الأفران والمجففات الشمسية في مواجهة التحديات المناخية
في ظل الظروف المناخية القاسية وفي وقت تتزايد فيه التحديات البيئية، قررت آسية السباعي أن تخوض غمار تجربة كانت حتى وقت قريب حكراً على الرجال، حيث اقتحمت مجال صناعة الأفران والمجففات الشمسية.
رجاء خيرات
المغرب ـ بمدينة طنجة شمال المغرب، اقتحمت آسية السباعي مجال صناعة أفران الطهي والمجففات الشمسية، في رحلتها للبحث عن طاقات بديلة أو ما يعرف بالطاقات المتجددة، وانخراطها في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية بدأ بمؤسسة تعاونية أطلقت عليها اسم "ضياء للحلول الشمسية".
انخراطها في هذه التجربة لم يكن بالأمر السهل، فقد تطلب ذلك منها صبراً، كانت تشحذه بإرادة قوية وإيمان راسخ بأن الطاقات المتجددة والحلول المبتكرة وحدها قادرة على ترسيخ أسس التنمية المستدامة وبناء علاقة متينة مع الأرض.
مشروع رائد بحلول شمسية
عن هذا المشروع الرائد في ابتكار حلول بديلة في مجال الطاقة قالت آسية السباعي "أنشأنا تعاونية ضياء للحلول الشمسية سنة 2019، حيث عملت إحدى المنظمات الدولية على تدريب مجموعة من النساء في تخصصات مختلفة تتوزع ما بين الطاقات المتجددة والتكوين المهني، قبل أن يتم اختيار مجموعة من المستفيدات لتأسيس تعاونية لصناعة أفران شمسية ومجففات، وقد تكلفت المنظمة بمواكبتهن إلى حدود بداية 2020".
وتعتمد تعاونية "ضياء للحلول الشمسية" على صنع أفران الطهي الشمسية وهي أفران تشبه الأفران العادية، سوى أنها تعتمد على أشعة الشمس كطاقة بديلة، كما تقوم التعاونية بإنشاء مجففات شمسية، لتجفيف الخضراوات والفواكه والنباتات العطرية والطبية، كنوع من الحفاظ على الأغذية من التلف لوقت طويل دونما حاجة لأجهزة التبريد.
وشكلت فترة جائحة "كوفيد ـ 19" مرحلة صعبة بالنسبة لتعاونية فتية مازالت تتعثر في خطواتها نحو تحقيق أهدافها "بعد انتهاء العقد مع المنظمة استمرت المنخرطات في العمل داخل التعاونية قبل أن نصطدم بفترة "الكوفيد" التي أوقفت المشروع، ولأننا كنا في بداية التأسيس لم نتمكن من تطوير التعاونية، خاصة أن المستفيدات كن بحاجة إلى تطوير إمكاناتهن المعرفية والتقنية بمجال الطاقات المتجددة. بعد ذلك ومن أجل استئناف نشاطها اضطرت المنخرطات إلى نقل التعاونية من مدينة طنجة إلى المنطقة القروية فحص أجرة شمال المغرب".
البحث عن حلول بديلة للطاقة
وبينت آسية السباعي أنه في ظل التحديات المناخية وانعدام وسائل الطاقة، فإن اللجوء إلى الطاقات المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية بات تحدياً مطروحاً اليوم على المغرب والدول التي تفتقر إلى الوصول لمصادر الطاقة، فضلاً عن أن هذه المشاريع تعد صديقة للبيئة، بتكلفة أقل وبدون تأثيرات بيئية، كما أنها مشاريع ضامنة لحلول مستدامة.
أما بشأن نقل نشاط التعاونية إلى المنطقة القروية "فحص أجرة"، فأوضحت أن ذلك عائد إلى سهولة إجراء تجارب، حيث يسهل في منطقة قروية تجريب المجففات والأفران قبل تسويقها، كما يسهل توفير المنتوجات التي يرتكز عليها نشاط التعاونية من أعشاب طبية وخضار، بالإضافة إلى الطهي الشمسي، حيث كلاهما سواء المجففات أو الأفران الطهي تعمل بواسطة أشعة الشمس.
وتعد تعاونية "ضياء للحلول الشمسية" مشروعاً رائداً بمنطقة الشمال، وقد سبق وأن فازت التعاونية سنة 2021 بجائزة "لالة المتعاونة" كأفضل فكرة مشروع بجهة طنجة تطوان، وهي عبارة عن جائزة تنظمها وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن لفائدة النساء حاملات المشاريع، كما فازت التعاونية بجائزة تميز المرأة المغربية كأحسن مشروع بجهة طنجة تطوان، كل ذلك شكل محفزات قوية للمضي بالمشروع نحو أهدافه، وهي صنع أفران للطهي بجودة عالية ومجففات تعتمد على مصادر للطاقة التي يكون تجديدها الطبيعي بشكل سريع بما يكفي حتى يمكن اعتبار أنها لن تنضب بالنظر إلى الزمن البشري.
تحديات وصعوبات
وعن التحديات التي صادفتها في المشروع قالت آسية السباعي إن التحديات كبيرة جداً، وهو ما دفع بالعديد من النساء إلى التخلي عن المشروع، إذ أنه بالإضافة للمجهود الكبير والوقت الذي يحتاجه صنع الأفران والمجففات، فهو مكلف جداً يتطلب مصاريف باهظة، فضلاً عن المهارات والتقنيات العديدة التي يتطلبها الصنع، فأغلب المنخرطات حصلن على تدريبات نظرية هامة جداً فقط فهن تفتقرن لكثير من المهارات على مستوى التطبيق.
وبهذا الصدد قالت "مع الانفتاح على جمعيات ومنظمات دولية لها خبرة طويلة في المجال استطعنا أن نتجاوز الصعوبات، وأن نعمل على نموذج جديد لمجفف شمسي بعد أن تنازلنا عن المجفف القديم الذي كانت تشوبه الكثير من الثغرات التقنية".
وأضافت "هذا المجفف تم اعتماده في بعض الدول الأفريقية وقد أعطى نتائج جيدة، بالنسبة لنا قمنا بصناعة أشكال مختلفة منه، ونحن اليوم بصدد تطويره حتى يعمل على مدى أربع وعشرين ساعة، حيث أنه يقوم بتخزين الطاقة الشمسية لفترات طويلة، خاصة مع بعض المتوجات التي يتطلب تجفيفها الكثير من الوقت، مثل الحمضيات بسبب توفرها على كميات هائلة من الماء".
ومن بين التحديات الأخرى التي واجهتها في المشروع تحدثت آسية السباعي عن صعوبة استقطاب تقنيين متخصصين في صناعة المجففات والأفران مع ضمان استمرارهم في العمل، حيث أن أغلب التقنيين يغادرون أمام التحديات التي تواجههم.
جهل بالطاقات البديلة
من بين المشاكل التي تواجهها التعاونية عدم إدراك أهمية هذه المجففات الشمسية وكيفية تشغيلها، حيث أغلب الناس لازالوا يجهلون الكثير عن الطاقات المتجددة وأهميتها كطاقات بديلة عن الكهرباء، وهو ما يجعل التعاونية التي تعمل في المجال كمن يغرد خارج السرب.
وفي هذا الإطار دعت آسية السباعي إلى التوعية بأهمية الطاقات المتجددة بين المواطنين، والتأكيد على أهميتها "أغلب الناس في العالم القروي لا يعرفون المجفف الشمسي، حيث ينبغي أن يقوم الناس بزيارات ميدانية حتى يتعرفوا على المجففات الشمسية ويطلعوا على كيفية تقطيع النباتات والأعشاب الطبية وكيفية تجفيفها عن طريق هذه المجففات، كما أن الوقت الذي تستغرقه عملية التخفيف يختلف من منطقة إلى أخرى بحسب الظروف المناخية، ففي مراكش حيث درجة الحرارة مرتفعة مثلاً لا يتطلب الأمر الكثير من الوقت مثلما هو الحال بالشمال".
كما لفتت إلى أن أغلب الناس يتذمرون من الوقت الذي يتطلبه الطهي الشمسي، متناسين أن الطهي عن طريق الشمس يأخذ وقتا أطول، كما يختلف بحسب المناطق ودرجات الحرارة فيها، وكذلك بحسب اختلاف الفصول، مثلا الطهي يختلف في الشتاء عنه خلال الصيف.
ونشاط التعاونية يرتكز على صناعة المجففات الشمسية والأفران التي تعمل بواسطة الشمس لطهي الطعام وتسويقها بعد ذلك، وهو أمر ليس سهلاً نظراً لأن ثقافة الطهي الشمسي وتجفيف الأعشاب مازالت غير معروفة في أوساط المغاربة، الذين يفضلون استعمال الآلات الكهربائية أو الأفران التي تعمل بالغاز "البوتان".
وأشارت إلى أن التوعية ينبغي أن تشمل كيفية استعمال هذه الأجهزة الشمسية، وكذلك طريقة تقطيع الخضراوات والفواكه التي يُرغَب في تجفيفها، وذلك لضمان النتيجة المطلوبة، خاصة بالنسبة للأعشاب الطبية بالغة الحساسية والتي تتطلب دراية ودقة في تقطيعها قبل تمريرها عبر المجففات.
ضعف التدريب في المجال
ودعت آسية السباعي إلى نشر الوعي بضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعية، مثل الزعتر الذي بدأ يندثر من المناطق الشمالية بسبب جنيه بشكل عشوائي قبل وقت نضوجه، وهو ما أدى إلى استنزاف هذه الثروة الطبيعية بالغة الأهمية.
كما أشارت إلى أهمية برنامج اعتمدته التعاونية بدعم من منظمة فرنسية من أجل صنع مجففات شمسية ومنحها لتعاونيات نسوية بجهة طنجة تطوان (10 تعاونيات) تعمل في مجال انتاج الأعشاب الطبية والعطرية وكذلك تجفيف التين وإنتاج الكسكس.
وأبرزت أهمية الطهي الشمسي، حيث أنه بالإضافة إلى كونه يستعمل طاقات بديلة، فهو عملي جداً بالنسبة للأشخاص الذين يقومون برحلات استكشافية في الطبيعة لأيام عديدة، دونما حاجة إلى استعمال أفران تعمل بالغاز أو الكهرباء.
ولفتت إلى ضعف التكوين وعدم توفر المعلومات الكافية في هذا المجال، خاصةً في الجانب المتعلق بالشق التقني والتطبيقي، حيث يبقى الجانب النظري متوفراً لدى العديد من حملات هذا النوع من المشاريع، منهن طالبات وباحثات متخصصات في مجال الطاقات المتجددة، لكنهن على المستوى التقني تنقصهن الخبرة، وبالتالي فهن بحاجة ملحة للتدريب في هذا المجال.
وفي ختام حديثها دعت آسية السباعي إلى تعزيز قدرات النساء حاملات لهذه المشاريع الصديقة للبيئة والتي تعتمد على طاقات بديلة، وذلك من خلال تشجيعهن على اقتحام هذه المجالات التي ظلت لوقت طويل حكراً على الرجال، من خلال تقوية قدراتهن في المجال التقني والاستفادة من خبرات الدول الرائدة في هذا المجال.