مسنات يلتحقن ببرنامج محو الأمية في قطاع غزة

يتعجب المار فور دخوله لجمعية رعاية كبار السن في قطاع غزة من تلك الأصوات الواهية المرددة لحروف اللغة العربية

رفيف اسليم
غزة ـ ليجد فور اجتيازه الممر الضيق مجموعة من النساء غالبيتهن قد تجاوزن السبعين من العمر تجلسن وهن ملتفات حول طاولة تدون حروف اللغة العربية على الكراسة الخاصة بهن لتتابع المعلمة تصحيح بعض الأخطاء التي تقع بها بعضهن.
وعن برنامج محو الأمية قالت سمية بركات أحد الملتحقات بالبرنامج أنها أصبحت عضوة في جمعية رعاية كبار السن لإشغال وقت فراغها بشكل مفيد، فبرنامج محو الأمية منحها الفرصة وهي في نهاية العمر كي تتعلم القراءة والكتابة مما أعطاها دفعة من الأمل في أنه ما زال هناك شيء لتفعله وتعيش من أجله، لافتةً إلى أنها كانت تواجه مشاكل عدة عندما يطلب منها الاطلاع على الأوراق الرسمية فتضطر أن تلجأ إلى أحد أفراد العائلة التي تثق بهم ليقرأ المحتوى قبل أن تبصم.
وأشارت سمية بركات التي لطالما أمسكت بالعديد من الأوراق وتمنت أن تعرف مكنونها أنها الآن تستطيع أن تقرأ الترويسة المعنونة بشهادة ميلاد مثلاً أو بطاقة تعريفية لأحد المكاتب أو المحلات التجارية كما أنها تعلمت الأرقام وكيفية كتابتها، مضيفة أن البداية كانت صعبة لكنها استطاعت اجتيازها بالعزيمة والأمل وحدها دون طلب المساعدة من أفراد عائلتها.
 
 
بينما قالت انشراح شاهين أنها أصبحت تستطيع أيضاً قراءة ما يكتب على اللافتات المعلقة إضافة إلى العبارات الملصقة على الشاحنات المتحركة وكتابة اسمها باللغة العربية كاملاً على الأوراق الثبوتية لتستغني أخيراً بعد مرور تلك السنوات عن البصمة وهذا يشكل انجاز بالنسبة لها خاصة أنها لم تلتحق بالمدرسة في صغرها، معبرة عن فرحتها عندما تسير في الطرقات وتحاول قراءة أي نص تصادفه وتنجح بالفعل.
وبالرغم من تجاوزها العقد الخامس من العمر كان لا زال لديها دافع قوي لتعلم القراءة، الأمر الذي تطلب منها الكثير من الصبر والمثابرة حتى استطاعت تحقيقه، مشيرةً إلى كراستها التي كانت دليل واضح على مدى تنظيمها وحرصها على أن تستمر كطالبة لتستطيع عما قريب الالتحاق بمقاعد الثانوية العامة ثم الجامعة في ظل قضائها لساعات من التعلم برفقة زميلاتها بعيداً عن جو المنزل وسط إطار تفاعلي ينبض بالأمل. 
 
 
ولفتت يسرى مطر القائمة بدور المدرسة في برنامج محو الأمية منذ 7 سنوات حتى اليوم أن عملها التطوعي جاء كلفتة منها لتفيد النساء فإيجادهن للقراءة والكتابة يشكل أهمية كبيرة خاصة عندما يطلب منهن بعض الأوراق أو يحاول أحفادهن أن يريهن شهادتهن فلا يستطعن معرفة ما هو مكتوب، موضحة أن المشكلة ذاتها تتكرر عندما تريد شراء الدواء ومعرفة مواعيده أو تتوه في أحد الشوارع ولا تستطيع قراءة بعض اللافتات للاستدلال على العنوان خاصة عندما يكون فارغ من المارة.
جميع تلك المواقف المحرجة قد يتلافاها كبار السن عندما يتعلموا القراءة حسب ما أفادت لنا يسرى مطر التي أكدت أن العمر مجرد رقم ومن يريد يستطيع أن ينجح خاصة عندما يتوافر دافع قوي، لافتة إلى أنها واجهت صعوبة في البداية بسبب نسيانهن للمعلومات وتشتت أذهانهن بين الأوضاع التي تكابدها المدينة المحاصرة من جهة ومشكلات عائلاتهن من جهة أخرى.
وأكدت يسرى مطر أن كبار السن لا يمكن إلزامهن بوقت محدد فكل ما تستطيع فعله فرض يومان بالأسبوع فقط أما عن الساعة فكل مسنة تلتحق بالدرس في ساعة مختلفة عن الأخرى مما يجعلها تكرر المادة نفسها أكثر من مرة، لافتة أن التقييم يتم من خلال أوراق العمل والقراءة للنصوص مع مراعاة قدراتهن الفردية في استيعاب المعلومات والاستجابة لجميع طلباتهن خاصة عندما طلبت إحداهن تعلم الأرقام باللغة الانجليزية.
 
 
فيما أوضحت منسقة مشروع النادي النهاري في جمعية رعاية كبار السن نادية الهشيم أن فكرة تفعيل برنامج محو الأمية للسيدات جاءت إثر تعثرهن في القراءة إضافة إلى عدم معرفتهن بما يرد من مبالغ مستحقة في وصولات الماء أو الكهرباء والأوراق الرسمية الأخرى فجاءت الحاجة الملحة لتعليمهن كي لا تتعرضن لعمليات النصب أو أن يبقوا بحاجة مستمرة لمن يقرأ لهن مواعيد الأدوية في النشرة الإرشادية المرفقة من قبل الطبيب.
وأشارت إلى أن غالبية تلك النساء لم تذهبن إلى مدارس كما أنهن لم يتلقين أي نوع من أنواع التعليم فتقرر تقديم مادة تعليمية بسيطة توافق قدراتهن ليستطيعوا الاعتماد على أنفسهن ويشعرن بالإنجاز فيما ستكون الدورات المقبلة في مواضيع مختلفة وفقاً لتطور مستوياتهن تحت عنوان الأمية التكنولوجية وكيفية استخدام الهواتف الذكية والتفاعل معها.
ولم تذكر نادية الهشيم مدة محددة لاجتياز فترة التعليم في برنامج محو الأمية لكبار السن فكل واحدة منهن تستغرق الوقت الذي يتوافق مع قدراتها فالهدف الأول هو أن تستفيد وتصبح قادرة على القراءة والكتابة، مشيرة إلى أن هناك إقبال كبير من قبل المسنات للالتحاق بمحو الأمية فكان يستفيد سابقاً (250) عضو/ة أما الآن فترصد الجمعية ما يقارب الـ (700) عضو وهو عدد قابل للزيادة في كل يوم.
 
 
أما عن المعوقات فيعد نقص التمويل بحسب نادية الهشيم هو ما يهدد عمل الجمعية المؤسسة منذ (1980) تحت رعاية مؤسسة دولية لكن ما أنهت تلك المؤسسة خدماتها في قطاع غزة حتى أصبحت الجمعية تكابد خطر الإغلاق كل يوم، مضيفة أن فكرة ترميم وإعادة بناء الجمعية من الأهداف الأساسية التي تسعى لتحقيقها في ظل أهمية تواجد أماكن تستقبل كبار السن وتساعدهم في الترفيه عن أنفسهم بحسب دراسات عالمية قد أعدت مسبقاً.