ثلاثة أطفال، فهو يعاني من مرض التهاب المفاصل والدَّيسك وأحياناً يعمل في الحفريات، لذا أساعده ريثما يؤمن عملاً".
وترى أن المشتل فرصة عمل مناسبة ربطتها بالطبيعة بشكل كبير وزاد حبها لها مع الوقت، على الرغم من أن قطع مياه نهر الفرات، ينعكس سلباً على الزَّراعة "يؤثر ذلك بشكل كبير على الأشجار، لأنها تكاد تموت عطشاً، لذا أجبرنا على حفر الآبار الارتوازية لريها".
ويحتوي المشتل على حوالي 1500 شجرة إضافة للنباتات والأزهار، وتقول "عددها كبير، لذا أقسمها لعدة أقسام، لأتمكن من سقايتها، على مدار أسبوع واحد".
وعن الزَّراعة تقول "لكل نبات موسمها، فنباتات الزَّينة كالريحان، وورود الجَّوري، والزَّنبق تزرع في الرَّبيع، أما الأشجار المثمرة مع بداية الشَّتاء، أي أن موعد الزَّراعة يبدأ في شهر أيلول/سبتمبر وحتى نهاية شهر آذار/مارس".
وتضيف "نضع النَّباتات في بيوت بلاستيكية بدايةً، ونغطيها لمدة تقارب الشَّهرين، ونخرجها بعد ذلك للشمس كالفستق والسَّرو، والصَّنوبر، وأنواع الأزهار المختلفة".
وتستخدم في الشَّتاء السَّماد الحار لتغذية النَّباتات وفي الصَّيف السماد البارد، وترشها كل شهرين مرة، إضافة لاستخدام روث الحيوانات الغني بالمواد العضويَّة، كما توضح.
وليست المرة الأولى التي تعمل فيها عدلة عيسى بالزراعة "كان اسكن في القرية عند وفاة زوجي، لذا عملت بالزراعة وتربية الأغنام، وجمع الحطب، لأربي أطفالي الصَّغار، وبعد انتقالي لمدينة حلب، عملت في معمل للمواد الغذائية، وفي شمال كردستان عدت للعمل في البَّساتين".
وامتد تأثير الأزمة الاقتصادية التي تشهدها سوريا إلى العمل الزَّراعي "أسعار المواد الكيميائية والسَّماد باتت مرتفعة، إضافة للفيتامينات والأكياس، والمبيدات الحشرية، والعديد من المواد التي نحضرها من الصَّيدليات الزَّراعيَّة، ونقص المياه أسفر عن قلة ساعات تقنين الكهرباء في المدينة وولد الحاجة للمولدات الكهربائية، مما أزم الموقف".
وبعد انتهاء الصَّيف تأخذ عدلة عيسى بذور النَّباتات وتخزنها لتزرعها في العام المقبل، نظراً لأن أسعار البذور مرتفعة، وتعمل برفقة ثلاث نساء أخريات ورجلين "نتعاون مع بعضنا، وعلى الرَّغم من أنني أعاني من السَّكري إلا أن العمل مفيد لصحتي، لأنه يسهل حركتي". وتشير إلى أن هناك مختصين يشرفون على الأشجار والنَّباتات، لتلافي إصابتها بالأمراض.
وتؤكد عدلة عيسى على رغبتها في امتلاك أرض خاصة بها لتزرع فيها، وتضيف "يسعدني توافد النَّاس إلى المشتل لشراء الأشجار والنَّباتات".
وتعتبر الزراعة العامل الاقتصادي الرئيسي في مناطق شمال وشرق سوريا، التي تشتهر بتربتها الخصبة والمساحات الزراعية الواسعة، لذا يعتمد معظم الأهالي في معيشتهم عليها.