عايدة الجوهري تجسد قضايا المرأة من خلال كتبها بمنظور تاريخي

غاصت الباحثة عايدة الجوهري في عمق مدلولات قصص ألف ليلة وليلة، لتخرج بنظريات ودروس من سيرة شهرزاد تعكس واقع المرأة، وبقراءة جندرية حداثوية تمردت على صورة المرأة النمطية التي يفرضها المجتمع والدين والسلطة السياسية عبر التاريخ.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ من تخصص الأدب الفرنسي وتأهيل أساسي لهذه اللغة كلغة أجنبية، واصلت الدكتورة عايدة الجوهري شغفها في مجالات البحث والتأليف المختلفة، لتتمكن من التوفيق بين هذا التخصص وعوالم أخرى في البحث، لا سيما في مفاهيم الجندر والنسوية.

قالت الباحثة والدكتورة عايدة الجوهري "لا أجد تناقضاً بين تخصصي ومجالات بحثي، كوني استفدت من العلوم الألسنية لقراءة الظواهر الاجتماعية، وبهدف إعادة قراءة الخطاب والواقع النسوي، انتقلت إلى شغفي في التدريس كونها المهنة التي أحبها، ولكن هناك قضايا أهتم وأعمل عليها فأصدرت كتابي الأول بعنوان 'رمزية الحجاب مفاهيم ودلالات' وتناولت فيه ما سبق من مؤلفات وآراء حول هذه القضية وتطرقت فيه إلى ما كتبته الرائدة النسوية نظيرة زين الدين في عشرينيات القرن العشرين في كتابها 'السفور والحجاب'، وعملت فيه على مفهوم الحجاب".

وأوضحت أن "كتابها الثاني 'القاضي والنقاب' هو كتاب عبارة عن سيرة ذاتية للقاضي سعيد زين الدين، أما كتابي الثالث فكان مع النسوية نوال السعداوي تحت عنوان 'نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الأنوثة والذكورة والدين والإبداع' وتضمن نقاشات مع نوال السعداوي في المواضيع الأربعة الموجودة في العنوان، بينما كتابي الرابع جاء تحت عنوان 'اليسار الماهية والدور' عالجت فيه قضايا وفلسفة اليسار، أما كتابي الأخير وفيه عودة للأدب وهو 'دروس شهرزاد' جمعت في هذا الكتاب اختصاصي والقضية النسوية التي تهمني، ومارست النقد الأدبي في خدمة نظرية فلسفية اجتماعية هي قضية الجندر، بالإضافة إلى مئات المقالات التي تتناول قضايا عدة وخصوصاً قضايا الجندر والمرأة".

 

"السفور والحجاب"

وعن كتابها المتعلق بالحجاب أشارت إلى أن "قضية الحجاب تمتد على حقبات تاريخية عدة، وبالنسبة لكتابي فقد ركزت بحثي على قضية الحجاب كممارسة اجتماعية سياسية مع النظام السياسي، فبرأيي لا فصل بينهم، فمفهوم الحجاب مرتبط بنيوياً بالنظام السياسي، خصوصاً عندما يكون مفروضاً بالقوة، فالحجاب في هذه الحالة لم يعد رداءً نسائياً، بل سلطة توقع حضورها ووجودها بالقوة على جسد المرأة، لذا فكل الأمور التي حصلت في الفترة السابقة وتحصل الآن في إيران، بالإضافة إلى أحداث متعددة منذ سنوات، تمثل ثورة للنساء على هذا الواقع، فعندما تخلعن الحجاب وكأنهن تخلعن السلطة، وتعبرن عن رفضهن لها، وبالمقابل تجبر السلطة النساء على ارتداء الحجاب وكأنها تقول أنا موجودة، لذا أصبح الحجاب أداة ورمز للصراع بين الناس والسلطة".

وأوضحت أن "قضية الحجاب ستبقى قضية راهنة إلى أن تتحول إلى عصر الحريات والاعتراف بالإنسان ككائن حر وعدم التحكم بحياته الشخصية، خصوصاً وأن قضية اللباس تتعلق بالحياة الشخصية والحريات الفردية".

 

رائدة النسوية نظيرة زين الدين

وقالت "كلبنانيين نستشهد بالرائدة النسوية نظيرة زين الدين، التي أصدرت في عام 1928 كتاباً تسوّق وتدافع فيه عن حق المرأة في السفور، ونظرت إلى الحجاب بمنظور حداثوي، وكانت تقول أن الرجل أو السلطة يريدان التقليل من شأن المرأة، فعندما يتعلق الأمر بالحجاب فأننا نتحدث عن مؤسسة متكاملة".

وأوضحت "تبرز أهمية قضية الحجاب طالما ليست هناك حرية في عالمنا، وطالما هناك تدخل للسلطة في حريات الناس، وترجعنا هذه القضية إلى كتابات عصر النهضة، حيث لم يُنظر إلى الحجاب كاستجابة لطقس ديني، فقد رأوه كمطلب سياسي لتطويق ومحاصرة النساء، وقد سوغت نظيرة زين الدين في كتابها السفور والحجاب مطالبتها بالسفور بمقاربة عميقة للغاية، فلم تجده مجرد لباس أو غطاء على شعر ووجه المرأة، بل كأداة لعزل المرأة عن الحياة العامة، وتحجيم دورها وحصرها بمهام محددة".

وأشارت إلى إن "نظيرة زين الدين التي كتب الكتاب وهي لم تبلغ من العمر 22 عاماً، تعرضت لهجمات ومضايقات وتم تهديدها بالقتل، وشتمت على منابر الجوامع ومن قبل رجال الدين وتم حرق كتابها، ولكنها ولمواجهة رجال الدين ألفت كتاباً آخر تحت عنوان 'الفتاة والشيوخ'، أوضحت أن هدفهم ليس الدفاع عن الدين، بل عن سلطتهم الأبوية"، مؤكدةً أن "نظيرة زين الدين تشكل نموذجاً للمرأة المتحررة والصلبة والمدافعة عن حقوق النساء بوجه الظلم والجور".

 

نوال السعداوي وإشكاليات حديثة

وحول تجربتها مع نوال السعداوي قالت "لم تستند ثقافتي النسوية على نوال السعداوي فحسب، بل احتجت لروافد وموارد عدة، ولكنها لا شك زرعت في داخلي وبأمثالي من النساء جذوة التمرد، وتبقى كرائدة نسوية عربية إحدى مرجعياتنا الأهم".

وعن بداية علاقتها مع نوال السعداوي وصولاً لكتابة المؤلف المشترك أوضحت "زرت مصر للمرة الأولى في العام 2010، وكان هدفي رؤية نوال السعداوي لا أي معلم تاريخي أو أي شخصية أخرى، كانت تدور بيننا نقاشات حول قضايا عدة تخص النساء والرجال، وقالت لي أن حديثنا مهم ويجب توثيقه لتتمكن من كتابته في جريدة "المصري اليوم"، إلا أنني اقترحت توثيق الحديث في كتاب عوضاً عن نشره في الجريدة، وأخذت على عاتقي كتابة المقدمة، وإعداد إشكاليات الحوار، الذي لم يكن حواراً عادياً، حيث تمت إثارة إشكاليات عدة يوضحها عنوان الكتاب "نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الأنوثة والذكورة والدين والإبداع"، وهي المواضيع التي تناولناها في الكتاب".

 

دروس شهرزاد

وعن كتابها الأخير "دروس شهرزاد" قالت "دخولي عالم ألف ليلة وليلة لم يكن سهلاً، لأنه عالم واسع جداً، فنحن نتحدث عن قصة شهرزاد وشهريار، وعن سرد استمر ألف ليلة وليلة، وتضمن 288 حكاية، والحكايات لا تشمل الثقافة العربية الإسلامية فحسب، بل تاريخ من الثقافات، المصرية، البابلية، البيزنطية والفرعونية وغيرها، حيث بدأت تدريجياً الدخول في 'عوالم' ألف ليلة وليلة".

وأوضحت أنها عملت على افتراض وحيد وهو أن شهرزاد تأتي كأفق جندري مغاير لزمانها، ولا تشبه النساء التقليديات، لتنعكس في أفق إشكالي معاصر، فلو كانت امرأة تقليدية لسمحت لشهريار بقتلها "النساء اللواتي تم سوقهن للذبح هن نساء تقليديات، فهي غير مطابقة للأدوار والخصال والجندرية، وهي ليست امرأة خاضعة، مستسلمة، مترددة، وهو ما أثبته في بحثي".

وأضافت "درست شخصية شهرزاد، كونها العالمة الأبرز في عوالم ألف ليلة وليلة، فاستطاعت لوحدها تغيير مسار المدينة ومسار شهريار نفسه وتغيير تاريخ البلاد والنساء، وأنقذت بنات جنسها بفضل معرفتها؛ لأنها امرأة مثقفة، ولا تشبه النموذج النسائي التقليدي، وتتمتع بخصال نفسية وعقلية استثنائية".

أما عن الدافع لقيامها بهذا البحث أوضحت "دافعي الأساسي هو إعادة اكتشاف بعض من ذكرياتنا، التي تشكل ألف ليلة وليلة جزء منها، والأدبية منها على وجه التحديد، وكنت أسعى لمعرفة من أين أتت شهرزاد وكيف تشكلت كأسطورة، ولإعادة قراءة النص بطريقة حداثوية، استخدمت الجندر لإعادة قراءة شخصية شهرزاد، فهي نموذج يمكن للمرأة المعاصرة الاقتداء بها".

وبينت أنها "عُملت على مدى عشر سنوات على نص ألف ليلة وليلة وبشكل متقطع، حيث قاربت هذه النصوص القديمة والتاريخية بأدوات نقدية حديثة وعصرية، لنستخرج العديد من المعاني، لأن التجارب البشرية تتقاطع بين البشر وشبيهة ببعضها البعض، فالإنسان القديم كان لديه رغباتنا وتطلعاتنا، ومن هذا المنظور يمكن أن نستنتج وقائع ونستخدمها كمرايا، فلدينا نموذج اجتماعي ليس مجازياً تماماً، حيث تتأرجح أحداث السرد بين الواقع والخيال، أي يمكن أن تمثل وثيقة تاريخية، فبعض حكايات الكتاب مستمدة من كتب تاريخية عربية، فليست العودة إلى ألف ليلة وليلة عودة للماضي وإنما تجسد واقعنا الراهن، فلم لا نستخدم الفن وفن الكتابة لتمرير رسائل معينة وإيجاد حلول لمشاكل عصرية، ومنها قضايا الجندر".

وعن مشروعها المقبل قالت عايدة الجوهري "أعمل على تأليف كتاب حول شخصية "زمرد" وهي شخصية متفوقة وامرأة قديرة، وسيتم إصداره قريباً".