الشهيدات الثلاث تركن خلفهن مسيرة حافلة بالنضال (3)

لأكثر من 20 عاماً عاشت وكافحت وناضلت من أجل تحرير الشعوب وعلى وجه الخصوص تحرير المرأة من أفكار المجتمع الأبوي.

هبون ملا خليل... خاضت العديد من الصراعات لنصر قضيتها

نورشان عبدي

كوباني - خاضت هبون ملا خليل 21 عاماً من النضال التنظيمي والعسكري في سبيل حرية أرضها والمرأة، كما وفقدت حياتها من أجل بناء مجتمع حر ومنظم وديمقراطي.

قصفت الدولة التركية في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو عام 2020 قرية حلنج التابعة لمدينة كوباني بشمال وشرق سوريا بطائرات مسيرة، وأسفر الهجوم الذي استهدف منزلاً مدنياً عن استشهاد عضو الإدارة في مؤتمر ستار هبون ملا خليل، وعضوة منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات زهرة بركل وصاحبة المنزل أمينة ويسي.

إحدى النساء الثلاث اللواتي فقدن حياتهن في قرية حلنج هي هبون ملا خليل التي قدمت مقاومة وتضحيات كبيرة خلال 21 عاماً، حيث خاضت نضالاً ومقاومة قوية وقاتلت بشدة في جبال كردستان وأصيبت عدة مرات أيضاً وشاركت في ثورة روج آفا ومقاومة كوباني.

 

المناضلة المدافعة عن قيم الشهداء

ولدت هبون ملا خليل عام 1981 في قرية حلنج الواقعة شرق مدينة كوباني، لكن بسبب شراء عائلتها قطعة أرض في قرية بندر غرب مدينة كوباني، استقروا في تلك القرية، ولديها 9 أخوة و13 أخت، درست المرحلة الابتدائية في كوباني، ثم تخلت عن تعليمها وانضمت لحركة حرية كردستان.

عائلة هبون ملا خليل من أقدم العائلات الوطنية في كوباني ولأنها نشأت على أساس قومي ووطني وترعرعت في تلك العائلة، تعرفت وأتقنت جيداً فكر القائد عبد الله أوجلان وحركة حرية كردستان، لذلك بدأت نضالها متأثرة بالمؤامرة الدولية ضد القائد أوجلان في 15 شباط/فبراير عام 1999 وانضمت إلى صفوف حركة الحرية.

قدمت هبون ملا خليل بشخصيتها النشطة والمطلعة والمتواضعة نضالاً ومقاومة كبيرة في جبال كردستان لمدة 19 عاماً، ومع اندلاع ثورة روج آفا في 19 تموز/يوليو عام 2012 توجهت إلى مناطق شمال وشرق سوريا لتقوم بدورها ومهمتها ضمن ثورة المرأة.

وشاركت وحاربت ضد الهجوم الذي شنته مرتزقة داعش على مقاطعة كوباني عام 2014 وقادت وحدات حماية المرأة في مقاومة كوباني، وقاتلت دون انقطاع منذ اللحظات الأولى من بداية الاعتداءات وحتى تحرير المدينة، ودافعت عن مكتسبات ثورة 19 تموز/يوليو وعن قيم الشهداء وذلك من خلال نضالها ومقاومتها ضمن مقاومة قلعة المقاومة كوباني.

بعد هزيمة مرتزقة داعش على أرض كوباني في 26 كانون الثاني/يناير عام 2015 بدأت هبون ملا خليل العمل التنظيمي والاجتماعي ضمن المؤسسات النسوية وبروحها الفاعلة والتنظيمية والمضحية وبشخصيتها المتواضعة احتلت مكانة في قلوب الجميع وخاصةً في مقاطعة كوباني، فقامت بتعليم النساء على أساس فكر القائد عبد الله أوجلان وقادت نضال النساء لبناء مجتمع حر ومنظم وديمقراطي، لقد قدمت تضحيات كبيرة وقامت بأعمال مهمة على مستوى مناطق شمال وشرق سوريا من أجل المرأة وحقيقتها ضمن المجتمع.

 

عملت لتحقيق أهدافها

حاربت ضد القوى المتآمرة والذهنية الرجعية والسلطوية ومرتزقة داعش والمرض أيضاً، ففي عام 2016 شخصت إصابتها بالسرطان لذلك تم استئصال أحد ثدييها، وعلى الرغم من مرضها وتدهور وضعها الصحي في الأعوام الأخيرة إلا أنها لم تتخلى عن نضالها وعملت على رفع مستوى المرأة وتحقيق أهدافها يوماً بعد يوم.

تستذكر الناطقة باسم مؤتمر ستار في ناحية شيران بإقليم الفرات سلام عطي الشهيدة هبون ملا خليل وتقول "في ذكرى مجزرة حلنج نستذكر ذاك الوجع مجدداً، فلقد عملت مع الشهيدة هبون ملا خليل لفترة من الزمن في مركز مؤتمر ستار في شيران. تلك الفترة كانت كافية لأتعرف على تلك الشخصية القوية والمناضلة في سبيل حرية أرضها وتحرير النساء، واستطعت تعلم الكثير منها، وخلال فترة عملنا معاً كان لها تأثير واضح على العاملات في المركز وأنا من بينهن".

أضافت سلام عطي "تعملنا من الشهيدة النضال والمقاومة فمن أجل تحرير امرأة واحدة كانت تعمل لساعات متواصلة وكانت تعتبر تدريب وتحرير كل امرأة نصراً لها، ولقد تحلت بالكثير من الصفات المميزة التي كسبت من خلالها ثقة ومحبة الناس، عندما نأتي إلى المركز صباحاً نراها على رأس عملها، كانت تقول يؤلمني كثيراً عندما أقوم بزيارة الأهالي أن أرى بأن هنالك المئات من النساء ما زلن تتعرضن للعنف وبكافة أشكاله، لكنهن لن تستطعن تحرير ذواتهن من تلك العبودية لذلك كانت هبون تعمل بحب وإصرار لكي تصل لكافة النساء".

ولفتت إلى أن الشهيدة هبون ملا خليل وبشكل يومي كانت تنظم مجموعات للخروج إلى القرى والمنازل للاستماع إلى النساء وتوعيتهن ولكي تتعرفن على حقيقتهن وهويتهن، "ساهمت بتدريب العديد من النساء وعملت أيضاً على تعريفهن بمؤتمر ستار كانت تقول يجب على جميع النساء التعرف على مؤتمر ستار لكي تتعرف كل امرأة على ذاتها وحقيقتها".

 

"سنكمل مسيرة نضال هبون ورفاقها" 

حاربت هبون ملا خليل ضد الذهنية الذكورية والسلطوية التي كانت تحاصر المرأة من كافة الهجمات بحجج معتادة كالعادات والتقاليد، لكن هبون استطاعت محاربة تلك العادات وتجاوزتها وناضلت لكي تتجاوز كل امرأة تلك العادات البالية التي كانت وما زالت تعيق طريق حرية النساء في الكثير من المجتمعات.    

قالت سلام عطي عن تأثرها بالشهيدة "تأثرت كثيراً بشخصية المناضلة هبون ملا خليل الاجتماعية عندما كنا نناقش ونزور المنازل كانت تزرع المحبة، كان لها تأثير على فكر وثقافة الأهالي وتستطيع إقناع الشخص الذي تناقشه برأيها ومبدأها، وأنا أيضاً تأثرت بذلك كثيراً وحتى هذا اليوم عندما نزور المنازل يتحدث الناس عنها وعن مدى تأثرهم بفكرها الحر، وعن مدى تأثرهم باستشهادها بهذه الطريقة المروعة".

وتؤكد سلام عطي أن هبون ملا خليل "اوجعتنا باستشهادها وحتى اليوم لن نستطيع نسيانها ونسيان ملامح وجهها وتصرفاتها، المجزرة التي ارتكبت بحق النساء الثلاث لم تكن الأولى بحق النساء الكرديات والتاريخ يشهد على استهدافهن من قبل القوى المهيمنة فلا ننسى مجزرة باريس ومجزرة كوباني التي راحت ضحيتها المئات من النساء أيضاً، فالنساء مستهدفات لأنهن الركيزة الأساسية في بناء المجتمع والمرأة هي من توجه المجتمعات للطريق الصواب. المناضلات الثلاث زهرة وهبون وأمينة بحثن عن حرية النساء لهذا نفذت بحقهن تلك المجزرة، وعلى هذا الأساس نحن كنساء في مؤتمر ستار نعاهد بأننا سنسير على خطاهن ومسيرة نضالهن. المجزرة كانت مأساة بالنسبة لنا ولكن من جهة أخرى أصبحت مصدر قوة وإصرار لكي نتبع خطوات الشهيدات لنأخذ بثأرهن".