مجزرتي رفح وجباليا... إسرائيل تستهدف النساء والأطفال بغزة

لكل ضحية من ضحايا الهجوم على قطاع غزة قصة، فلا يكفي عرض الأرقام والنسب إنما يجب تجييش الرأي العام وتسليط الضوء على الانتهاكات المرتكبة بحق النساء.

رفيف اسليم

غزة ـ في تمام الساعة العاشرة من مساء السادس من آب/أغسطس قررت المروحيات العسكرية الإسرائيلية اختراق صمت مخيم الشعوت برفح وضربه بعدة صواريخ كان نتيجتها فقدان طفل لحياته وإصابة العشرات، بالتزامن مع ارتكاب تلك المروحيات مجزرة أخرى بمنطقة جباليا شمال قطاع غزة راح ضحيتها 5 أطفال ليرتفع عدد الجرحى خلال يومين من الهجوم 203 إصابة وفقدان 24 شخصاً لحياتهم في تلك الليلة.

عند بدأ الهجوم يوم الجمعة 5 آب/أغسطس استهدفت إسرائيل برج فلسطين في مدينة غزة بعدة صواريخ دون أي سابق إنذار لتروح ضحية ذلك الاستهداف الطفلة آلاء عبد الله قدوم البالغة من العمر 5 سنوات.

آلاء قدوم طفلة كانت تلهو مساء يوم الجمعة كبقية أبناء جيلها أمام منزلها، فذلك اليوم يخصص لاجتماع الأطفال وتبادلهم الألعاب والضحكات، لكن طائرات إسرائيل كان لها رأي آخر وقررت أن تنهي اليوم بصوت صرخاتهم، وقتل أمل تلك الطفلة في أن تصبح معلمة كما كانت تخبر أصدقائها خلال لحظاتها الأخيرة.

الأمر نفسه حدث مع الشابة دُنيانا العمور البالغة من العمر 23 عام التي تدرس في كلية الفنون الجميلة، حينما كانت جالسة في أرض زراعية ملك والدها قبل أن تستقبل قذيفة صاروخية أطلقتها دبابة تجاهها دون أي إنذار لتنتهي حياتها بلحظة، قبل أن تكمل تلك رسمتها الجديدة التي تحاول خلالها التحليق بعيداً عبر الألوان والورق.

فكان آخر ما كتبته الشابة دنيانا العمور عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "من جهتي لا أفعل شيئاً مدهشاً، ولكنّي أحاول وسط هذه العزلة، أن أجعل الحياة ممكنة التحمل"، مرفقة مع تلك الجملة عدة لوحات كانت قد رسمتها منها جانب من وجه فتاة لتعبر عن واقع الحياة بالمدينة المحاصرة نصف أحلام ونصف حياة.

لم تتوقف إسرائيل عند تلك الفتاتين بل أكملت باستهدافها نعامة أبو قايدة البالغة من العمر 62 عام خلال استقلالها مركبة من منطقة شمال غزة لمركز المدينة، دون أن تكون اقترفت أي ذنب سوى حقها في التنقل والحركة، فيما أصيب بقية من بالمركبة بجروح.

واستكمالاً لسلسلة الانتهاكات هناك داخل العناية المركزة في مستشفيات القطاع عشرات الحالات الخطرة لنساء وأطفال منهم الطفلة ليان الشاعر التي أصيبت بجروح خطيرة خلال غارة شنتها الطائرات الإسرائيلية على محافظة خانيونس، ويذكر أن تلك الطفلة ابنة (11) عام تتلقى تدريباتها بالدبكة الشعبية الفلسطينية في مركز نوار التربوي وهي قائد في فرقتها، وتواجه مصير مجهول حتى اللحظة.

فيما تم بصعوبة بالغة انقاذ الشابة سعاد حسونة من تحت أنقاض منزلها بمخيم الشعوت في مدينة رفح، التي فقد  أخاها الطفل محمد حياته أمامها ولم تستطع أن تفعل له شيء، تلك الشابة التي تفوقت بالثانوية العامة قبل عدة أيام بمعدل 94% وكانت تحلم بأن تلتحق بتخصص طب الأسنان سلبت فرحتها باستهداف منزلها وتشريد العائلة بين قتيل وجريح.

وبحسب تصريح صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية فإن أعداد الضحايا ارتفع ليصل 32 شخصاً و215 مصاب/ة.

وأوضحت الناشطة الحقوقية هنادي صلاح أن "استهداف إسرائيل للنساء والأطفال ليس عبثياً بل هو هدف ممنهج لزرع الخوف في تلك النفوس التي من المفترض أن تكون في نطاق حمايته وفق اتفاقية جنيف الرابعة، لكنه وكعادته يضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط"، مشيرةً أن عمليات القتل المتعمدة تهدف إلى تخويفهم.

ولفتت هنادي صلاح إلى أن "السطو على أرواح النساء والأطفال من قبل الاحتلال سلب منهم الأمل بالغد واستباح تدمير مستقبلهم بلا أي رحمة كالطفلة آلاء قدوم ابنة الخمس أعوام التي كانت تحلم أن تصبح معلمة"، مشيرة إلى أن غالبية النساء اللواتي قتلن لم يكن هناك ضرورة عسكرية لاستهدافهن كدنيانا العمور التي كانت متواجدة في أرض والدها بخانيونس لتتلقى قذيفة من دبابة، والمرأة الستينية التي كانت تمارس حقها بالتنقل فاغتالها صاروخ.

وأشارت هنادي صلاح إلى أن هناك ما يسمى بمبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني وهو إذا كان الاستهداف سينتج عنه مقتل عدد كبير من المدنيين يجب التوقف عنه، مبينةً أن هذا ما لم تراعيه إسرائيل في المجزرتين التي ارتكبتهما في جباليا ورفح التي راح ضحيتها عشرات المدنيين من النساء والأطفال.

وأضافت هنادي صلاح أن "إسرائيل دوماً ما تفلح بالهروب من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لانتهاكها القانون الدولي الإنساني وتحاول التحايل على القانون ذاته عبر عدم تسجيل عضويتها بتلك المحكمة كيلا تتم مقاضاتها عبر نظام روما للمحاكمات"، مشيرةً أن "الثغرة الأخرى تتم من خلال إنشائها محاكم صورية في بلادها لتحاكم داخلها مجرميها بالتالي عدم إنفاذ العقوبة وهو نوع من التحايل القضائي على الواقع".

وبينت هنادي صلاح أن هناك مشكلة أيضاً بالقوانين الدولية "تلك القوانين صاغت بنود القانون لكنها لم تحدد وقت أو كيفية ملاحقة الجاني بالتالي ترك الأمر بشكل عبثي ليستغله مجرمي الحرب"، موضحةً أن الوضع السياسي القوي ساعد إسرائيل على اختراق القانون وبدعم من دول كبرى كأمريكا وما زاد الأمر سوء الصمت العربي المطبق وضعف المدافعين عن القضية الفلسطينية.

وعن دور المراكز الحقوقية والقانونية بينت هنادي صلاح أن "على تلك المراكز في الفترة الحالية توثيق جميع تلك الجرائم ووضعها ضمن ملفات تمهيداً إلى تقدميها لمحكمة الجنايات الدولية بعد الحرب"، مشيرةً إلى أن "التشبيك مع المؤسسات بالخارج للضغط وإنهاء الهجوم هو من الأدوار التي تقوم بها مع إبراز قصة كل ضحية قتلت من النساء والأطفال وعدم الاكتفاء بعرض الأرقام والنسب فقط".