ورقة بحثية تؤكد على استمرار ارتفاع نسب البطالة والفقر بين النساء

بالرغم من سعي المؤسسات النسوية، لتمكين النساء اقتصادياً وتقديمها مشاريع صغيرة وأخرى متناهية الصغر من أجل الحد من العنف الاقتصادي ضدهن في قطاع غزة، إلا أن نسب البطالة والفقر في ارتفاع مستمر.

رفيف اسليم

غزة ـ أكدت ورقة بحثية على أن 90% من المشاريع النسوية تضررت بشكل كلي أو جزئي بسبب العدوان الأخير على قطاع غزة.

أصدر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات"، ورقة بحثية بعنوان "نحو سياسات فاعلة للحد من العنف الاقتصادي الواقع على النساء في قطاع غزة بعد عدوان أيار 2021".

وجاءت الدراسة في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيشها قطاع غزة نتيجة الحصار والاعتداءات المتكررة، وجولات التصعيد المتتالية، إلى جانب التداعيات الخطيرة للانقسام الفلسطيني، إذ يعتبر عدم الاستقرار السياسي، أحد أهم الأسباب في انحراف عملية التنمية عن مسارها، فبحسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" تخطت خسائر قطاع غزة الاقتصادية الناتجة إثر عقد من الحصار الإسرائيلي 16.5 مليار دولار.

وذكرت الورقة أن جميع العوامل السابقة إضافة لفترة الإغلاق بسبب انتشار فايروس كورونا، أدت إلى تراجع القطاعات الاقتصادية المتهالكة في قطاع غزة بشكل عام، وفاقمت العنف الاقتصادي الواقع على النساء بشكل خاص، فتشير الإحصاءات المختصة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي إلى ارتفاع نسبة العنف ضد المرأة الفلسطينية، إذ يعتبر من أكثر أشكال العنف تأثيراً وبفعل تداعياته أدى لوقوعهن في أشكال عدة من العنف.

وهدفت الورقة إلى رصد انتشار العنف الاقتصادي الواقع على النساء في قطاع غزة، في ضوء ما أحدثه العدوان الأخير أيار/مايو 2021 من تدمير البنى التحية والاقتصادية، وتحولات العنف السلبية التي حرمت القطاع من فرص التقدم الاقتصادي بشكل عام، واستمرار عمل النساء في القطاع الخاص والمشروعات النسوية الصغيرة ومتناهية الصغر.

وفيما يخص دراسة أوضاع العاملات اللواتي تعرضن للعنف الاقتصادي خلال العدوان الأخير؛ فقد استخدمت الورقة "النهج التشاركي" في جمع الإحصاءات ذات العلاقة من الأدلة والبيانات، ومجموعة المقابلات الشخصية المعمقة والبؤرية للعاملات في مجال التمكين الاقتصادي، وصاحبات المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر اللواتي تعرضن للعنف الاقتصادي.

ونتيجة العدوان فقد تضررت المشاريع النسائية بنسبة 90%، سواء بشكل كلي أو جزئي، خاصةً أن أغلب المشاريع النسائية الصغيرة والمتناهية الصغر، إضافةً إلى ذلك تضررت المشاريع الزراعية والدواجن للنساء وعانين من عدم توافر المواد الأساسية اللازمة لتلك المشاريع وفقاً لما جاء بالورقة.

وأثبتت الورقة أن العدوان الأخير أدى إلى عدم تمكن النساء من الوصول إلى مشروعاتهن، وبخاصة في المناطق الزراعية، حيث هُجرت الأسر فيها بشكل، كما أن 33% من صاحبات المشاريع الصغيرة نزحن من منازلهن بسبب الرعب والخوف والخطر المباشر الذي هدد حياتهن طيلة فترة العدوان، وعدم القدرة على العودة إلى منازلهن خلال تلك الفترة.

وما زاد الأمر سوءً معظم المشاريع التي ترأسها نساء قد استخدمت المنزل كمكان أو مقر للمشروع، وهذا بدوره زاد حجم الضرر الواقع على المشاريع والعاملات فيها، كما بينت الورقة أن 66% من النساء تعانين من تراجع ملحوظ في التسويق، ما ضاعف خسارتهن، وتراجعت نسبة الربح إلى 50% مقارنة بما قبل العدوان، علماً بأن 80% من المستطلعة آراؤهن تعتبر مشاريعهن مصدر الدخل الوحيد للأسرة.

أما بالنسبة للانقسام أشارت الورقة إلى أن "الانقسام الفلسطيني الداخلي شكل تحدياً جديداً على الاقتصاد؛ فبدلاً من مواجهة السياسات الإسرائيلية مجتمعين، أصبح هناك اقتصادات هشة في مناطق وتجمعات فلسطينية، حيث أدت إلى ارتفاع معدلات بطالة المرأة في غزة بشكل غير مسبوق، فبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغت نسبة بطالة المرأة في القوى العاملة (40%) للعام 2020، أما الشابات من حملة الدبلوم المتوسط فأعلى، فبلغت نسبتهن (69%)".

ومما زاد الأمر سوءً عدم المتابعة الحكومية لأجور النساء وحقوقهن في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر (القطاع الاقتصادي غير المنظم)؛ حيث إن ربع المستخدمات بأجر في القطاع الخاص تتقاضين أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر في فلسطين وبنسبة 25% للنساء، أما بحسب بيانات عام 2020 فإن 23% من العاملات بأجر في القطاع الخاص تعملن دون عقد عمل.

وذكرت الورقة أن المؤسسات النسوية ساهمت ببرامج التمكين الاقتصادي، وقدمت عدة مشاريع صغيرة وأخرى متناهية الصغر من أجل الحد من العنف الاقتصادي الواقع على النساء في قطاع غزة، إلا أن نسب البطالة والفقر في ارتفاع مستمر.

ووفقاً لآخر مسح للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة النساء اللواتي تعرضن لعنف اقتصادي في العام 2019 بلغت (47%)، وقد ارتفعت تلك النسبة بشكل كبير وفقاً لمسح الحالات التي لجأت إلى مركز حياة، حيث تزايدت بشكل لافت في عام 2021 لتصل إلى (88.2%).

ونص تقرير الأمم المتحدة على أن العنف الاقتصادي والاستغلال يشمل أعمالاً مثل حجب الدخل، وسلب أجور المرأة بالقوة وحرمانها من الضروريات الأساسية، وبالنظر لواقع المرأة الفلسطينية العاملة، فإن جميع أنواع العنف الاقتصادي السابقة تمارس ضدها من خلال سلوكيات متعددة، أبرزها السيطرة والحرمان والإكراه والمنع.

أما بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يتخذ العنف الاقتصادي مظاهر عدة، منها "أخذ أشياء خاصة به/ا مثال (أموال، ممتلكات، وما شابه) دون موافقته/ا، وتحطيم أشياء خاصة به/ا". وبمقاربة تعريفات العنف وسلوكياته، نجد أن جميع تلك السلوكيات وقعت على العاملات في قطاع غزة نتيجة الحصار الاقتصادي المستمر، والعدوان الإسرائيلي الأخير وفقاً لما توصلت له الورقة.

وأكدت الورقة البحثية على أن نتيجة العنف الاقتصادي الواقع على النساء، ازدادت أهمية التمكين الاقتصادي، والطلب النسوي له بسبب الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه قطاع غزة وارتفاع نسب الفقر والبطالة، حيث إن النساء أصبحن تدركن أن تحسين الوضع الاقتصادي يساهم في تخفيف نسب العنف، ويعتبر أداة ووسيلة للخروج من الفقر الذي يتسبب في حالات العنف.

ومن الجدير ذكره أن مجموعة من المؤسسات النسوية تقدم برامج التمكين الاقتصادي ضمن الخدمات المتكاملة التي تحتاجها النساء اللواتي تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وفق دليل ليتم إحالة حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي بغزة إلى أربع مؤسسات رئيسة قدمت مجموعة مشاريع لتمكين النساء اقتصادياً منها جمعية عايشة، وجمعية حيدر عبد الشافي المجتمعية والصحية، ومركز شؤون المرأة، وجمعية الثقافة والفكر الحر- مركز صحة المرأة البريج.

وقدمت الورقة عدة بدائل للنهوض بالواقع الاقتصادي للمرأة الفلسطينية منها البديل الأول: سياسات حكومية متكاملة لدعم المشاريع النسوية، البديل الثاني: برنامج مؤسسي مشترك، البديل الثالث: تحويل المشاريع النسوية من إغاثية إلى تنموية، وأخيراً البديل الرابع: إقامة منطقة صناعية للمشروعات النسوية الصغيرة ومتناهية الصغر.