نسويات تربطن ارتفاع نسب العنف بالعقلية الأبوية والأزمة الاقتصادية

تنخرط تونس كسائر بلدان العالم في حملة الـ16 يوماً الدولية لمكافحة جميع أشكال العنف ضد النساء، بهدف الحد من العنف المسلط على النساء وللتوعية بخطورته على تماسك المجتمع.

زهور المشرقي

 تونس ـ تربط النسويات في تونس العنف بالعقلية الأبوية المتفاقمة، التي ترى في تعنيف النساء وقتلهن "انتصار لرجولة مزيفة"، وتحذرن من ارتفاع النسب في ظل وجود قانون يحميهن.

حول العنف الذي يمارس على النساء والعقلية الأبوية التي تفاقمت في تونس قالت الناشطة النسوية مريم الهمامي لوكالتنا، إن العنف ضد النساء متشعب ومقسم لأشكال كثيرة منها العنف الاقتصادي والعنف الجنسي والمجتمعي والنفسي، لافتة إلى المفارقات التي تعيشها التونسية حيث حصلت على العديد من القوانين بفضل نضالاتها منذ عهد الاستقلال والتي ظلت حبراً على ورق وأبرزها القانون رقم 58 الصادر عام2017 والذي لم يحد من نسب العنف ضد النساء.

ولفتت إلى أن صمت النساء وعدم قدرتهن على التحلي بالشجاعة الكافية لكسر التابوهات التي ترتكز عليها المجتمعات الأبوية نتيجة الثقافة الرجعية المنتشرة وراء تلك النسب والتجارب المأساوية في قتل النساء التي باتت يسمع عنها بشكل يومي، مؤكدة أنه على النساء تجاوز تلك العقلية السوداوية التي تقول إن المرأة المعنفة من قبل زوجها أو شقيقها يجب أن تصمت وتحفظ كرامة أسرتها "بل يجب عليها فضح المعنف ومقاضاته وعدم التزام الصمت تجاه العنف مهما كان مصدره وبفضحه بإمكاننا القضاء ولو نسبياً على الآفة التي تنخر أجساد ونفسيات النساء".

وأوضحت أن العنف الاقتصادي المسلط على النساء في تونس، يتجلى أولاً في حرمانها من فرص العمل في سوق العمل وتفضيل الرجال في صورة ظلامية وتمييزية تفضح عدم تكافؤ الفرص، مشيرةً إلى أن انعدام تمكين النساء اقتصادياً أشد وأقسى أنواع العنف التي يجب محاربتها، مشددة على أن عدم اكتساب النساء قوة اقتصادية تجعلهن أداة هشة يمكن استغلالها وتعنيفها "نحن كنساء نعلم جيداً أن القوة تستمد من العمل والمال بالتالي حرماننا من هذا الحق يجعلنا في موقع ضعف يمارس علينا شكل من العنف ونحن لا نعلم".

وأكدت على إن "النساء اللواتي تنددن بالعنف وتعلن رفضهن وتحاربن هذه الآفة بالصوت العالي هن نساء متمكنات اقتصادياً ومستقلات مادياً، العنف مرتبط في كثير من الأحيان بالوضع الاقتصادي للنساء وهو ما أثبتته دراسات محلية ودولية".

وعن كيفية محاربة التمثلات الاجتماعية الخاطئة لكبح جماح المعنّف والتي تجعل النساء تقبلن العنف وتصمتن قالت "حين يمارس الشاب العنف على شقيقته بسبب مظهرها أو خروجها متأخرة وبعلة المس من كرامته كرجل، هنا يبدأ دور العائلة بتدخل الوالدين لإبراز الأدوار والتأكيد أن للابن سلطة على نفسه فقط لا على شقيقته، وحينها يفهم أن للفتاة نفس حقوقه ولها السلطة الكاملة لممارسة حياتها دون ضغوطات وعنف ووصاية ما دامت واعية وغير مخطئة، التنشئة الاجتماعية شيء مهم لخلق جيل متوازن، يقبل الاختلاف ومؤمن بحقوق النساء ومدافع عنها، ليس عيباً أن نعطي المرأة حقوقها انطلاقاً من أسرتها، العيب أن نحتكر حقوقها ونضطهدها بسبب عادات وتقاليد رجعية".

وأوضحت أن "الطفل يأخذ نموذج والديه، فالأسرة هي أول مدرسة لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والنساء ومبادئ نبذ التمييز والعنف والسلطة والإقصاء، من واجبنا تربية أبناءنا أن لغة الحوار هي أفضل لغة وأن التواصل وقبول الآخر واجب انساني".

 

 

ومن جانبها قالت الناشطة النسوية والحقوقية بسمة السوسي "لا أبرر العنف لكنني فقط أقدم وأفسر الواقع وأعطي نتيجة حتمية للواقع الاقتصادي السيء، فارتفاع نسب العنف هي نتيجة إحباط وضعف في المقدرة الشرائية، فحين لا يوفر الرجال الحاجيات الأساسية للعائلة ذلك الاحباط يعود بالسوء على النساء الفئة الأكثر تضرراً من كل الأزمات".

 

 

وتربط المختصة في علم الاجتماع، صبرين عجرودي، ارتفاع نسب العنف بكل أشكاله على النساء بالنظرة الدونية لهن التي تستصغرهن وترى في التعنيف طريقة لـ "تربيتهن"، وهو تفكير أبوي رجعي، زادت ترسانة القوانين الموجودة التي لم تنجح في الحد منه من تعميقه.

وأضافت "إن محاربة العنف في تونس والذي بلغ مرحلة قتل النساء بكل الطرق الفظيعة يتطلب تظافر الجهود بين الطرفين".

وقالت إن "التنشئة الاجتماعية التي تبدأ من الأسرة والمدرسة لها الدور الأبرز في محاربة العنف وخلق جيل رافض لهذه الآفة وأن الطفل يتربى حسب التفاعل بين والديه، فحين يشاهد تلك التفرقة والتمييز في التعامل بين الأخوة سيمارسها مستقبلاً على زميلاته في الدراسة والعمل وأيضاً على زوجته في المستقبل"، مبرزة أهمية التركيز انطلاقاً من العائلة على التربية السليمة المبنية على حقوق الإنسان والنساء والتي تكرس ترسيخ العدل والمساواة المبنية على الجنس والنوع الاجتماعي ونبذ العنف والإقصاء.

وأشارت إلى أنه عندما يتم تربية الفتاة على دور المطيعة لطلبات شقيقها والقائمة بأعمال المنزل، فهي أخطر أنواع العنف، حيث تتنامى لدى الطفل تلك النزعة التي تجعله يشعر أنه فوق الجميع، وأن المرأة أدنى مرتبة منه، وأن اتباع هذه السلوكيات في التربية من شأنها حصر دور النساء في المطبخ والمنزل، وبالتالي تستمر رحلة التمييز والنظرة الدونية لجيل من النساء.

ودعت المختصة في علم الاجتماع، صبرين عجرودي النساء إلى محاربة فكرة وضع وصي يراقب أفعالهن وتصرفاتهن، ومعالجة الأفكار التي تحدد أدوار النساء ليتفنن في ممارسة أشد أنواع العنف ضدهن.