"بلطجة" وثائقي يسلط الضوء على معاناة اللبنانيات المتزوجات من أجانب

يتناول وثائقي "بلطجة" واقع المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي والمجردة من حقها بإعطاء أولادها الجنسية اللبنانية لأسباب سياسية وطائفية تنتجها الطبقة السياسية في لبنان.

كارولين بزي

بيروت ـ ليست القوانين وحدها من ظلمت المرأة اللبنانية، بل أنها تتعرض للتنمر من قبل المجتمع والمطالبة بترحيلها من لبنان متدخلين بخياراتها الشخصية مطلقين أحكاماً من هنا وهناك.

جسد وثائقي "بلطجة" قصص أربع لبنانيات متزوجات من رجال أجانب، حُرم أولادهن من الجنسية التي من المفترض أن تكون حقاً لهن، إلى جانب إجحاف القانون الذي يعود إلى عشرينات القرن الماضي، خلال الوثائقي تتحدث النساء عن التنمر الذي تتعرضن له من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومن الرجال والنساء على حد سواء.

وكان لوكالتنا لقاء مع مديرة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبو التي أوضحت ما المقصود بـ (بلطجة) "بلطجة هي فعل مؤذٍ تم اختيار هذه العبارة لوصف التنمر الالكتروني وتحديداً الحالة التي يعتدي فيها شخص ما على امرأة اتخذت خيار الزواج برجل أجنبي، فيسيء إليها من خلف شاشة التلفون أو الكومبيوتر، غير آبه بما يمكن أن يسببه لها من أذى، وكذلك البلطجة من السياسيين الذين يعيقون تعديل القانون تحت حجج عنصرية".

وبينت أنه في وثائقي "بلطجة" يتم تسليط الضوء على التعليقات السلبية التي تسيء للمتزوجات من أجانب، وتهاجم مطالبهن بتطبيق المساواة في قانون الجنسية مع الرجل فيما يتعلق بحق منح الجنسية لأولادهن "لا يمكن التغاضي عن هذه التعليقات وهكذا اعتداءات لذا كان لا بد من معالجة الواقعة من منظار قانوني وحقوقي من أجل أن تكون رادع بوجه المعتدين والمتنمرين، لكونها تنضوي على القدح والذم والتهديد والعنف اللفظي والعديد من الانتهاكات التي يمكن محاكمتها وتجريمها بالقانون، فهذا الأمر تخطى حدود الحرية الشخصية أو التعبير عن الرأي".

وأضافت أن "الوثائقي مدته  13 دقيقة تم تقديمه في شقين، في الشق الأول نتطرق إلى التنمر والاعتداء والتهديد على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشق الثاني نتناول الحجج والمغالطات الذي يستخدمها السياسيون لاستكمال مسيرة حرمان المرأة اللبنانية من حقها بمنح الجنسية لأسرتها، بالإضافة إلى خطاب السياسيين العنصري وخطاب الكراهية ضد بعض الجنسيات".

وأكدت على أنه لا يحق لأي مسؤول أو سياسي تحت أي ظرف أن يمنع هذا الحق، لأن كل هذه الحجج تصب في مصالحه الشخصية والسياسية فقط لا غير.

 

"التنمر ليس حرية رأي وتعبير"

أما فيما يتعلق بالشق الأول وهو التنمر على مواقع التواصل الاجتماعي، رفضت كريمة شبو اعتبار ما يدور على مواقع التواصل حرية رأي وتعبير، بل اعتبرت أن حق المرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لأولادها هو موضوع حقوقي ولا يجوز التعليق عليه إلا من منطلق حقوقي.

وأضافت "أن نقوم بتهديد المرأة اللبنانية من خلال عبارات "روحي فلي من هون" مثل التي ظهرت في الوثائقي، هذه المصطلحات ليست سيناريو مكتوب بل هي تعليقات قمنا برصدها ونسخها وعرضها في الوثائقي كما أن البعض لا يعرف مدى الأذى الذي يسببه من خلال هذا التعليق الذي يحتاج ثواني فقط لكتابته".

ولفتت إلى أن "المشاركات في الوثائقي اللواتي يروين قصصهن هن نساء قياديات، هن نساء ناشطات في مجتمعهن وناجحات في أعمالهن وحياتهن الأسرية"، موضحةً "أنهن بأنفسهن قمن بالرد على التعليقات المسيئة، وهذا ما كان يهدف له الوثائقي بأن تواجه النساء المعتدين والمعرقلين، لأنهن الأحق بالرد باعتبارهن صاحبات الحق".

 

"لماذا لا يحق للمرأة بأن تكون مواطنة كاملة الحقوق؟"

وأوضحت مديرة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبو أنه "بهذه الطريقة يدرك من يهاجم المرأة بأنه لا يتحدث إلى مجهول بل إلى امرأة حقيقية تتأثر وتنزعج، وبأن صاحبات الحق قادرات على المواجهة والرد".

وتتساءل "لماذا لا يحق للمرأة أن تكون متساوية مع الرجل الذي يمنح أولاده وزوجته الأجنبية جنسيته اللبنانية؟ لماذا عندما نتطرق لحقوق النساء نضع معايير أخلاقية وطائفية وعددية؟ لماذا لا يُقال عندما يتزوج الرجل من أجنبية يمكن أن يحدث خللاً ديمغرافياً أو تغييراً بالتوازن الطائفي؟".

وأكدت على إن المشكلة لا تتعلق بحصول الرجل على حقوقه ولكن المشكلة هي بحرمان المرأة من حقوقها الأساسية وعلى رأسها الحق بالمواطنة الكاملة.

ويتطرق الوثائقي إلى مواضيع حساسة وواقعية كما يسلط الضوء على العنصرية الموجودة في المجتمع اللبناني، ويظهر ذلك جلياً من خلال ما ذكرته إحدى النساء عما عاشته ابنتها التي لم تحصل على جنسية والدتها اللبنانية، لافتةً إلى أن ابنتها كانت على وشك الزواج من شاب لبناني إلى أن أدركت عائلة الشاب بأن الفتاة ليست لبنانية الجنسية، فقامت العائلة بإلغاء كل إجراءات الزواج.

دائماً يتم تأجيل البحث في قضايا النساء بحجة وجود قضايا أكثر أهمية، وعن ذلك قالت "ليسوا من يحدد الأولوية إذ أن حق كل مواطن/ة يتضرر من جرّاء قانون أو يُمنع من الوصول إلى كامل حقوقه/ا بسبب انتهاك أو تمييز في أحد القوانين على الدولة أن تقوم بتعديل هذا القانون، مثل قانون الجنسية الذي يعود إلى العام 1925 أي قبل إعلان استقلال لبنان".

وأوضحت أن "لبنان من الدول الموقعة على الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما أن لبنان من بين الدول التي صاغت الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يكفل الحقوق كافة لأي إنسان بعيداً عن جنسه ولونه وعرقه وجنسيته ولكن القانون في لبنان يميّز بين المرأة والرجل ويكرس العديد من الانتهاكات في قوانينه التمييزية".

 

"الحقوق لا تتجزأ"

وقالت "لم يكتف المسؤولون اللبنانيون بالتمييز بين الجنسين، بل ذهب بعض السياسيين بوضع شروط لإعطاء الجنسية، إذ ذكر أحدهم بأنه يمكن إعطاء المرأة حق منح جنسيتها لأولادها إذا كانت متزوجة من جنسيات معينة ويحرمها من هذا الحق إذا كانت من جنسيات أخرى".

وأشارت إلى أن "هناك عدداً من السياسيين يعبرون عن تضامنهم مع القضية ولكن يضعون شروطاً باستثناء بعض الجنسيات، وهنا يفكر السياسيون بتعديل القانون ولكن مع خلق شرخ جديد بالتمييز بين المرأة والأخرى وبالتالي هذا الأمر يعتبر اغتصاب لحقوق النساء وعدم تحقيق المساواة في القانون بين جميع المواطنين والمواطنات في الوطن الواحد، وبدلاً من المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل يصبح علينا استحداث حملة جديدة للمطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل وامرأة أخرى، بهذه الطريقة أصبحنا نتحدث عن تسليع والمتاجرة بالحقوق في هذه القضية".

وأوضحت أن بعض المسؤولين يتذرعون بحجج بأن الوقت غير متاح لتعديل قانون الجنسية نظراً للوضع الاقتصادي والاجتماعي السيء "أسر النساء اللبنانيات عانت من أزمات كثيرة بسبب حرمانها من الجنسية منذ ما قبل الأزمة التي يعيشها اللبنانيون حالياً. ولا تستفيد من تقديمات وزارة الصحة في حال اضطر أحد افراد عائلتها الدخول إلى المستشفى ولا تستطيع التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى جانب الرسوم الجامعية المرتفعة في مرحلة الدراسات العليا لأولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي مقارنةً بالطلاب اللبنانيين/ات فما يعيشه المواطنون اليوم تعيشه النساء وأسرهن كل يوم منذ تطبيق قانون الجنسية التمييزي".

 

 "اللبنانيات وأسرهن يعيشون الغربة في وطنهم"

بالعودة إلى التعليقات السلبية التي تم تضمنيها في الوثائقي، عبّرت كريمة شبو عن استيائها من التعليقات التي طالت المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي، خلال رصدها هذه الانتقادات لتضمينها بالوثائقي. وتسألت "الطلب من المرأة أن تغادر البلد، أليس تهديداً واعتداءً على حقوقها؟ أليس تجريداً من هويتها في بلدها؟ النساء اللبنانيات وأسرهن يعيشون الغربة في وطنهن".