المرأة الإيرانية والحجاب... عقود من النضال (1)

عادت قضية الحجاب إلى الواجهة مرة أخرى بعد مقتل مهسا أميني التي احتجزت من قبل شرطة الأخلاق في إيران، وفقدت حياتها فقط لأنها لم تكن ترتدي حجابها "بشكل جيد"، لتندلع على إثرها احتجاجات في كافة أنحاء البلاد وكأنها شرارة لثورة جديدة ضد إلزامية ارتداء الحجاب.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ الحجاب رافق تاريخ بلاد فرضت قواعد حول ما تستطيع ولا تستطيع النساء ارتداءه، في انتهاك لحقوقهن الأساسية وحقهن فيما يرتدين أو لا يرتدين، وهو موضوع سجال منذ عقود ما بين الحظر والسماح بارتدائه في الأماكن الخاصة والعامة. وهو البلد الوحيد الذي يجبر النساء غير المسلمات على ارتداء الحجاب.

 

إيران والترويج للحجاب

يقدم بعض المفكرين والمؤرخين إيران كمصدر رئيسي للترويج للحجاب في العالم، أظهرت نتائج الأبحاث أن الإيرانيات ارتدين الحجاب منذ زمن الميديين، بما في ذلك قميص بأكمام طويلة وسراويل حتى الكاحل، وتشادور طويل يغطي كافة الملابس.

وتشير بعض الدراسات إلى أن الحجاب كان شائعاً خلال مختلف السلالات الفارسية، وأنه انتشر وفرض في عهد السلالة الأخمينية أي قبل ظهور الإسلام في البلاد، لم تكن نساء الطبقات العليا تجرؤن على الخروج من منازلهن إلا في هوادج مسجفة، واستمر هذا التشدد حتى وصول الإمبراطورية الساسانية إلى الحكم. اختلف الوضع بالنسبة لنساء القرى فقد كن يشاركن في الحياة الاجتماعية ويعملن ويرقصن ويغنين وهن سافرات.

 

الشرارة الأولى للاحتجاجات النسوية ضد الحجاب

كان قيام الناشطة "طاهرة قرة العين" وهي إحدى أبرز قائدات الحركة البابية التي ظهرت في القرن التاسع عشر بخلع حجابها أمام الملأ عام 1848، بداية شرارة احتجاج النساء الإيرانيات ضد الحجاب الإلزامي.

عملت الإيرانيات على تهيئة الفضاء العام لتغيير ملابسهن، كانت النساء من قبيل الشاعرة والكاتبة البهائية عصمت مستوفي آشتياني (1861/ 1868 ـ 1911) تنزعن الحجاب والنقاب في المجالس الخاصة، لم تكن مثل هذه الحركات علنية ولم تكن أمام العامة.

بحسب الكاتبة والباحثة والأستاذة في جامعة هارفارد في مجال دراسات المرأة والنوع والتاريخ أفسانة نجم أبادي "كانت معاشرة النساء المسلمات لغير المسلمات وأنشطتهن السياسية والاجتماعية المشتركة، أحد المجالات التي تم فيها تحدي قضية الحجاب"، فقد كانت النساء البهائيات اللواتي يترددن على أسر المسلمين ويخالطن الرجال يخرجن من منازلهن وهن سافرات.

وأشارت أفسانة نجم أبادي إلى أنه "على الرغم من أن النساء الغير مسلمات كن يتبعن الحجاب الإسلامي في الحياة العامة، إلا أن حجابهن كان أخف من المسلمات".

 

الحجاب الإلزامي في القرن العشرين

ركزت الناشطات في الحركة النسوية الإيرانية في عام 1906 أي خلال العهد الدستوري على إنشاء مدارس للفتيات دون التدخل في قضية الحجاب الإلزامي، لأنه كان ليضيق من مساحة تعليم الفتيات، ومع ذلك كانت "الفاحشة والسفور" التي تعني إزالة النقاب وترك الشادور وغطاء الرأس من أولى الاتهامات التي انتشرت وتم توجيهها إلى الناشطات ومدارس تعليم الفتيات.

شهد عام 1907 صدور مجلات وصحف تهتم بشؤون المرأة، استفادت النساء من تلك المجلات لإعلان معارضتهن للحجاب الإجباري، ووضعن النقاب جانباً، وكن خلال الجلسات الخاصة يخلعن الشادور والحجاب.

وفي ذات العام خرجت مجموعة من نساء العاصمة طهران بدون حجاب إلى الطرق العامة وهن يرددن الشعارات التي تنادي بحرية المرأة من القيود الدينية، إلا أن السلطات قمعت تلك الاحتجاجات وتم اتهامهن بالكفر والإلحاد والإساءة لسمعة الدستوريين.

 

عقوبات على منتقدي الحجاب

دفعت معظم الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة والمعارضات للحجاب الإلزامي ثمن جرأتهن بالتهديد والنفي ووقف أنشطتهن، كان قد تعرض منزل الصحفية والناشطة ومديرة مجلة "عالم المرأة/جهان زن" فخر آفاق بارسا للهجوم وتم نفيها من مدينة مشهد إلى طهران، بسبب تأييدها في جزء من مقالتها الافتتاحية خلع الحجاب في إيران جاء فيها "المرأة لا تزال غير قادرة على تملك الحق في اختيار لباسها الخاص... فهي إذن لا تزال محرومة من تنفس الهواء النقي والحرية".

وقد تلقت أبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة ومؤسسة مجلة "لسان حال المرأة/زبان زنان" صديقة دولت أبادي، في عام 1919 تهديدات بالقتل لانتقادها الصريح والمعلن عن الحجاب، وتم توقيف مجلة "رسالة السيدات" برئاسة الرائدة في الحركة النسوية الإيرانية الصحفية شهناز آزاد (1901 ـ 1961) ، لأنها كتبت "الحجاب خرافة ووهم ورجعية تقليدية، وسد للآفق أمام نظر النساء والرجال في هذه البلاد".

وكاستمرار لمعارضة الحجاب، خرجت بعض النساء من مختلف مدن إيران وخاصة في شمال مدينة طهران دون حجاب في عام 1921، كان من بين هؤلاء الناشطات الصحفية شهناز آزاد التي قامت في عام 1923 بالتعاون مع زوجها أبو القاسم آزاد بتأسيس "تجمع خلع الحجاب" الذي طالب بالحق في عدم ارتداء الحجاب، وتم توقيف التجمع في غضون أقل من عام على تأسيسه، فيما تعرض أبو القاسم آزاد للسجن والنفي. 

وفي عام 1925 سارت بعض النساء من دون الشادور ومن دون عباءات طويلة وفضفاضة في شوارع البلاد، لم تفض كل تلك المساعي في الحقبة الدستورية إلى إيجاد فضاء عام للنساء السافرات في الأماكن العامة.

 

"يوم حرية المرأة"

تأثر رضا خان بهلوي بالثقافة الأوروبية لقائد الحركة التركية الوطنية مصطفى كمال أتاتورك، بعد زيارته لتركيا عام 1934، فأصبح يرى أن ارتداء الحجاب "سبب لتخلف الإيرانيات".

من بين الخطوات التي اتخذها الشاه رضا خان، كان تنظيم مؤتمر المرأة في الشرق الذي ترأسته ابنته شمس بهلوي عام 1932 في العاصمة الإيرانية طهران، الذي قدم فكرة بأن الحجاب يتعارض مع الحضارة، ساهم تأسيس المدارس الحديثة وحث الوزراء وأعضاء البرلمان على خلع حجاب نسائهم في تمهيد الطريق لقرار ملكي.

وفور عودته من تركيا، أصدر في الثامن من كانون الثاني/يناير 1936 مرسوماً يحظر على النساء ارتداء أي نوع من أنواع الحجاب "الحجاب، الوشاح، الشادور" وسجل ذاك اليوم "يوم حرية المرأة"، وضمت الحكومة هذا الإجراء في تطور برنامج حقوق المرأة من التغريب والتحديث في المجتمع، وترافق مع ذلك حظر العديد من أنواع الملابس التقليدية للرجال معتبراً أن "الغربيين الآن يستهزؤون بنا".

وبحسب وثائق مؤسسة مطالعات تاريخ إيران المعاصر فإن المرسوم تعرض لانتقادات شديدة من قبل علماء الدين الإيرانيين والشعب الإيراني المؤيد للحجاب، فيما عملت السلطات على معاقبة المسؤولين الذين يرفضون تطبيق القرار أو يرفضون اصطحاب زوجاتهم بدون حجاب لحضور الحفلات والمناسبات الخاصة، واعتبر مرسوم كشف الحجاب من أكثر القضايا إثارة للجدل في فترة حكم الشاه رضا خان بهلوي.

 

فرض الحجاب أولى قوانين الثورة الدستورية

بعد الثورة التي استبدلت النظام في إيران من الملكية إلى الجمهورية عام 1979، ألزمت النساء في جميع أنحاء البلاد ومن كافة الأديان بارتداء الزي الإسلامي المكون من معطف فضفاض وحجاب أسود داكن اللون محكم على الرأس ويغطي الرقبة بالكامل وسروال واسع، ومنع ارتداء الجينز والحذاء المفتوح الذي يظهر أصابع القدمين أو حذاء بكعب عالٍ، لتكون بذلك أولى قوانين الثورة الإسلامية.

مع الوقت بات الشادور مقدساً إذ ارتبط ارتداءه بالمذهب الشيعي الحاكم في البلاد على أساس نظرية ولاية الفقيه تلك التي دشنها مؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله روح الله الموسوي الخميني في نمطها الحالي.

ورداً على هذا الإعلان خرجت حوالي 15 ألف امرأة إيرانية في أول مظاهرة نسوية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المصادف لـ 8 آذار/مارس 1980، احتجاجاً على قرار فرض الحجاب أمام مبنى رئاسة الوزراء، وهن يلبسن الملابس السوداء. كما وانضم إليهن رجال من كافة الأعمار والمجالات سواء من فئة الطلبة أو الأطباء أو المحامين، وأضرب كثيرون في طهران عن العمل احتجاجاً على القرار.

وعلى الرغم من ازدياد أعداد المظاهرات النسوية تدريجياً إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً، وصدر قانون في عام 1983، بفرض الحجاب على النساء في كافة الأماكن العامة والحكومية.

لم تلتزم الإيرانيات بتلك القوانين، وخاصة فتيات الجيل الحديث اللواتي فضلن وضع غطاء رأس قصير يظهر الوجه والرقبة ويغطي الشعر جزئياً، بينما ارتدت المراهقات ملابس ضيقة وأكثر تحرراً من الشادور أو المعطف الطويل الفضفاض، الأمر الذي أثار غضب المتشددين الذين يعتبرون هذا الأمر غزواً ينتهك التقاليد والأعراف.

واستمراراً لسلسلة الاحتجاجات ضد الحجاب الإلزامي خلعت الأستاذة الجامعية وطبيبة الأطفال هوما درابي (1940 ـ 1994) في ربيع عام 1994 حجابها بعد أن ألقت خطاباً ضد الحجاب الإلزامي في ميدان تجريش بالعاصمة الإيرانية طهران وأضرمت النار في جسدها، وكانت السلطات أغلقت عيادتها لرفضها ارتداء الحجاب، وتخليداً لذكراها قامت شقيقتها الناشطة والكاتبة التي برزت كمدافعة عن حقوق الإنسان يارفين درابي بتسمية مؤسسة الطب في الولايات المتحدة باسم شقيقتها، وشاركت في كتابة السيرة الذاتية لهوما درابي بعنوان "غضب ضد الحجاب".

 

السجن والجلد... عقوبة مخالفات الحجاب

تعاقَب الإيرانيات المخالفات لقوانين فرض الحجاب بغض النظر عن ديانتهن، بحسب المادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي في إيران على ما يسمى "بالجزاءات" وهي العقوبة التي تفرض على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، بالسجن ما بين عشرة أيام حتى شهرين أو دفع غرامة مالية بقيمة خمسة آلاف حتى خمسمائة ألف ريال إيراني، بالرغم من أن المادة 21 من الدستور تنص على أنه "يجب على الحكومة ضمان حقوق المرأة في جميع النواحي، وفقاً للمعايير الإسلامية".

كما تنص المادة 639 من ذات القانون على أنه "يعاقب كل مخالف بالسجن من سنة واحدة إلى 10 سنوات لكل شخص ينشئ أو يدير مكان فجور أو دعارة أو يشجع الناس على ارتكابها" وهذه من أحد القوانين التي يجري بموجبها اعتقال بعض المحتجات.

وبموجب قوانين الحجاب الإلزامية في البلاد حتى الفتيات اللواتي لم تتجاوزن السابعة من العمر تجبرن على إخفاء شعرهن تحت غطاء الرأس شئن أم أبين، وتشمل عقوبة الإمساك بالمرأة وهي سافرة الاحتجاز أو الحكم بالسجن أو الجلد أو دفع غرامة، وكل هذا عقاباً لها على "جريمة" ممارسة حقها في أن تختار ما ترتدي.