لإخراج الناجية من مثلث التروما... آليات الدعم النفسي لضحايا العنف والاتجار

التأثير النفسي للحديث عن الاتجار بالنساء أقرب لجلد الذات، فكيف يتم ذلك، فالإنسان ليس سلعة تباع وتشترى، ولا يجب أن يخضع لمثل هذه التوصيفات القاسية

أسماء فتحي
القاهرة ـ ، إلا أن المجتمع قد فرض بعض الظواهر المريرة التي وقع فريستها ملايين البشر حول العالم والنساء هم النسبة الأكبر.
خلال لقاء وكالتنا مع الطبيبة النفسية نعمات علي، تمكنا من الوقوف على تفاصيل البعد النفسي للإتجار وتكوين مثلث التروما التي تعد الضحية جزء منه، وطريقة النجاة وكذلك أسباب عدم يقين بعض النساء أنهن في قبضة الاستغلال والعنف بل والاتجار، فضلاً عن المرحلة التي يجب فيها على المرأة الواقع عليها ضرر طلب الدعم النفسي المتخصص.
 
سبب الاهتمام بالنساء للتحدث عن الاتجار
أكدت الطبيبة النفسية نعمات علي، أن اختيار المرأة تحديداً لمشروع مناهضة الاتجار مرتبط بكونها الأكثر تهميشاً في العالم وفق تقرير الأمم المتحدة الخاص بالجريمة والمخدرات والصادر عام 2020، والذي حدد الاتجار في 148 دولة رصد بدراستها وقوع نحو 49% منه على النساء و19% على الفتيات وبالتالي فهم أكثر فئة يتاجر بهم.
وأضافت أن المرأة في مصر تتعرض لمختلف أنواع العنف بنسبة أكبر من الرجال وكذلك التهميش والاستغلال وهو الدافع وراء مشروع مناهضة الاتجار بها، خاصةً أن السنوات قد تمر على الضحية دون أن تدرك أنها تقع فريسة الاتجار.
 
لماذا تجهل الكثير من النساء أنهن مُتاجر بهن
عدد من الأسباب وفق ما تراه الطبيبة النفسية نعمات علي، تجعل المرأة تجهل أنها في قبضة الاتجار والاستغلال ومنها أسلوب التربية ومستوى الثقافة وكذلك العنف ذاته، فالمرأة في كثير من الأحيان تكون عدوة نفسها وعدم معرفتها للاستغلال الواقع عليها، يحول دون معرفة حقوقها كإنسان وتعتقد أنها مسؤولة بقدر كبير عما يحدث لها من تعنيف وضغط نفسي.
وتعتبر أن دور قضايا المرأة بالأساس توعوي يحاول أن يحدد صور الاتجار والوقوف على الفرق بين كون المرأة يمكنها تحمل المسؤولية أو أنها تقع فريسة الاستغلال، مشيرةً أن واحد من أهم الأسباب التي تجعل المرأة تهرب من الوقوف على ما يحدث لها من استغلال وتلجأ للمساندة هو الخوف من الوصمة ونظرة المجتمع لها وكذلك الآثار النفسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية المترتبة على طلب الدعم، ودور منظمات المجتمع المدني هنا إخراج المرأة من كونها ضحية لناجية.
 
المعتدي عادة ما يكون مقرب
كثير من النساء الواقعات في قبضة الاتجار لا يستطعن التعرف على ذلك لأن الجاني عادة ما يكون شخص قريب منهن سواء من الأسرة أو محيط العمل والعلاقات وهو ما يجعل وقع الصدمة أكبر في حال الوقوف على تفاصيلها وإدراك حقيقتها.
وتتأثر الطبيبة النفسية نعمات علي بهذا المشهد معتذرةً لكل مرأة وقع عليها عنف من ذويها على ما حدث لها، فمن ينتظر منه الدعم والسند والرعاية هو نفسه من يغدر بالناجية ويعرضها للإساءة، وهو الأمر الذي يجعل الضحية تحتاج لوقت طويل كي تدرك أنها تحت وطأة اعتداء.
وتنصح جميع النساء بعدم السماح للمعتدي بأن يفصلها عن وسائل دعمها فيجب أن تتمسك المرأة بهذا الجانب الذي قد يتمكن من إخراجها وإنقاذها وقت الحاجة لذلك أو في حال تعرضها للتعنيف "أول ما يقوم به هو فصل ضحيته عن وسائل دعمها المحتملة، حتى لا يتمكن من التواصل وطلب المساعدة للخروج من دائرة الاستغلال".
 
هل جميع النساء يحتجن لمساعدة نفسية متخصصة؟
يتبادر للذهن بمجرد الحديث عن العنف والاتجار، من يحتاج للدعم النفسي، وفي أي مرحلة يجب البحث عنه؟، خاصة بعد سيطرة العنف على جانب كبير من العلاقات وتعرض ملايين النساء له حول العالم، نعمات علي تؤكد أن المساعدة النفسية المتخصصة لا تحتاجها كل النساء، فهناك من يتمكنون من النجاة دون الحاجة لها، ويتوقف الأمر على عدد من العوامل منها وقت تعرض الناجية للاعتداء وما إن كان بجوارها أحد يدعمها أم لا، وأيضاً طريقة استقبالها للإساءة، فالبعض يستطيع أن ينجو دون المساعدة الطبية المتخصصة بالفعل لأنه يعلم جيداً سبل التجاوز والخروج من أزماته.
وتابعت "أما في حال كونها ضحية فهنا وقعت المرأة في مثلث التروما 'ضحية ومنقذ ومعتدي'، يمكنها أن تظل ضحية أو أن تتحول لمنقذ وتساعد المعتدي أو تتحول هي مستقبلاً لمعتدي"، مؤكدةً على أن "أكبر عدو للمرأة هي المرأة نفسها فقد نجد بعض النساء يبررن للمعتدي فعلته ويعتبرن أن تحمل الإهانة والإذلال أمر طبيعي، بل أن الخضوع للاستغلال والاتجار يساهم في استمرار منظومة الزواج والأسرة ويحمي الأطفال وكلها مفاهيم مغلوطة من نساء داخل مثلث التروما ولم يتعافوا بعد".
 
"الأصعب في الخدمة النفسية إقناع الضحية أنها مجني عليها"
يتمثل دور الخدمة النفسية في إخراج المرأة من مثلث التروما لتصبح ناجية حتى لا تصبح معتدية على نفسها وعلى أبنائها ومجتمعها فيما بعد، لأن الأحداث الصادمة تؤثر وتجعل الشخص الواقع عليه الضرر يأخذ أفكار مغايرة عن واقعه ونفسه، وتعتبر نعمات علي أن الناجيات من الاتجار يرين أنفسهن ضعفاء، ويفقدن الثقة في أنفسهن ومن حولهن وكأنهن يرتدين نظارات سوداء، وأغلبهن يخفن من التعامل مع الغير ويختل تقديرهن للعالم المحيط بهن والقيم المجتمعية.
وتلفت إلى أنه من المؤلم تخيل تعرض شخص للظلم لدرجة بحثه عن مبررات للعنف والغدر الواقع عليه من الغير، فبعض النساء بالفعل لا يدعن أنفسهن يقتنعن أنهن مستغلات، هناك ذنب بداخلهن لا يصدق بل ويرفض الوقوف على الكارثة التي يقعن ضحيتها، "قد نجد بعض الضحايا يتحدثن عن كونهن سبب في استفزاز الجاني وأنهن لن يقومن بالجانب الذي عليهن إتمامه على الوجه الأمثل، وبعضهن يبحثن عن أدوات لتحمل التعنيف، وهناك من يحاولن الهرب من مجرد التفكير أنهن متاجر بهن خاصةً من يعملن بينما يقبع الأزواج في المنزل تحت ستار المساندة والمشاركة وغيرها من الكلمات التحايلية للهروب من واقع الاتجار والاستغلال".
وتؤكد أنها طوال مدة عملها على هذا الملف على مدار 10 سنوات لم تجد أصعب من إقناع الناجيات بحجم الظلم الواقع عليهن، وجعلهن يصدقن أنهن ليسن طرف فيما حدث لهن من أزمات وإخراجهن من دائرة الشعور بالذنب.
 
من هنا يبدأ النجاة
ترى الطبيبة النفسية نعمات علي أن أولى خطوات النجاة هي معرفة الضحية أن ما يمارس معها من استغلال أو تعنيف أمر غير طبيعي ويحتاج لتدخل طبي متخصص وأن عليها إيقافه وعدم قبول استمراره، مؤكدةً أن طلب المساعدة النفسية يعبر عن درجة الوعي وبداية للعودة للوقوف ووضع القدم على الطريق الصحيح لاستعادة القوة والانطلاق مجدداً نحو الحياة الأفضل الخالية من التعنيف والقهر والاستغلال والاتجار.
واعتبرت الطبيبة النفسية نعمات علي، أن واحد من أدوات الدعم النفسي المتخصص هو التعامل مع الأفكار السلبية التي تسيطر على الضحية، وإعادة الناجية للحياة وعلاقاتها وعملها، ومساعدتها على معرفة قواعد الأمان والحماية ومنعها من العودة لمثلث "التروما" كضحية مرة أخرى.