هناء خضر ضحية العنف في لبنان تلفظ أنفاسها الأخيرة

ارتفع عدد حالات العنف الموجه ضد النساء في لبنان وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية، وكان أكثرها قسوة حالة هناء خضر التي كافحت للبقاء على قيد الحياة في المستشفى بعد أن أضرم زوجها النار بجسدها، لتلفظ أنفاسها الأخيرة.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ منذ أكثر من عشرة أيام تصارع هناء خضر في غرفة الإنعاش للبقاء على قيد الحياة، بعد أن غطت الحروق البليغة كامل جسدها، وفقدت جنينها وذلك بعد أن أضرم زوجها فيها النيران بواسطة أسطوانة غاز، لتلفظ أنفاسها الأخيرة بعد ظهر اليوم الأربعاء 17 آب/أغسطس.

أفاد تقرير مستشفى السلام في طرابلس بأن الحروق التي تعرضت لها هناء خضر التي لم تبلغ 21 عاماً، معظمها من الدرجة الثالثة، وبأنها بحاجة للدم وبالتحديد البلازما بصورة يومية، وبأنه لو كتبت لها الحياة فسيتطلب علاجها ما لا يقل عن 3 أشهر، وقد بادر الأطباء للتبرع بأجورهم، بسبب حالة المريضة المادية السيئة، وبدأت حملات للتبرع المادي وبالدم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف المساعدة في تكلفة العلاج العالية.

ووفقاً لإحدى قريبات الضحية التي رفضت الكشف عن اسمها فإن هناء خضر "بعد طلاق والديها وهي في عمر السنتين، تزوج كلاً منهما، وجبرها والدها بعمر 15 عاماً على الزواج من عثمان العكاري"، مؤكدةً أن هناء خضر "لم تشكُ يوماً من زوجها، بل كانت تستمر بالدفاع عنه، ولكننا علمنا بعد الحادثة، بأنها كانت تعاني من التعنيف منذ بداية زواجها، وكانت تعود إلى منزل والدها، ولكنه كان يعيدها إلى منزل زوجها ويضربها أحياناً لإعادتها، وهذا ما حصل في المرة الأخيرة".

وأوضحت أنه "في هذه المرة الأخيرة، وصل الخلاف بينهما إلى درجة طلبت هناء خضر الطلاق منه، ولكن أعادها أبوها إلى منزلها، بعد أن أصلح بينهما، ليقوم زوجها بإرسال طفليه إلى منزل والديه، وليصطحبها إلى مطبخ المنزل ويضرم في جسدها النيران بواسطة أسطوانة غاز، وكانت تحاول الهروب منه مراراً لإنقاذ نفسها، إلا أن زوجها كان يعود ويرميها وسط النيران".

وأضافت "بعد الحادثة، بدأت تظهر الحقيقة للعلن، فلم تتجرأ هناء خضر على أن تتكلم عما تتعرض له، بل أنها استمرت في إخفاء كل ما كانت تتعرض له، لا بل تمدحه، علماً أنه شخص غير سوي، ويتعاطى المخدرات، ولكن علمنا أنه في هذه الحادثة الأخيرة كان بكامل وعيه، وأنه نفذ جريمته عمداً".

وبدورها قالت الناشطة النسوية حليمة سلامة والتي أخبرت وكالتنا بخبر وفاة هناء خضر متأثرة بإصاباتها "تابعت القضية من ناحية إنسانية، فهنا محمد خضر القاصر، ابنة الواحد والعشرين عاماً، احترقت بنسبة 100 بالمئة، وتابع أهلها علاجها، ولكن الكلفة عالية، وحاولوا التواصل مع كل الجهات لتأمين البلازما الضرورية لحياتها، ولكن لم يتابع أحد من الجهات الثانية عدا عدد قليل، وتواصلت إحدى الجمعيات لتقدم استشارة نفسية وقانونية، وكان الوضع مزري والفتاة توفيت بسبب عدم تأمين الدم، فبأي حال نعيش وبأي وضع".

وأضافت "في مصيبة مثل هذه، توجهت الأنظار إلى هناء خضر، ولم تتم متابعة الحالة لا من قبل أهلها وبالتحديد أبيها، ولا من قبل زوجها أو أهل زوجها، لوصلنا إلى هذه الحال، ولم نترك أحداً لم نلجأ إليه لنجدتها ومساعدتها، وضجت وسائل الإعلام بالقضية ولكن معظم المعلومات خاطئة، ولم يسمح والد الضحية لوالدتها بأن تتكلم مع الإعلام".

وأشارت إلى أن "يجب معاقبة الأب الذي أعادها إلى زوجها، وأهل زوجها الذين سكتوا عن إجرام وتعنيف زوجها كل هذه المدة وصولاً إلى موتها".

ومن جانبها قالت الناشطة النسوية ريتا شقير ومؤسسة صفحة المرأة والقضاء "هناء خضر ليست الأولى ولا آخر ضحية للتعامل مع النساء، فهو أسلوب استهتار بالتعامل مع النساء في مثل هذه القضايا في بلدنا، ونوع من الواسطة في المحاكم، فمن الطبيعي ألا تكون هناء خضر الضحية الأخيرة".

وأوضحت أنه "لا بد من أن نتكلم عن محاولة هؤلاء الضحايا الحصول على حقوقهن من المحاكم، وبحسب القوانين الموجودة في لبنان، يمكن للضحية تقديم شكوى لدى النيابة العامة بجرم التعنيف، حيث تحول الشكوى وفور صدورها ليتم اتخاذ الخطوات المناسبة، في هذه الحالة بالذات تعتبر جناية".

وأشارت إلى أنه "في حالات العنف الأسري عامة تتفاوت درجة العقوبة إجمالاً، فليس ثمة عقوبة واحدة، وتتعلق وفقاً لخطورة الجرم والنتيجة، ومن هنا كان من الجيد أن العقوبات مشددة بهذا الخصوص، ولا سيما أنها واقعة من زوج على زوجته، وقد تصل إلى أكثر من 25 عاماً أعمال شاقة لمحاولة القتل، وإذا كانت المرأة واعية لتتمكن من التقدم بطلب حماية من قاضي الأمور المستعجلة، وإذا كانت غير واعية، تتخذ النيابة العامة التدابير بانتظار مراجعة قاضي الأمور المستعجلة، ومنها نقل المرأة المعنفة إلى مكان آمن وبعيد عن الجاني، وقد يكون معها أولادها، والذي يتحمل النفقات المترتبة عن هذا الأمر من علاج وغيرها".

وأضافت ريتا شقير "وفقاً للتعديلات الجديدة على قانون العنف الأسري التي صدرت في عام 2020، يحق حتى لأطفال المرأة المعنفة ولو كانوا من القاصرين التقدم بطلب وشكوى إلى قاضي الأمور المستعجلة ودون الاستعانة بولي أمر".

وأشارت إلى أن "بكل قضايا العنف الأسري هناك عوامل عدة تلعب دوراً منها الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ودورها داخل أسرتها ومحيطها الصغير، ومن المهم التركيز على دور الأهل المحوري في هذه الحالات، والذي يأتي أولاً لجهة حمايتها".

وأضافت "إن لم يقوم الأهل بمحاسبة الجاني في المرة الأولى فستتعرض المرأة للعنف مراراً وتكراراً إلى المدى الخطير الذي وصلت إليه هناء خضر وغيرها كثير، كما وأن كل الهواجس التي تلعب دوراً ومنها الأعراف الاجتماعية، والتي لا علاقة لدور المرأة داخل المجتمع، وهنا نتكلم عن وضع المرأة لجهة الزواج أو الطلاق والشرف والعرض وغشاء البكارة وغيرها من الأمور".

ولفتت إلى أن "العامل الآخر، هو الوضع الاقتصادي للمرأة وأهلها وإن كانت متمكنة أي إن كانت غير متعلمة أو لا تستطيع تدبير عمل، ولا معيل لها، أو لا يتحمل أهلها مصروفها، ليتركوها تواجه مصيرها لدى زوجها، إذ يلعب التمكين دوراً هاماً".

وأضافت "من جهة أخرى، فإن وجود نوع من الضغط داخل المحاكم على المرأة فيما يخص الطلاق ونفقة الأطفال والمهر وغيره من الأمور، يجعل وضع المرأة ضعيف للغاية داخل المحاكم، حيث يأخذ وقتاً طويلاً وتكون على حساب ومستقبل المرأة وعلى حساب الأطفال أيضاً لجهة تربيتهم وحقوقهم وصحتهم النفسية والجسدية، لذا تلعب هذه العوامل جميعها دوراً لحماية المرأة من العنف، وهذا الاستهتار الموجود وهذا التداخل جميعه يلعب دوراً في الصورة الكاملة لوضع المرأة المعنفة والذي أوصل الضحية هناء خضر إلى الموت".