تونسيات: الأنظمة الشوفينية تمارس سياسة الإبادة بحق النساء والأقليات في إيران

تقاوم الإيرانيات من أجل نيل حرياتهن وتحقيق المساواة بالعيش ضمن إطار يحترم النساء ولا يستعبدهن.

زهور المشرقي 

تونس ـ كانت الإيرانيات الدافع الأول وراء المظاهرات والاحتجاجات التي عاشتها إيران وشرق كردستان، منذ مقتل الشابة الكردية الإيرانية جينا أميني، وعبرن عن رفضهن التام لأي وصاية على أجسادهن.

لم تكن إيران في السبعينات بهذا الحال بل كانت دولة ليبرالية تحترم اختيارات النساء، بل كانت منارة في المكتسبات النسوية، إلا أن الثورة الإسلامية عام 1979، جاءت لتكبل تلك الحريات وتضع العديد من الحواجز أمام النساء وبدأت حينها بوضع قانون حاسم يفرض الحجاب وارتداء الملابس الإسلامية وفصل الفتيات عن الفتيان في المدارس.

وقد بدأت مع تلك "الثورة" معاناة النساء مع السلطة حيث جردن من حقوقهن في العمل بالتساوي مع الرجال وحرمن من ممارسة حياتهن بشكلها الطبيعي، في ظل سلطة تعتبرهن العبء الأكبر بسياستها التمييزية التي تترجم تلك المعاملة التي تصفها الإيرانيات بالسيئة.

وحال نساء إيران لم تتغير منذ الثورة الإسلامية التي جمعت بين الدين والسلطة مستمدة سلطتها من الدين، في دولة دينية لا مدنية، تعتمد قوانينها على الشريعة الإسلامية، حيث تؤكد السلطة أن التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وجب أن تستمد من الدين.

وتراكمت المعاناة مع تعمق وسائل قمع النساء إلى أن فجّرت حادثة مقتل جينا أميني الثورة الواعية التي قادتها النساء بقوة وثبات ومسؤولية، وهن الضحايا الأبرز في إيران، ضحايا قمع السلطة والمجتمع الأبوي، وتتعرض الأصوات النسوية الحرة اليوم لجميع أشكال التنكيل والاعتقال مع استمرار سياسة إسكاتهن بالقوة، التي رفضتها النساء وثرن ضدها، فلم يعد هناك ما يخيفهن.   

معاناتهن تتشابه مع الكرديات اللواتي تكابدن مر وقسوة الظروف الاقتصادية والاجتماعية وقمع واستهداف وتنكيل القوات التركية التي تحتل منطقتهن، حيث تتعرضن لشتى أشكال العنف لكنهن تكابدن بقوة الانتماء وحب الأرض وحلم الاستقرار والبناء والعيش الآمن في بلد تعددي ديمقراطي تضمن حقوقهن كمكون مقصي مهمش يعيش اللااعتراف في اللادولة.

 

الجمع بين الدين والسلطة فاقم معاناة النساء في إيران

وقالت الناشطة الحقوقية التونسية المهتمة بقضايا النساء في مناطق الصراع وشمال وشرق سوريا، سلوى قيقة، إن العنف المسلط على الإيرانيات يعود لعقلية أبوية متسلطة وأساساً للربط بين الدين والدولة، لافتة إلى أن النظام المدني فقط هو من يثبت حقوق الإنسان الذي يفصل بين الدين والدولة باعتبار أن الدين مسألة شخصية يمنع منعاً باتاً فرضها على الإنسان في القرن 21.

وأشارت إلى أن الجانب الإيديولوجي راجع للتسلط على الجنسين لا النساء فقط باعتبارهن دائماً الفئة الأكثر تضرراً وتأثراً، وزاد الأمر سوءاً تسلط العقلية الأبوية التي تعتبر نفسها أنها الوحيدة القادرة على ضمان الحياة الآمنة والمستقبل الأفضل للنساء، مشيرة إلى أن الإيرانيات والكرديات تتعرضن لإبادة نتيجة ايديولوجيا ترفض الاختلاف وتتفنن في اضطهاد النساء وفرض الوصاية عليهن.        

 

 

من رحم العنف والمعاناة تتفجر الثورة

وأكدت سلوى قيقة على أن العنف المسلط على هذه الفئة والأقلية في إيران وشمال وشرق سوريا خلق ردة فعل طبيعية من المجتمع الذي فهم تراجيدية الواقع وسوداويته فنهض منادياً بالحرية ومطالباً بالديمقراطية الفعلية لا الصورية رغم آلة القتل التي لم تهدأ وبرغم سياسة القمع للاحتجاجات وللثورة التي اتخذتها الحكومة في إيران لإسكات أصوات النساء الحرائر اللواتي نهضن من ركم الدمار والوجع وتشبثن بشعلة الثورة والفصل بين الدين والدولة. متطرقة إلى الوضع في تركيا حيث تعيش الأقليات وخاصة الكرد اعتداءات وإبادة أمام مرأى العالم ومسمعه، دون تحرك من الجهات الدولية لإيقاف نزيف العنصرية والكره والظلم.

وأشارت إلى أن العنف المسلط على الإيرانيات والكرديات في تركيا وشمال وشرق سوريا، لم يشهد له مثيلاً، مذكرة باغتيال جينا اميني ونساء من روج آفا قدن شعلة الثورة ضد المحتل التركي هناك وحملن السلاح لتحرير الأرض والمشاركة في القتال ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة، دون أن  تفوت الإشارة إلى ثورة الايزيديات  من أجل تحررهن من قبضة داعش في ملاحم سيخلدها التاريخ لكن تناستها السلطات السياسية لأن أبطالها من النساء.

وأضافت "لا ننسى أن نذكر أن الاحتلال التركي في شمال وشوق سوريا، يحارب الكرد لأنهم كرد فقط، عدائها مع المكون كان تاريخياً، وأن هناك عنف سياسي ضد الكرد في إيران وسوريا وترجمت بإقصاء المكون من السلطة زاده سوءاً العنف الأبوي ليصبح العنف مضاعفاً، لكن الجيد أن ذلك فجر وعياً مجتمعياً لمحاربة ذلك العنف انطلاقاً أولاً من الفصل بين الدين والدولة لأن الدين مسألة فردية وخاصة، والعلاقة بين الإنسان والعلاقة الشخصية لا يمكن أن تكون بوسيط أو أن يكون المجتمع بأكمله له نفس التوجه الديني".

وتطرقت الى ما أسمته بالإبادة للنساء في شمال وشرق سوريا من قبل المجموعات الإرهابية، وهو فعل إجرامي لم يشهد له العالم والتاريخ الحديث مثيلاً، حيث عانت النساء من الخطف والاغتيالات السياسية بسبب دفاعهن عن حقوق الإنسان وعن حقهن في الحياة الحرة والعيش ضمن أرض غير محتلة، داعية الى تكاثف الجهود في إطار حركة عالمية تجمع صفوف النساء وتنظمها لمساندة الكرديات والإيرانيات والليبيات وكل النساء اللواتي تعشن ظروفاً مشابهة يحيط بها التنكيل والتهميش.

وأكدت على أنه حان وقت أن تتجمع النساء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع المنظمات العالمية والهيئات الأممية لإيصال معاناة النساء والضغط على السلطات الاوتوقراطية المستبدة التي تنكل بالنساء وتعتبرهن مواطنات درجة ثانية، لاتخاذ قرارات حاسمة تحد من الجانب التسلطي الاستبدادي الذي تعانيه النساء، والذي خلفيته الضغط للرجوع الى منطق الفتوحات الإسلامية.

ودعت سلوى قيقة إلى وضع رؤية استراتيجية نسوية خاصة لوضع حد لتيار العنف الذي بات إرهاباً يستهدف النساء ويرعبهن بحماية النظام الأبوي والسلطة القمعية.

وأكدت على أنه "حان الوقت أن نتحد كنساء ضد كل التيارات التي تستهدفنا وتكبلنا وتوضع وصاية على أجسادنا وحرياتنا؛ في القرن 21 الذي يحتوي على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومختلف الاتفاقيات الداعمة للمرأة، من غير المعقول أن يكون وضع النساء في إيران وشمال وشرق سوريا بهذا الحال والنساء في أنحاء العالم صامدات دون موقف وتحرك رسمي، فنحن قوة أن خططنا نفذنا".

من جانبها قالت الناشطة التونسية النسوية والحقوقية، بسمة السوسي، بأن "وضع النساء في إيران ومناطق الصراع صعب يتطلب تكاثف مختلف الجهود النسوية الإقليمية والمحلية لمعالجتها وتحسينها والوقوف عند متطلباتها خاصة بعد الثورة النسوية التي عرفتها إيران بعد مقتل جينا أميني، ثورة خرجت للنور وعبرت عن  الرفض التام لأي وصاية على أجساد النساء"، مشيرةً إلى أن "التعرض للعنف يأتي من صورة النساء في المجتمع، حيث هناك من يريد إلزام النساء على الخروج في صورة معينة وزي معين، وحين ترفضن تلك الوصاية تجدن أنفسهن ضحايا لكل أشكال العنف والتنكيل".

وأضافت إنه "مهما سلط العنف على أي امرأة في أي مكان كانت ومهما كان ظرفها لن ترهب ولن تخشى ذلك القمع في سبيل حريتها وتحررها".

وأكدت الناشطة التونسية النسوية والحقوقية بسمة السوسي على أن "التونسيات سيكن دائماً حاضرات لدعم نساء إيران وشمال وشرق سوريا في حربهن من أجل حرياتهن وحقهن في العيش بسلام وأمان في أرضهن وسنكون مساندات وسنرفض أن يسلط أي ضغط على النساء بسبب لباسهن أو آرائهن أو مواقفهن السياسية، لا للوصاية على النساء".