تحرير منبج كان نقطة تحول في حياة النساء من كافة المكونات

عندما سيطر داعش على مدينة منبج تركت سناء رجب المدينة للحفاظ على عائلتها وهويتها واليوم تمثل مجتمعها الشركسي بكل فخر.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ تحرير منبج كان نقطة تحول في حياة المرأة التي تخشى من هويتها وتخاف من أنوثتها عندما سيطر داعش على المدينة، وأصحبت اليوم تمثل هويتها.

صنف مرتزقة داعش من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم لما يمارسه من أعمال وحشية بحق شعوب شمال وشرق سوريا، من قتل ورجم النساء والحرق، كل هذه الانتهاكات كان يشرعنها داعش تحت ما يسمى الإسلام.

حارب داعش كل اختلاف من لغة ومعتقد بكافة الوسائل ومن هؤلاء المكون الشركسي، الذين لم يسلموا من التمييز العنصري الذي مارسه داعش بحقهم وبحق سكان المنطقة، لكن سناء رجب أصبحت نموذجاً للشركسيات.

 

أساليب سيطرة داعش على منبج             

سناء رجب (36 عاماً) إحدى النساء اللواتي غير تحرير منبج مجرى حياتهن، قالت "عند دخول داعش المدينة كانوا غريبي الأطوار بلحى طويلة وملابس سوداء، وهذا ما زاد خوفنا أكثر منهم"، لا تنكر سناء رجب أنهم خدعوا في البداية "رغم أنهم كانوا يناشدوا عبر منابر المساجد ويقولون بأنهم أهل الحق إلا أنه بعد مرور مدة قصيرة خلعوا اقنعتهم وكشفوا عن حقيقتهم، وبدأوا بإجبار السكان على تنفيذ قوانينهم، وبدأوا بالتدخل بشؤون النساء ولباسهن".

وأضافت "لم يكن عندي الرغبة في الخروج من منبج لأنها أرضي، واللحاق بزوجي الذي كان في حلب، لكننا أجبرنا في النهاية على الخروج، ففي إحدى المرات تم دعوة جميع سكان المنطقة للذهاب إلى ساحة الحي دون معرفة السبب، وعندما تجمعنا احضروا ثلاث شبان وقطعوا رؤوسهم أمام أعيننا وأعين أطفالنا إلى جانب تصويرهم".

وعن تعرضها للضرب من قبل عناصر داعش قالت "اعترضني عدد من المرتزقة في الطريق وقاموا بضربي على ظهري وقالوا لي 'ما ترتديه ليس لباساً شرعياً' رغم أنني كنت مرتدية ما فرضوه علينا"، موضحةً أنهم "كانوا يفرضون تلك الملابس على الأطفال أيضاً وهذا ما دفعني للخروج من منبج بسبب الانتهاكات التي تعرضنا لها".

 

حاولوا تزويجها لمرتزق من عناصر داعش   

وأشارت إلى أن "الخروج من المنزل دون محرم كان أحد أسباب اعتقال النساء ومعاقبتهن ويعتبر المحرم حسب فكر داعش الأقرباء للمرأة من الدرجة الأولى كأشقائها ووالدها وجدها وأبنائها وأعمامها وأخوالها".   

وأما عن رحلة خروجها من المدينة قالت سناء رجب "ساعدني مرض طفلي في الخروج من منبج، لكن لم يكن لدي محرم فذهبت إلى مركز الحسبة لأخذ إذن بالخروج وفق الإجراءات التي كانوا يتبعونها، طلبوا مني أن التقي بالأمير، بعدها ذهبت لمشفى الفرات ليتأكدوا من كلامي وعندما رأوا أن طفلي ذو بشرة بيضاء، ظنوا أنني شقراء كطفلي وبحجة إيجاد كفيل ولضمان عودتي إلى المدينة، اقترح علي الأمير أن يؤمن لي محرم في إشارة إلى تزويجي لأحد عناصرهم، وأن أذهب إلى الموصل في العراق بدلاً من حلب لمعالجة ابني، فرفعت الخمار عن وجهي عندما رأى وجهي وتأكد من عدم توفر المواصفات التي يرغبون بها ختم لي إذن السفر إلى حلب دون محرم أو كفيل"، مشيرةً إلى أنه "كانت أساليبهم في التعامل مخيفة".

 

هويتهم ولغتهم باتت عبئاً عليهم

وأشارت إلى أنها تنكرت لهويتها الشركسية "الكثير منهم كانوا يقولون إن الشركس ليسوا مسلمين وأنهم مرتدين عن الدين ويحلل ذبحهم، لذا في الكثير من الأحيان كنت أقول إنني عربية، أخفينا هويتنا للحفاظ على أرواحنا، حتى لغتنا امتنعنا عن الحديث بها، كانوا يقولون إنها لغة عبرية"، موضحةً "هذا حال جميع سكان منبج سواء كانوا شركس أو كرد أو تركمان، فكانوا يمارسون تميز عنصري واتهامهم بالردة".

 

العودة إلى منبج

وعن معرفتها بحملة تحرير منبج قالت سناء رجب "كان ذلك بمثابة بصيص أمل لعودتنا إلى مدينتنا بعد ما أخبرونا بحملة التحرير، وتابعت أخبار حملة تحرير مدينة منبج عن كثب وأنا أنتظر بشرى التحرير، وفي يوم التحرير 15آب، وبعد 4 أيام عدت إلى المدينة وهي محررة حديثاً".

وأوضحت أنه "في بداية التحرير كان هناك تخوف من قبل السكان من مخلفات داعش، لكن جهود مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية كانت كبيرة لإزالة مخلفاتهم، وهذا ما أعطاني الأمان لأتجول في شوارع منبج وأتأمل مدينتي التي عادت كما كانت رغم الخراب، ووجوه الجميع كانت تبشر بالخير والاطمئنان".

 

وصفت رسوماتها بالفسق

وحول رؤيتها لتدمير منزلها بعد عودتها قالت سناء رجب "منزلي كان مدمراً وكل شيء مبعثراً. وحتى رسوماتي لم تسلم منهم، وجدت رسوماتي التي تجسد المرأة مرمية على الأرض وبعضها مشطوب عليها وبعضها الآخر مكتوب عليه فاسقة والكثير منها ممزقة أو محترقة. داعش عدو لأي شيء وخاصةً للمرأة كنت اتخيل أنه إذا رأى عصفورة لقتلها لشدة عدائهم للنساء".

رغم منع داعش الرسم إلا أن سناء رجب لم تقف يوماً عن ممارسة هوايتها، حتى بعد ذهابها إلى حلب قد رسمت صورة جسدت فيها صورة ابنتها وهي تحمل دميتها في يديها وهي تراقب من شرفة منزلها العائلات في منازلهم وهي تحن للعودة إلى منزلها في مدينة منبج، ولا تزال تحتفظ بتلك الرسومات التي تحمل ذكريات أليمة.   

 

تطالب بتحقيق الحرية لنساء

بعد أن تحررت مدينة منبج أصبحت سناء رجب عضو في تجمع نساء زنوبيا الذي يعتبر مرجعية لكافة النساء، لتمثل مكونها الشركسي الذي لطالما منع من إظهار هويته، فبعد أن كانت تخشى النطق بلغتها وامرأة محرومة من جميع حقوقها، ساعدها التحرير على أن تكون امرأة مؤثرة.

في ختام حديثها اعتبرت سناء رجب العضو في تجمع نساء زنوبيا أن "ذكرى تحرير مدينة منبج حدث عظيم بالنسبة لنا لأننا تحررنا من الظلام، ونتمنى أن تبقى المدينة على ما هي عليه من أمن واستقرار".