منذ 14 عاماً... قضية مقتل جيلان أونكول لا تزال عالقة

لقد مر 14 عاماً على مقتل جيلان أونكول جراء قذيفة هاون، وخلال هذه الفترة لم يدلي أي من المشتبه بهم بإفادة ولم يتم الكشف عن الجناة، وظلت صور والدتها وهي تجمع جسدها الذي تحول إلى أشلاء بتنورتها مطبوعة في الذاكرة.

مدينة مامد أوغلو

آمد ـ قتلت جيلان أونكول البالغة من العمر 12 عاماً عندما كانت ترعى الأغنام في قرية شنليك بمنطقة ليجة التابعة لمدينة آمد في 28 أيلول/سبتمبر ٢٠٠٨، نتيجة إصابتها بقذيفة هاون أطلقت من مخفر يتواجد على الهضبة، وتركت جثتها في المكان الذي قُتلت فيه لساعات عديدة، وبعد وصول والدتها صالحة أونكول إلى ابنتها قامت بجمع أشلاء جسدها المتناثر بتنورتها بمساعدة من القرويين.

 

"بقيت جثتها على الأرض لمدة ٦ ساعات"

تحدثت صالحة أونكول عن تجربتها عند ذهابها إلى المكان الذي قتلت فيه ابنتها جيلان أونكول "وصل ابني إلى المكان قبلي رأى الماعز في البداية وكانت تنزف حينها، وبعدها شاهد جثة جيلان أونكول، وبدأ بالصراخ ونزع ثيابه وألقى بها على جثتها حتى لا أتمكن من رؤيتها، وذهبت إليه ثم فقدت الوعي عندما رأيت ابنتي بهذه الحالة".

وذكرت أن جثة جيلان أونكول ظلت على الأرض لمدة ست ساعات، مضيفةً "فقدت جيلان أونكول حياتها قرابة الساعة 11:30 صباحاً وبقيت جثتها على الأرض لمدة ست ساعات، قمنا بإبلاغ الجميع النيابة العامة، الشرطة والجنود، ولكن لم يأتِ أي منهم، جاء المدعي العام إلى مخفر أبالي، وذكر حينها بأن سبب عدم مجيئه إلى هناك لأنها تعتبر "منطقة إرهاب"، وإذا ذهب إلى تلك المنطقة فليس هناك أمن على سلامته، وقام مختار القرية بتصوير جثتها وأخذنا جيلان أونكول إلى مخفر أبالي مع الصور وأجرينا تشريح جثتها هناك، وزعموا بأن سبب مقتلها هو أنها داست على لغم، وبقينا هناك حتى العاشرة مساءً، ثم قمنا بإحضار جثتها إلى المنزل بعد ذلك".

وكانت جيلان أصغر أبناء عائلة أونكول، وكانت تحلم بأن تصبح نائبة عامة أو محامية في المستقبل، ولكن حقها في الحياة سُلب منها قبل أن تتمكن من تحقيق حلمها، وبعد مرور 14 عاماً على مقتلها، لم يخف ألم عائلة أونكول أبداً، وخلال هذه المدة الطويلة التي مرت على الحادث، لم يدلي أي من المشتبه بهم بإفادة ولم يتم الكشف عن الجناة.

وبعد مرور ثلاثة أيام ذهب المدعي العام إلى موقع الحادثة، وتم إعداد التقارير المتعلقة بوفاة جيلان أونكول من قبل ضباط الجيش والأمن، وورد في هذا التقرير، مزاعم بأن جيلان أونكول "ضربت القذيفة المتفجرة بالمنجل"، كما ذكرت عائلة أونكول بأن أطراف المنجل المستخدم لم يتضرر، إنما كان قد ثني من منتصفه فقط، وهذا يثبت بأن الطفلة لم تضرب القذيفة بالمنجل، وذكرت الأسرة بأنها أرادت تسليم المنجل إلى المدعي العام كدليل، ولكن المدعي العام رفض ذلك.

 

"توفيت وهي في وضعية دفاعية"

وفي التقرير المستقل الذي أعده الخبير المتخصص بالطب الشرعي في كلية الطب بجامعة كوجلي، الدكتور أوميت بيجر، ورد أن جيلان أونكول توفيت "وهي في وضعية دفاعية"، وصرح المحامون بأن هذا الإثبات يعزز زعم إطلاق النار من قبل كتيبة الجيش المتواجدة بالقرب من المزرعة التي فقد فيها جيلان أونكول حياتها، وبعد هذا التقرير، تم تكرار ما ورد في تقرير الجيش في التقرير الذي أعدته شركة الصناعات الميكانيكية والكيميائية أيضاً، وذلك بطلب من النيابة العامة.

ومكتب النيابة العامة الذي كان يقوم بإجراء التحقيق في قضية مقتل جيلان أونكول، قام بإصدار قرار "السرية" على الملف أثناء سير التحقيق في عام 2010، وفي الرابع من نيسان/أبريل 2013، انتهى التحقيق بقرار عدم الملاحقة بذريعة "عدم وجود أدلة على اكتمال عناصر الجريمة"، وفي 30 نيسان/أبريل 2014، صرح مكتب النيابة العامة في ليجة بأن الأدلة والتقارير الواردة في الملف لم تكن كافية لتحديد الجناة وأصدر "مذكرة تفتيش دائمة" للملف، وتركت القضية لقانون التقادم، وتم قبول وفاة جيلان أونكول على أنها "جريمة أدت إلى الوفاة بسبب الإهمال"، وطالبت قوات إنفاذ القانون إبلاغ مكتب النيابة العامة "بشكل دوري مرة في كل عام" من أجل البحث عن الجناة وتحديد هويتهم حتى انتهاء مدة التقادم.

 

"تم إغلاق التحقيق ضد قوات المخفر"

وفي عام 2013، أغلق التحقيق الذي بدأ ضد ضباط الجيش الذين لم يأخذوا المدعي العام في ليجة مصطفى كامل جولاك إلى مكان الحادث لـ "أسباب أمنية"، وذلك بقرار "ليس هناك ما يدعو للملاحقة القضائية".

كما أن الاعتراضات التي قدمها محامي عائلة أونكول ضد قرار "السرية" المتخذ في الملف أثناء التحقيق قوبلت بالرفض جميعها، وفي عام 2010 قام المحامون برفع ملف القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي أيار/مايو 2012، رفضت طلبات المحامين حول سير التحقيقات بشكل غير فعال ومتحيز، والمطالبة بتعميق التحقيق، ولأنه لم يتم رفع أي دعوى قضائية رغم مرور وقت طويل ولم يتم العثور على أي مشتبه بهم، تقدم بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للمرة الثانية وبعد مرور خمس سنوات، أي في 17 كانون الثاني/يناير 2017، قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه "لا وجود لأي انتهاكات بخصوص التحقيق الفعال والحق في الحياة".

وقامت عائلة أونكول برفع دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية الثانية في آمد، مطالبة بتعويض مادي قدره 100 ألف ليرة تركية، بحجة أنها كانت المسؤولة عن الانفجار وحدث نتيجة إهمالها، لكن المحكمة رفضت طلب الأسرة بالتعويض، وقررت منح الأسرة مبلغ 28 ألف و208 ليرة تركية كتعويض مادي، وقامت الأسرة باستئناف القرار، وقبلت الغرفة العاشرة بمجلس الدولة استئناف الأسرة.

وورد في القرار الذي اتخذ بمعظم الأصوات، ما يلي "إن وجود ذخائر غير منفجرة في منطقة يستخدمها الأهالي باستمرار وتقع بالقرب من مستوطنة، يدل على أن الخدمة الأمنية التي تقدمها الإدارة المدعى عليها لم تنفذ كما يجب، وتم التوصل إلى وجود خلل في الخدمة من قبل الإدارة المدعى عليها في الحادثة، ولهذا السبب، فليس هناك توافق قانوني في قرار المحكمة المعنية بشأن التوصل إلى حل وفقاً لقانون التعويضات رقم 5233".

وبعد إغلاق هذا الملف نتيجة سياسة الإفلات من العقاب، استمر كابوس الموت بملاحقة الأطفال في شمال كردستان حيث يفقدون أرواحهم نتيجة رصاصات الجيش أو الشرطة أو حوادث المدرعات، وبحسب التقرير الذي أعدته منظمة حقوق الإنسان لعام 2021، فقد 228 طفلاً حياتهم  بين عامي (2011 ـ 2021)، و64 شخصاً منهم قتلوا على يد الشرطة والجنود.

 

"ملف نموذجي عن سياسة الإفلات من العقاب"

المحامية رهشان باتاراي سامان، المدافعة عن حقوق الإنسان والتي كانت مديرة منظمة حقوق الإنسان فرع آمد في الفترة التي قتلت فيها جيلان أونكول، قامت بإجراء تقييمات فيما يخص ملف جيلان أونكول الذي كان تتابعه، مشيرةً إلى أن ملف قضية مقتل جيلان أونكول يعد من إحدى الملفات النموذجية لسياسة الإفلات من العقاب التي تتبعها تركيا.

وذكرت بأنهم زاروا القرية التي وقعت فيها حادثة مقتل جيلان أونكول بصفتهم منظمة حقوق الإنسان، لافتةً إلى أنه لم يذهب مكتب المدعي العام والقوات العسكرية إلى المكان الذي وقع فيه الانفجار، وحينها أجبرت الأسرة على جمع الأدلة مع القرويين والمحامين وتسليمها إلى المدعي العام.

وبينت أنه "في ذاك الوقت قامت والدتها بجمع أشلاء جثة جيلان أونكول بيديها مع القرويين وسلمتها إلى المدعي العام، لكنه لم يذهب إلى مسرح الجريمة بحجة "الأمن"، وبعد إصرار وضغط من قبلنا، باشرت النيابة التحقيق كما تم تشريح الجثة في إحدى غرف المخفر، بشكل مخالف للأنظمة القانونية، لقد قمنا بمتابعة الملف منذ اللحظة الأولى، وهذا الملف سار بشكل غير قانوني منذ البداية".

وأكدت رهشان باتاراي سامان على أن الإفلات من العقاب يتم تطبيقه بطريقة مستقرة في مثل هذه الحالات "لقد قامت القوات العسكرية التابعة للمخفر والتي اعتبرت مشتبه به، بأخذ أدلة الحادث، وقامت بضبط المحضر، وكبديل لذلك قمنا بتقديم ذلك مع كافة التقارير المفصلة الموجودة في الملف إلى النيابة العامة، أن تصريح المدعي العام حينها بأن "الانفجار حدث بعد لعب جيلان أونكول بلغم بواسطة جسم معدني"، أفرغته تقارير علمية وواضحة، ولكن للأسف الشديد، فقد مرت سنوات عديدة، وتقرر عدم الملاحقة قانونية، ولم يتم أخذ إفادة أي شخص كمشتبه به في الملف، وبهذه الطريقة تم إغلاق الملف".

وأشارت إلى حدوث انتهاكات أشد خطورة لحقوق الإنسان، بعد ترك مرتكبي الجريمة دون عقاب، لافتةً إلى أن الجناة يستمدون الجرأة والشجاعة من خلال هذه السياسة "هناك سياسة للإفلات من العقاب يتم تنفيذها في البلاد منذ سنوات عديدة، إن المسؤولين الأمنيين يكونون على ثقة تامة بأنهم لن يتلقوا العقاب على الأحداث التي ستحدث أثناء تحركاتهم أو القيام بعملية ما، سواء إن كانت هذه الحوادث وقعت عن قصد أو لا".

 

"الحوادث مستمرة بالارتفاع"

وكمثال على سياسات الإفلات من العقاب، أعادت رهشان باتاراي سامان، ملف أوغور كايماز المقتول، للأذهان "لقد حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالانتهاك في هذا الملف، ولكن لم تتم معاقبة أحد بالرغم من ذلك، كما يوجد أيضاً ملف محمد أويتون، وهناك مثلها العشرات من الملفات التي قُتل فيها الأطفال، وهنا إذا تمت معاقبة المسؤولين فعلاً وتم إجراء تحقيق فعال ضدهم، لكانت هناك عناية أكبر في التعامل مع الملفات اللاحقة، وهذا هو منطق العقاب، وهو منطق يجلب معه حاجزاً لردع الجريمة، ولكن للأسف، نظراً لعدم وجود عقوبة في أي من هذه الحوادث، فإن الحوادث لا تزال مستمرة في الارتفاع".

وأكدت على أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حدثت معظمها في المنطقة الجغرافية التي يعيش فيها الكرد، لافتةً إلى أن هذا الوضع ليس من قبيل الصدفة بل له أسبابه السياسية، وأن القضاء يجب أن يقوم بدوره في هذه العملية وأن يفتح الطريق أمام العملية المسدودة.