رفضن الانحناء للاحتلال واخترن العمل في اللجان التنظيمية

رفضت المهجرات من مدينة عفرين بشمال وشرق سوريا، أن يكنَّ ضحايا للاحتلال، فعمدنَّ إلى تنظيم أنفسهنَّ في المجالس والكومينات والمؤسسات النسوية والاجتماعية، لكي يتمكن من تخفيف وطأة تأثير النزوح عليهنَّ.

فيدان عبد الله 
الشهباءـ
عفرين هي بقعة جغرافية صغيرة تساوي 2% من مساحة سوريا، احتلتها تركيا في 18 آذار/مارس 2018 لتبدأ رحلة التهجير القسري لأهلها، وبالرغم من أن المرأة كانت المتضرر الأكبر من هذه الحرب، تمكنت من النهوض بنفسها مجدداً من خلال اللجان التنظيمية الذي اختارته طريقاً لها.
 
المرأة في عفرين كانت السباقة لتنظيم نفسها
كانت عفرين التي تضم سبع نواحي وهي "شران، شيخ الحديد، جنديرس، راجو، بلبل، المركز، معبطلي"، و366 قرية، السباقة إلى المشاركة في نهضة المرأة التي حدثت إبان روج آفا عام 2012، فسارعت النساء فيها إلى تنظيم أنفسهنَّ والمشاركة في جميع النشاطات والمجالات.
انضمت النساء إلى الدورات الفكرية والعسكرية التي افتتحتها الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، والتي هدفت إلى تعريف المرأة بحقيقتها، ودعمهنَّ أكاديمية مؤتمر ستار للتدريب والتوعية، منذ بداية عام 2012، وحتى اليوم.
كما أن النساء انخرطن في الجانب الاقتصادي وافتتحن ورش خاصة لتعلم العديد من المهن لتحقيق استقلالهن الاقتصادي. ومنها مطعم المأكولات الشعبية "آرام" الذي افتتح في 28 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017، بجهود ثلاث نساء.
 
تنظيم المرأة في عفرين خلال الهجمات التركية
خلال فترة هجمات تركيا ومرتزقتها في عام 2018على عفرين، والتي استمرت لمدة 58 يوماً، باستعمال أسلحة ثقيلة ومتطورة لم تتوانى المرأة المنظمة عن تقديم الدعم والعون من أجل حماية بلدها، فهبت إلى خنادق القتال، وعالجت الجرحى، وخرجت لتشييع الشهداء، وتحت القصف شاركت في الفعاليات الداعمة للمقاومة، واستشهدت العديد من النساء في سبيل درء الخطر عن عفرين، في مقاومة سميت بـ "مقاومة العصر". 
ولعل المتضرر الأكبر من الهجمات على عفرين هي المرأة التي تعرضت لـ "القتل، الاغتصاب، الترهيب، الاختطاف، التهجير".
وفي 18 آذار/مارس 2018، وبعد اشتداد الهجمات، والصمت الدولي حول ما يجري على أرض عفرين، أجبر أكثر من 167 ألف شخص من أهالي عفرين على النزوح القسري نحو مقاطعة الشهباء، لتفتتح الإدارة الذاتية خمس مخيمات للمهجرين في قرى شيراوا بعفرين ومقاطعة الشهباء، وساعدت النازحين الذين يقطنون في المنازل المدمرة في المنطقة.
ففي الشهباء هناك ثلاث مخيمات وهي "مخيم برخدان وفيه 850 عائلة، مخيم سردم ويضم 650 عائلة، ومخيم عفرين وفيه 102 أسرة"، أما في ناحية شيراوا فهناك مخيم افتتح في تشرين الأول/أكتوبر 2018، في قرية زيارة ويضم 140خيمة، إضافة لمخيم الشهباء الذي افتتح في عام 2016، وفيه المئات من الأسر المهجرة. 
 
بعد التهجير لملمنَّ شتاتهنَّ ليبدأنَّ مرحلة جديدة من المقاومة
لم يكن ترك المنزل والأرض قسراً أمراً سهلاً، إلا أن الاستسلام خيار غير متاح لدى أهالي عفرين ولا سيما النساء منهم، فما كان منهن إلا أن قاومنَّ ليُعدنَّ تنظيم أنفسهنَّ من جديد، متسلحات بالإرادة القوية، وبهذا بدأت المرحلة الثانية من مقاومة العصر.
بدأ مؤتمر ستار بزيارة جميع المنازل، للنقاش مع النساء، وبعد تشكيل الكومينات والمجالس، تم تعيين عضوة لمؤتمر ستار في جميع مراكز الكومين، لتسهيل الوصول إلى النساء، وكثف المؤتمر من الدورات التدريبية، التي كان لها الأثر الأبرز في إعادة هيكلة وضع المرأة من جديد، على الرغم من العوائق التي تعرضت لها خلال ثلاث أعوام من التهجير القسري.
وافتتحت أول دورة تدريبية مغلقة لأكاديمية مؤتمر ستار في الشهباء، أطلق عليها اسم الشهيدة "تاكوشين" في الأول من كانون الثاني/يناير 2019، وانضمت إليها أكثر من 20 امرأة، تلقينَّ خلالها دروس عن تاريخ المرأة، ومشروع الأمة الديمقراطية.
وسعت المرأة للمشاركة في المشاريع التي تؤمن لها الاستقلال الاقتصادي، وحضرت سلسلة الاجتماعات الدورية والندوات الحوارية التي عقدها مؤتمر ستار، من أجل مناقشة سبل تقدم المرأة وتطورها بعد التهجير، إضافة لمساهمتهنَّ في العديد من المراكز الداعمة للمرأة كـ "اتحاد المرأة الشابة، هيئة المرأة، حركة الهلال الذهبي، مركز أبحاث المرأة (الجنولوجيا)". 
تقول العضو في لجنة التدريب بمجلس عوائل الشهداء هيفي سليمان، إن المرأة هي المتضرر الأكبر من الحرب، إلا أن ثورة روج آفا غيرت هذا الواقع، وتطور نساء عفرين خير دليلٍ على ذلك.
وتشير إلى أن نساء عفرين نظمنَّ أنفسهنَّ في المجالس، والكومينات، والمؤسسات، وتدربنَّ من أجل تقوية الجوانب الضعيفة في حياتهنَّ العملية "واجهنَّ صعوبات النزوح وسعى الاحتلال التركي على غرس الهلع وعدم الثقة بينهن، عبر التهديدات والأفعال الترهيبية بحق من تبقى من أهالي عفرين فيها بعد الاحتلال". 
وتتابع "قصفوا مأوى المهجرين، إلا أن هذه الخطوة بائت بالفشل، وعلى الرغم من أن الشهباء كانت إحدى محطات مرتزقة داعش، إلا أن المرأة أعادت الحياة إلى أرضها، من خلال مقاومتها منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم".
وترى هيفي سليمان أن هذا الترابط بين النساء، رغم جميع الظروف، يعود الفضل فيه إلى فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان "استمدت المرأة قوتها من تاريخ المجتمع الطبيعي، ومشروع الأمة الديمقراطية".
فيما تبين عضوة لجنة المرأة في مجلس مقاطعة عفرين فكرت عبدالو سبب اختيارهم لمقاطعة الشهباء عقب تهجيرهم "أردنا أن نكون في أقرب نقطة إلى عفرين، واليوم نحن جميعاً نقاوم من أجل العودة، على الرغم من أن بعضنا يعيش في أماكن مختلفة".  
وتقول "في الأيام العشرة الأولى من النزوح عملنا على افتتاح الكومينات في القرى والنواحي، وبهذا كنا قادرين على التواصل بشكل غير مباشر مع الأهالي، للمساهمة في مساندة المهجرين، وتأمين احتياجاتهم اليومية، ومن هنا بنينا الأساس لإعادة تنظيم أنفسنا". 
وتضيف "شكلنا بعد ذلك المجالس في النواحي باجتماع رؤساء الكومينات والبلديات، وحتى هذه اللحظة يستمرون بعملهم، وبهذا وصلنا إلى تشكيل مجلس مقاطعة عفرين في الكومين، والبلدات، والنواحي، وبعدها شكلنا لجان خاصة لتقديم الخدمات للأهالي، وهكذا وسعنا عملنا". مشيرةً إلى أن هذه الأعمال شهدت تفاعل الأهالي وانضمامهم إليها، وقبل عامين تجددت انتخابات هيئات الإدارة الذاتية الديمقراطية في عفرين.
ولأن لجنة التدريب كان لها دور أساسي وفاعل في إعادة التنظيم، تقول "عملت اللجنة على تقوية الهيكلية التنظيمية، وافتتحت أكاديميات عدة لهذا الغرض، منها أكاديمية الشهيد بولات وفرهاد في عام 2019، وأكاديمية مؤتمر ستار وكانت فيها العديد من الدورات".
وتبين فكرت عبدالو أن الدور الأبرز في تنظيم النساء يعود لمؤتمر ستار "ساهم في فتح باب الحوار أمام النساء والتوصل إلى حلول لمشكلاتهنَّ، وأبوابه كانت ولا تزال مفتوحة أمام كل امرأة".
تؤكد الرئيسة المشتركة للكومين الخامس في ناحية الأحداث بمقاطعة الشهباء أمينة خلولك، على أن النزوح خلف أثراً نفسياً سيئاً لدى جميع المهجرين "كانت المرة الأولى التي نترك فيها ديارنا خلال الأزمة السورية، ولهذا سعت إدارة عفرين لجمع وتنظيم أهلنا، عبر سلسلة من الاجتماعات، ناقشوا فيها الأوضاع السياسية والتغيرات التي طرأت على المنطقة والمؤامرة التي استهدفت أرضنا".
وتضيف أنه وبناء على ذلك، تجمعوا وافتتحوا المؤسسات الداعمة لهم، وانضموا إلى التدريبات الفكرية المفتوحة والمغلقة، والتي كان لها الأثر الفعال في بناء شخصية النساء بشكل خاص "افتتحت تدريبات لتعليم اللغة الكردية، كان الهدف منها الحفاظ على ثقافة وتراث الشعب الكردي، في وقت تعمد فيه تركيا إلى استعمال سياسة التتريك في الأراضي المحتلة". 
وأكدت أمينة خلولك على أن خلاص النساء يكون من خلال التمسك بالفكر الحر، وعدم التخلي عن تنظيمهنَّ، "هذا التنظيم سيضمن تحرير عفرين".