مغربيات يتسلقن الجبال ويصلن أعلى القمم

يعتبر تسلق الجبال الشاهقة من الرياضات التي تحتاج جرأة وشجاعة، وتحتاج للياقة بدنية عالية وقوة احتمال فائقة، وقدرة على السيطرة والتركيز وخفة الحركة والتوازن

حنان حارت
المغرب ـ ، وقلما نسمع عن نساء يمارسن هذه الرياضة.
في المغرب وخلال السنوات الأخيرة، بدأت النساء تقتحمن هذا المجال ويحاولن الوصول لأعلى القمم وطنياً وعالمياً، كخطوة لإثبات الذات ومحاولة فرض وجود النساء في هذه الرياضة التي كانت حكراً على الرجال. 
 
قاهرة الجبال
تعتبر بشرى بيبانو البالغة من العمر 53 عاماً، أول مغربية تتسلق قمة إيفرست وهي أعلى قمة في العالم، لتصبح بذلك أول امرأة مغربية وشمال إفريقية وثالث عربية تحقق هذا الإنجاز، وتصنف بكونها أول مغربية تمكنت من بلوغ أعلى سبع قمم في العالم خلال أربع سنوات ما بين عامي 2011 و2015.
وحول كيفية بدء علاقتها مع تسلق الجبال تقول بشرى بيبانو لوكالتنا "بدأت علاقتي مع تسلق الجبال عندما كنت في العشرينيات من عمري، وكبداية قررت تسلق جبل توبقال الذي يعتبر أعلى قمة في شمال إفريقيا، وسابع أعلى قمة في إفريقيا، بعلو يصل لـ 4167 متراً، والذي يوجد في بلدي المغرب"، مشيرةً إلى أنها "تمكنت من إقناع والدي حينها بفكرة تسلق الجبل، ثم توجهت إلى مدينة مراكش ثم إلى ضاحيتها حيث يقع جبل توبقال، ونجحت في الوصول إلى أعلى القمة".
 
كسر النمطية
ظلت بشرى بيبانو حتى بعد زواجها مصممة على بلوغ القمم وكسير الصورة النمطية للمرأة، مشيرةً إلى أن "شريك حياتي كان يتقاسم معي نفس الشغف، لقد كان يرافقني في تسلق عدة قمم، حيث أقنعته سنة 2011 بالسفر إلى تنزانيا لتسلق أعلى قمة هناك، لم أحبط نفسي وتجرأت على الحلم، وكنت أقول لنفسي سأحاول وسأرى أين سأصل، جعلت تسلق الجبال هدفاً في حياتي وقمت بوضع خطوات لتحقيقه".
لم تقف طموحات بشرى بيبانو عند هذا الحد ففي حزيران/يونيو عام 2011، تسلقت الجبل الأبيض الذي يعد أعلى قمة في أوروبا الغربية، وبعد عام تسلقت قمة البروس وهي أعلى قمة في أوروبا وتقع في سلسلة جبال القوقاز.
ومع بداية عام 2014، اتجهت بشرى بيبانو إلى أميركا اللاتينية، وتسلقت قمة "أكونكاكوا" في الأرجنتين بعد محاولة فاشلة عام 2012، تقول عن هذه التجربة "لم أتمكن من وصول القمة لأن الرياح والعواصف كانت كثيرة وحالت دون استكمالي للرحلة، لكن ذلك لم يثبط من عزيمتي، حيث قمت بعدة تدريبات ما مكني من العودة والنجاح.  
وفي صيف عام 2014، تمكنت من بلوغ قمة دينالي، وهي أعلى قمة في أميركا الشمالية، وتقع آلاسكا في الولايات المتحدة الأميركية، وفي العام التالي توجهت إلى آسيا وهناك تسلقت "بيراميد كارستينس" أعلى قمة في إندونيسيا.
بعد كل هذه المغامرات والإنجازات، حطت بشرى بيبانو أمام نصب عينها تحقيق هدف آخر وهو تسلق أعلى قمة في العالم، ففي أيار/مايو عام 2017، حققت حلمها بالوصول إلى قمة إيفرست وهي أعلى قمة في العالم، لتحجز مكاناً لها بين الأبطال العالميين، ولتكون بذلك أول امرأة مغربية وشمال إفريقية وثالث عربية تحقق هذا الإنجاز.
 
صعوبات التسلق
وعن المخاطر التي واجهتها خلال ممارستها لرياضة تسلق القمم العالية تقول "من بين الصعوبات التي واجهتني البرد القارس، فكلما تمكنت من الصعود لأعلى تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، وهذا في حد ذاته قد يجعل المتسلق يتراجع، لقد مشيت بين الثلوج وسط انخفاض حاد في مستويات الأوكسجين وتحت العواصف، مثلاً جبل إيفريست تسلقته وسط برد شديد للغاية، إذ كانت درجة الحرارة تصل إلى 40 درجة تحت الصفر... كان الصعود إلى هذه القمة محفوفاً بالمخاطر، رأيت الموت بأم عيني عندما زلت قدمي وأوشكت على السقوط، لكن تمكنت من بلوغ القمة، وحينها شعرت بفرحة كبيرة".
ومن بين الصعوبات الأخرى التي واجهت بشرى بيبانو خلال مسيرتها الرياضية في مجال تسلق القمم العالية عبر العالم، توضح "التكاليف المادية أيضاً من بين الصعوبات التي واجهتني، فالانخراط في هذا العالم، والوصول إلى أعلى المستويات، يحتاج إلى أموال باهظة لشراء الملابس والمعدات اللازمة، إنها رياضة مكلفة بالمقارنة بأنشطة رياضية أخرى، وهو ما جعلني أبحث عن داعمين لتحقيق حلمي".
 
وسام ملكي
من بين الأحداث التي تفتخر بها بشرى بيبانو في مسارها هي حصولها على وسام ملكي، تستحضر هذه الواقعة قائلة "كان ذلك في 21 آب/أغسطس 2015، حينما تم استدعائي للقصر الملكي بمدينة طنجة بمناسبة احتفالات عيد الشباب ووشحني الملك محمد السادس بوسام الاستحقاق الوطني من درجة قائد، لقد شعرت بدهشة كبيرة لقد كان بمثابة حافز كبير لي خلال محطاتي المقبلة وجعلني أتحمس كثيراً لرفع علم بلدي في القمم التي أصلها ومن ثمة أعطي صورة مشرفة عن المرأة المغربية وكسر الصورة النمطية".
 
العمل الجمعوي
تشغل كذلك بشرى بيبانو منصب رئيسة اللجنة النسوية داخل الجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضة الجبل، وتحاول من موقعها هذا التعريف برياضة تسلق الجبال وتشجيع الفتيات على اقتحام هذا المجال الذي كان حكراً على الرجال "نعمل على تقوية المرأة والفتيات للتحرر من القيود التي يفرضها المجتمع، كما نعمل كذلك على إشراك فتيات القرى وتدريبهن على تسلق قمة توبقال؛ من أجل زيادة الثقة في أنفسهن ليصبحن قادرات على المضي وتحدي كل الصعاب التي تصادفهن في الحياة".
وعن طموحاتها لعام 2022؛ تقول "بعد سنتين من الراحة التي فرضتها جائحة كورونا، أتمنى أن تكون الأجواء مناسبة لتسلق سلسلة الهملايا التي تفوق 8000 متر، أعتبر ذلك تحدياً كبيراً خاصة خلال هذه الفترة من حياتي".
 
أول مغربية برفقة رضيعها تصعد قمة جبل
ابتسام عزاوي شابة مغربية هي الأخرى يسكنها نفس الشغف؛ تتسلق القمم العالية في المغرب، لكنها اختارت في تحديها الأخير على خوض مغامرتها برفقة رضيعها الذي لا يتعدى أربعة أشهر، لتسجل وإياه تحدياً جديداً كأول مغربية برفقة رضيعها تتمكن من الصعود لقمة جبل توبقال، عن هذا التحدي تقول ابتسام عزاوي لوكالتنا "عندما قررت خوض التجربة تركت كل الخوف جانباً وعزمت على الوصول إلى قمة الجبل وتجاوز كل الصعاب من أجل ابني، فعندما بدأت بتسلق الجبل لم أكن أنظر لأعلى حتى لا أتراجع وحتى لا يدب الخوف في أوصالي ولا أشعر بالتعب، لقد وضعت هدفاً نصب عيني هو الحفاظ على ابني والوصول به إلى قمة الجبل، وبالفعل تمكنت من ذلك، وكانت تجربة في غاية الروعة".
 
بداية المغامرة
وعن بدايتها مع التسلق تقول "الأمر بدأ منذ الطفولة، كنت أتسلق الأشجار ثم تطور الأمر للجبال، حيث كنت أستخدم وسائل ومعدات وأدوات تسلق القمم ثم جربت التسلق بدون أي معدات في الشلالات أيضاً صعوداً ونزولاً.
وعن شعورها وهي تمارس رياضة تسلق الجبال تقول "التسلق لا يعني التهور بل يعني التمتع، ويجعلك تحب الأماكن وتحترم الآخرين، ويصبح لديك الإصرار للوصول إلى الهدف والتحرر من قيود الروتين اليومي والاستمتاع بالطبيعة، وأكيد أن كل ذلك يجعل الشخص يشعر بإحساس مختلف عما يشعر به أي إنسان آخر، هناك سعادة لا يمكن وصفها وقناعة كبيرة تطبع حياتك".
 
فرص النجاح
ولممارسة رياضة تسلق الجبال، تقول ابتسام عزاوي أنه يتعين التدريب الجاد من أجل زيادة فرص النجاح، لأن رياضة التسلق بالنسبة للنساء هي رياضة صعبة، وتحتاج إلى جهد كبير وإرادة وطاقة، مشيرةً أن للتسلق أنواع كثيرة "هناك أنواع كثيرة لتسلق الجبال، هناك التسلق بالمعدات والحبال أو بدون ذلك، وكذلك التسلق بالأقدام أو تسلق الشلالات المتواجدة بالجبال أو تسلق الهضاب الرملية أو المضايق الجبلية أو تسلق الأشجار والمباني، وتوجد عدة مستويات من التسل"‫.‬‬‬‬‬‬
‬وحول ما إذا كانت تمارس رياضة التسلق لوحدها دون مساعدة توضح "لا يمكن ممارسة رياضة التسلق لوحدك، فالمتسلق يحتاج لمساعدة ومرافقين، ومختصين ومحترفين آخرين"، لافتةً إلى أنها تهاب المرتفعات والممرات الضيقة "لكني لا أخاطر بحياتي؛ لا أحب المغامرات الشائكة وغير المحسوبة‫، لهذا قبل اتخاد قرار تسلق أي جبل أضع خطة وأدرس الأمر جيداً، فأنا أحب الحياة وأحرص على حماية نفسي من المخاطر‫، فتسلق الجبال لا يعني التهور بل التمتع".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وأكدت في ختام حديثها على أن "التسلق ليس سهلاً وليس صعباً كذلك، يمكن لأي امرأة أن تمارسه، يجب أن تكون لديها عزيمة وإرادة وطموح لتحقيق الهدف ومن ثم الخضوع لتدريبات مكثفة من أجل النجاح في مهمتها"، موضحةً أنها لا ترى أن هناك مجالاً حكراً على الرجل لوحده، بل يمكن للمرأة اقتحام أي ميدان مهما كان صعباً، وبإمكانها إثبات قدراتها فيه وتحدي الصعاب مهما كانت.‫‬‬‬‬‬‬