ورشة تفاعلية... مغربيات تؤكدن على أن النساء الأكثر تضرراً من الأزمات

أكدت ناشطات وباحثات مغربيات على أن الأزمات كشفت أن النساء هن الأكثر تضرراً، مشيرات إلى أن تحقيق مبدأ المناصفة ووصول النساء إلى مراكز صنع القرار، وهما السبيلان لتحقيق العدالة والمساواة الفعلية بين الجنسين كما تنص عليها كل المواثيق الدولية.

رجاء خيرات

المغرب ـ طالبت المشاركات في ورشة تفاعلية، بوضع حقوق النساء خاصة تلك المتعلقة بالبيئة في صلب المشاريع الممولة، في الوقت الذي تعتبر فيه النساء أكبر ضحايا سياسات الحكومات الغير مستقلة عن المؤسسات البنكية الدولية التي فرضت على الشعوب سياسات تقشفية، مما انعكس سلباً على حقوقهن الأساسية.

في إطار المبادرة المدنية للاجتماعات البديلة والموازية للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي التي تعقد في مدينة مراكش، نظمت فدرالية حقوق النساء بالشراكة مع مركز التعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية بجامعة القاضي عياض، أمس الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول، ورشة تفاعلية لمناقشة "حقوق النساء والبيئة: أي تأثيرات للمساعدات المالية الدولية في مجال التنمية".

وعلى هامش الورشة قالت عضو فدرالية رابطة حقوق النساء لطيفة بوشوى أن المؤسسات المالية الدولية الكبرى سلبت الحكومات إرادتها في وضع سياسات تنموية تراعي حقوق واحتياجات المواطنات والمواطنين وعلى رأسهم النساء، وبالتالي فإن أي أثر للسياسات التقشفية، سواء على مستوى الديون أو الخوصة على حياة الشعوب يدفع ثمنها النساء بالدرجة الأولى.

وتساءلت عما إذا كانت هذه الهيئات والمؤسسات تعمل بمفردها في غياب لمجتمع دولي حقوقي يراعي منظومة حقوق الإنسان عموماً وحقوق النساء بشكل خاص، لافتةً إلى أن هناك تناقض صارخ بين الدور الحقوقي الذي تلعبه هذه الدول داخل مجالس هيئة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن وبين الدور التي تلعبه داخل هذه المؤسسات المالية الكبرى كالبنك الدولي، حيث لا تراعي إلا مصالحها الاقتصادية والمالية.

وأشارت إلى الحركات الاجتماعية والنسوية المناهضة لسياسات المؤسسات المالية الكبرى في فضح وكشف قصور المساعدات المالية الدولية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتمكين النساء اقتصادياً وتعزيز قدراتهن للاندماج الفعلي في سوق الشغل.

وبينت أن المؤسسات البنكية المالية الدولية أسهمت إلى حد كبير في إنهاك الشعوب والدول، وإثقال كاهلها بالديون المتراكمة، على حساب التنمية التي تدعي أنها تساهم في تعزيزها، حيث السياسات المحلية التابعة لها أفرزت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وعلى رأسها حقوق النساء.

وطالبت بوضع حقوق النساء خاصة تلك المتعلقة بالبيئة في صلب المشاريع الممولة من القروض التي يمنحها البنك الدولي للحكومات بالدول النامية، لافتةً إلى أنه من غير المقبول أن يتم التراجع عن تلك الحقوق أثناء الاستفادة من قروض لاحقة، وهي السياسات التي أصبحت ترسخ حكامة هذه المؤسسات المالية وتحد من هيمنتها.

وأوضحت أنه من بين المبادئ الجديدة التي أصبحت تعتمد عليها هذه التمويلات والقروض هي قياس أثر سياسات الحكومات المستفيدة على منظومة حقوق الإنسان وحقوق النساء قبل منحها إياها، معتبرةً أنها فرصة إيجابية خاصة وأن هذا القياس يمكن أن تقوم به الدولة أو الفاعلين الاقتصاديين أو جمعيات المجتمع المدني.

 

 

من جانبها ذكرت الأستاذة الباحثة في الاقتصاد ومقاربة النوع يسرى البراد، أن التمويلات الاقتصادية والقروض وأثرها على الحقوق الإنسانية ولسوسيو اقتصادية للنساء بات بارزاً بشكل ملحوظ، حيث تكرس هذه السياسات الفوارق الاجتماعية والتمييز ضد النساء، مستحضرة ما قالته الباحثة النسوية الفرنسية كامي برونو "حياتنا أغلى من ديونهم".

وأوضحت أن الحركات الاجتماعية أصبحت تتحدث عن مفهوم جديد هو "dettedignité" (الدين ـ الكرامة)، والتي تراعي كرامة بعض الفئات الهشة لا توضع في صلب المشاريع التنموية للدول المستفيدة من القروض، مبينةً أن الأزمات الأخيرة كفترة انتشار جائحة كورونا، كشفت عن اختلالات واضحة وفوارق صارخة، إذ رغم تطور البنية التقليدية للأسرة المغربية، والتي أصبحت المرأة تحتل فيها مكانة مهمة، إلا أن واقع الحال لا يفرز هذه الحقيقة، حيث أنه أثناء تقديم المساعدات العينية للأسر كان الرجل هو المستفيد باعتباره المسؤول الأول عن الأسرة.

وأشارت إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المرأة المغربية اليوم تتمثل في الوصول إلى الموارد الاقتصادية والمالية والبيئية، حيث الملاحظ أن السياسات تحرم النساء من الولوج إليها، مما يزيدهن فقراً وإقصاءً، وأنه هناك فوارق كبيرة في تأثير المديونية على الدول الفقيرة، مبرزةً وجود فرق في أثر هذه السياسات على الجنسين.

وانتقدت المشاريع الممولة من القروض التي تمنحها المؤسسات الكبرى، والتي بدل أن تستثمر في التمكين الاقتصادي للنساء وبرامج محاربة الأمية سواء المتعلقة بالقراءة والكتابة أو القوانين فإنها تضخ الأموال في مشاريع تستفيد منها فئات سبق وإن استفادت في سياقات أخرى.

ودعت إلى تحقيق مبدأ المناصفة لوصول النساء إلى مراكز صنع القرار وهما السبيلان لتحقيق العدالة والمساواة الفعلية بين الجنسين كما تنص عليها كل المواثيق الدولية.

وحول توصيات ومخرجات الورشة التفاعلية أكدت يسرى البراد على ضرورة إدماج مقاربة النوع في كل السياسات الحكومية المتعلقة بالقروض والتمويلات، ثم تسهيل وإتاحة ولوج النساء لمراكز صنع القرار، وكذلك تقوية قدرات النساء الاقتصادية والسوسيو اقتصادية، ثم إقرار مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، في نظام الدَّين وإرجاعه، وإن كانت الحركات الاجتماعية في العالم تتوجه نحو إلغاء المديونية للدول الفقيرة، شريطة أن تستثمر في مشاريع تراعي إدماج النساء في سوق الشغل وتمكينهن اقتصادياً وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز قدراتهن وتحقيق الأمن الاجتماعي لهن.

وخلصت إلى أن الأزمات كشفت على أن النساء هن الأكثر تضرراً، خاصة بالنسبة لربات البيوت، حيث لازال اقتصاد الرعاية الاجتماعية يعد قطاعاً غير منتج ولا يعترف به في مجال الشغل.

وفي محور التدبير المندمج للموارد المائية ومقاربة النوع في إطار آلية التمويل والقروض وأثرها على حقوق النساء وعلاقتها

 

 

بالبيئة، أشارت الباحثة ورئيسة فدرالية حقوق النساء بجهة مراكش ـ أسفي سناء زعيمي إلى أن المغرب ومنذ سنوات وضع إصلاحات وإجراءات لتمكين النساء من الحقوق الأساسية وكذلك للحد من مختلف أشكال التمييز بين الجنسين، بهدف تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين لضمان تنمية بشرية مستدامة وعادلة، ومن هنا يأتي مصطلح التدبير المندمج، حيث لا يمكن الحديث عن هذا الأخير بدون التطرق بشكل أو بآخر لركائز التنمية المستدامة.

ولفتت إلى أن التزم منذ عام 1993 بعدة اتفاقيات تسعى للقضاء على كافة أشكال التمييز بين الجنسين، إلا أن الملاحظ أن هناك فوارق صارخة مجالياً بين النساء والرجال، رغم وجود التدبير المندمج.

وفيما يتعلق بشأن مقاربة النوع في التدبير كمقاربة تضمن المساواة بين الجنسين وتتيح وضعية منصفة وعادلة للجميع، أكدت على أن ذلك لن يتأتى بمعزل عن الاستدامة التي تعني أحقية الأجيال القادمة والتي ترتكز على أربعة دعائم أساسية وهي "التنمية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، المحافظة على البيئة ثم الحكامة الجيدة"، لافتةً إلى أنه لا يمكن الحديث عن الاستدامة دون توفير هذه الدعائم الأربعة.

وعن التدبير المندمج للمياه، أوضحت أن هناك اختلاف بين مختلف الجماعات القروية التي تمت دراستها ميدانياً (إقليم شيشاوة والحوز)، مشيرةً إلى عدم وجود مقاربة النوع، رغم أن المغرب التزم ومنذ سنوات بعدد من الاتفاقيات والبرامج التي تهم تدبير المياه ومقاربة النوع.

كما أشارت إلى أن النساء لا يزال ينظر لهن فقط كمستعملات للمياه وليس كفاعلات في تدبير الموارد المائية، وبالتالي تم استبعادهن كلياً من إيجاد حلول لإشكالية المياه التي فرضت نفسها بشكل كبير في التنمية المستدامة أو الإشكالات الايكولوجية بشكل عام.

وأكدت على وجود تقدم كبير في التحسيس بأهمية مساهمة النساء في التدبير المندمج للموارد المائية، وهو التقدم الحاصل فقط على المستوى المجتمعي في التنظيمات الخاصة بالماء، وفي الجانب المهني المتعلق بالفلاحة، داعيةً إلى تفعيل مقاربة النوع في تناول التدبير المندمج للموارد المائية، والتركيز على المساهمة الفعلية للمرأة في هذا المجال، وذلك من خلال فتح حوار تشاركي محلي، لافتةً إلى أن التدبير المندمج للماء يستوجب الحديث عن ملكية الأرض، حيث الملاحظ أن نسبة النساء المالكات للأصول العقارية الفلاحية ضعيفة جداً، ويصعب عليهن اتخاذ القرار "لا قرار لمن لا ملكية له".